في ذكرى الانتفاضة الأولى
علي زبيدات – سخنين
كتبت هذه السطور عشية الذكرى ال24 للانتفاضة الفلسطينية الأولى. قمت، في هذه المناسبة، بجولة على العديد من المواقع الإخبارية الفلسطينية المحلية والوطنية وبعض المواقع العربية واسعة الانتشار لكي أطلع على الفعاليات المنوي إطلاقها لإحياء وتكريم في هذه المناسبة. ولكن ماذا وجدت هناك؟ لا شيء على الإطلاق، وكأن الانتفاضة الأولى لم تكن أصلا أو وكأن يدا خفية قامت بشطبها من الذاكرة ومن صفحات التاريخ. لم أجد خبرا واحدا ينبئ عن مهرجان أو ندوة أو محاضرة بهذه المناسبة. ولكي أكون صادقا وجدت بعض الأخبار التي تتكلم عن احتفالات تعدها حركة حماس في غزة للاحتفال بذكرى انطلاقتها التي تتزامن من انطلاق الانتفاضة الأولى. بينما كلنا يعرف أن الانتفاضة الأولى جرفت جميع قطاعات شعبنا بغض النظر عن انتماءاتها التنظيمية.
إذن، ستمر هذه المناسبة غدا وسط هدوء تام. وقد تقوم بعض الصحف أو بعض المواقع الإخبارية بذكرها ببعض كلمات أو بعض سطور بعد مرورها. مما لا شك فيه أن هذا الواقع ليس وليد المصادفة بل هو مدروس ومبرمج ومخطط له وهدفه واضح: محو ذكرى هذه الملحمة الإنسانية الفريدة من نوعها.
بالنسبة لي، ذكرى انطلاقة الانتفاضة الأولى (والثانية أيضا) لا تقل أهمية عن انطلاقة حركة فتح أو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أو الجبهة الديمقراطية أو حركة حماس أو الجهاد الإسلامي، وربما كانت تفوق هذه المناسبات من حيث أهميتها. فلماذا تم دفن ذكرى الانتفاضة وهي حية في قلوب جماهير شعبنا بينما تحيي ذكرى بعض الفصائل وهي رميم؟
لست بصدد كتابة تاريخ الانتفاضة الأولى فقد قيل وكتب في هذا الموضوع الكثير ولكن للتذكير فقط: فإن هذه الانتفاضة التي انفجرت في الثامن من كانون الثاني عام 1987 في أعقاب جريمة دهس بعض المواطنين الفلسطينيين من سكان مخيم جباليا كانت نتيجة لتراكمات جرائم الاحتلال من قمع ونهب وتطهير عرقي منذ عام النكبة وحتى لحظة انفجارها. وقد أذهلت هذه الانتفاضة وفاجأت ليس فقط سلطات الاحتلال بل القيادة الفلسطينية أيضا. فقد صرح المسئولون الإسرائيليون العسكريون في حينه أن هذه الأعمال روتينية وسوف تنتهي بعد يوم أو يومين، وقدموا النصيحة لرئيس الحكومة إسحاق رابين أن يتابع زيارته لأمريكا كما هو مخطط لها. غير أن الأحداث لم تتوقف بل على العكس زادت تأججا وانفجارا. وعلى الجانب الآخر، ظنت القيادة الفلسطينية القابعة في تونس وأماكن أخرى أن المسألة لا تتجاوز الاحتجاج الطبيعي على مقتل المواطنين ولم تستوعب هذه القيادة زخم هذه الانتفاضة إلا في مرحلة لاحقة. وليتها لم تستوعب ذلك لأنها بدأت في تجييرها لسياسة المفاوضات والوعود الغربية التي تمخضت فيما بعد باتفاقيات أوسلو وإجهاض الانتفاضة نهائيا.
عظمة الانتفاضة الأولى أنها حركت جميع قطاعات الشعب من أطفال وشباب وشيوخ، رجال ونساء، مدنيين وقرويين وسكان مخيمات ومضارب بدو. لقد كانت انتفاضة شعبية بامتياز نادرا ما عرف التاريخ البشري شبيها لها. كان من الممكن لهذه الانتفاضة الشعبية أن تطور لكي تصبح عصيانا مدنيا شاملا ومن ثم لثورة شعبية قادرة على تغيير الواقع السياسي في المنطقة جذريا لولا تكالب الجميع لإجهاضها: إسرائيل بالقمع والتنكيل والتنظيمات فلسطينية بتجييرها واستثمارها لمصالحها الفئوية.
لقد غزت الانتفاضة لغات العالم وقواميسها وأصبحت تستعمل بلفظها العربي في جميع أرجاء العالم. أصبحت الكلمة السحرية التي تعبر عن صرخة جميع المظلومين بغض النظر عن انتماءاتهم. ومن ناحية أخرى أصبحت تهمة تدمغها الأنظمة ووسائل القمع الأمنية بخصومها.
إنه لمن المخجل والمؤلم في آن واحد أن تعمل بعض الجهات الفلسطينية المعروفة بارتباطاتها المحلية والإقليمية والدولية المشبوهة لمحو هذه الذكرى الخالدة من الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني وتنشر الفرية التي تقول أن الانتفاضة هي انفلات أمني وفوضى سلاح وتعريض أمن الجمهور للخطر وغيرها من المفردات المستوردة من قاموس الاحتلال ومدرسة دايتون الامبريالية.
في الذكرى أل24 للانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى، وبعد تقديم أسمى آيات الوفاء والإخلاص للشهداء نقول أن الانتفاضة المتصاعدة إلى ثورة شاملة هي الطريق الوحيد للعودة والتحرير.
علي زبيدات – سخنين
كتبت هذه السطور عشية الذكرى ال24 للانتفاضة الفلسطينية الأولى. قمت، في هذه المناسبة، بجولة على العديد من المواقع الإخبارية الفلسطينية المحلية والوطنية وبعض المواقع العربية واسعة الانتشار لكي أطلع على الفعاليات المنوي إطلاقها لإحياء وتكريم في هذه المناسبة. ولكن ماذا وجدت هناك؟ لا شيء على الإطلاق، وكأن الانتفاضة الأولى لم تكن أصلا أو وكأن يدا خفية قامت بشطبها من الذاكرة ومن صفحات التاريخ. لم أجد خبرا واحدا ينبئ عن مهرجان أو ندوة أو محاضرة بهذه المناسبة. ولكي أكون صادقا وجدت بعض الأخبار التي تتكلم عن احتفالات تعدها حركة حماس في غزة للاحتفال بذكرى انطلاقتها التي تتزامن من انطلاق الانتفاضة الأولى. بينما كلنا يعرف أن الانتفاضة الأولى جرفت جميع قطاعات شعبنا بغض النظر عن انتماءاتها التنظيمية.
إذن، ستمر هذه المناسبة غدا وسط هدوء تام. وقد تقوم بعض الصحف أو بعض المواقع الإخبارية بذكرها ببعض كلمات أو بعض سطور بعد مرورها. مما لا شك فيه أن هذا الواقع ليس وليد المصادفة بل هو مدروس ومبرمج ومخطط له وهدفه واضح: محو ذكرى هذه الملحمة الإنسانية الفريدة من نوعها.
بالنسبة لي، ذكرى انطلاقة الانتفاضة الأولى (والثانية أيضا) لا تقل أهمية عن انطلاقة حركة فتح أو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أو الجبهة الديمقراطية أو حركة حماس أو الجهاد الإسلامي، وربما كانت تفوق هذه المناسبات من حيث أهميتها. فلماذا تم دفن ذكرى الانتفاضة وهي حية في قلوب جماهير شعبنا بينما تحيي ذكرى بعض الفصائل وهي رميم؟
لست بصدد كتابة تاريخ الانتفاضة الأولى فقد قيل وكتب في هذا الموضوع الكثير ولكن للتذكير فقط: فإن هذه الانتفاضة التي انفجرت في الثامن من كانون الثاني عام 1987 في أعقاب جريمة دهس بعض المواطنين الفلسطينيين من سكان مخيم جباليا كانت نتيجة لتراكمات جرائم الاحتلال من قمع ونهب وتطهير عرقي منذ عام النكبة وحتى لحظة انفجارها. وقد أذهلت هذه الانتفاضة وفاجأت ليس فقط سلطات الاحتلال بل القيادة الفلسطينية أيضا. فقد صرح المسئولون الإسرائيليون العسكريون في حينه أن هذه الأعمال روتينية وسوف تنتهي بعد يوم أو يومين، وقدموا النصيحة لرئيس الحكومة إسحاق رابين أن يتابع زيارته لأمريكا كما هو مخطط لها. غير أن الأحداث لم تتوقف بل على العكس زادت تأججا وانفجارا. وعلى الجانب الآخر، ظنت القيادة الفلسطينية القابعة في تونس وأماكن أخرى أن المسألة لا تتجاوز الاحتجاج الطبيعي على مقتل المواطنين ولم تستوعب هذه القيادة زخم هذه الانتفاضة إلا في مرحلة لاحقة. وليتها لم تستوعب ذلك لأنها بدأت في تجييرها لسياسة المفاوضات والوعود الغربية التي تمخضت فيما بعد باتفاقيات أوسلو وإجهاض الانتفاضة نهائيا.
عظمة الانتفاضة الأولى أنها حركت جميع قطاعات الشعب من أطفال وشباب وشيوخ، رجال ونساء، مدنيين وقرويين وسكان مخيمات ومضارب بدو. لقد كانت انتفاضة شعبية بامتياز نادرا ما عرف التاريخ البشري شبيها لها. كان من الممكن لهذه الانتفاضة الشعبية أن تطور لكي تصبح عصيانا مدنيا شاملا ومن ثم لثورة شعبية قادرة على تغيير الواقع السياسي في المنطقة جذريا لولا تكالب الجميع لإجهاضها: إسرائيل بالقمع والتنكيل والتنظيمات فلسطينية بتجييرها واستثمارها لمصالحها الفئوية.
لقد غزت الانتفاضة لغات العالم وقواميسها وأصبحت تستعمل بلفظها العربي في جميع أرجاء العالم. أصبحت الكلمة السحرية التي تعبر عن صرخة جميع المظلومين بغض النظر عن انتماءاتهم. ومن ناحية أخرى أصبحت تهمة تدمغها الأنظمة ووسائل القمع الأمنية بخصومها.
إنه لمن المخجل والمؤلم في آن واحد أن تعمل بعض الجهات الفلسطينية المعروفة بارتباطاتها المحلية والإقليمية والدولية المشبوهة لمحو هذه الذكرى الخالدة من الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني وتنشر الفرية التي تقول أن الانتفاضة هي انفلات أمني وفوضى سلاح وتعريض أمن الجمهور للخطر وغيرها من المفردات المستوردة من قاموس الاحتلال ومدرسة دايتون الامبريالية.
في الذكرى أل24 للانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى، وبعد تقديم أسمى آيات الوفاء والإخلاص للشهداء نقول أن الانتفاضة المتصاعدة إلى ثورة شاملة هي الطريق الوحيد للعودة والتحرير.
1 comment:
اليوم .. و في الذكرى الرابعة و العشرين لانطلاق الانتفاضة الفلسطينية الاولى .. نحني رؤوسنا إجلالاً لأطفال الحجارة و أبطالها وأسراها و شهداؤها في نضالهم من اجل كرامة فلسطين و حريتها .. عاشت فلسطين حرة عربية أبيّة.
و شكرًا لك أخي علي على مجهودك لإحياء هذه الذكرى الراسخة في قلوب الكثير من الفلسطينيين الذين لم و لن يتناسوا وطنهم فلسطين
اختك صفاء الطويل/ واشنطن
Post a Comment