Wednesday, December 21, 2011

هل حقا انتهت الحرب الأمريكية في العراق؟

هل حقا انتهت الحرب الأمريكية في العراق؟
علي زبيدات – سخنين

قبل أيام أعلن الرئيس الأمريكي أوباما رسميا انتهاء حرب العراق. وقد أغدق في خطابه المديح على الجنود الأمريكيين الذين أدوا مهامهم بفخر ووطنية حسب كلماته وعبر عن فخره واعتزازه بما قام به هؤلاء الجنود. إن دل قوله هذا على شيء فإنه هذا يدل أولا على أن معارضته للحرب قبل أن يصبح رئيسا كانت مجرد دعاية انتخابية تفتقر لأبسط قواعد المصداقية وأنه لا يوجد هناك ثمة أي فرق جوهري بين إدارة الرئيس الجمهوري بوش وبين إدارته الديمقراطية. ويدل ثانيا على أن الجرائم التي اقترفتها الجيوش الأمريكية في العراق يتحمل هو مسؤوليتها بنفس المقدار الذي يتحملها بوش. صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية تكبدت خسائر جسيمة في هذه الحرب الإمبريالية حيث قتل 4500 جندي وجرح عشرات الآلاف هذا بالإضافة للخسائر المادية التي تجاوزت تريليون دولار والتي عمقت بدورها الأزمة الاقتصادية التي تعصف في الولايات المتحدة منذ عدة سنوات وبمجمل النظام الرأسمالي العالمي. غير أن نتائج الجرائم التي اقترفتها هذه القوات بحق العراق وشعبه تفوق أضعاف مضاعفة خسائر الأمريكيين. فقد قتل أكثر من 100 ألف مدني عراقي وجرح مئات الآلاف وشرد أكثر من مليون مواطن هذا بالإضافة إلى تدمير البنى التحتية للبلد وفيما بعد نهب ثرواته الطبيعية وعلى رأسها النفط.
الآن كلنا يعلم الأكاذيب التي روجتها الدول الإمبريالية لتبرير شن هجومها الغاشم: تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل؟ تبين أن هذه الكذبة من أكبر الكذبات في التاريخ قديمه وحديثه يعجز عنها حتى جهاز الدعاية النازي بزعامة غوبلز. ملاحقة ومحاربة تنظيم القاعدة؟ تبينت هي الأخرى من الكذبات التي يشهد لها التاريخ. ولعل الكذبة الأكبر على الإطلاق هي كذبة نشر الديمقراطية. وكل ما فعلته هذه القوات في هذا المجال هو زرع الفتنة بين أفراد وطوائف وقوميات الوطن الواحد وتأجيج الصراعات الطائفية. هذا بالإضافة إلى فضائحهم في سجن أبو غريب وغيره.
ولكن لنعود إلى كذبة إنهاء الحرب وسحب القوات الأمريكية. حسب المصادر الغربية نفسها ما زال في العراق 16 ألف شخص من أفراد الشركات الأمنية الخاصة ومعظم هؤلاء من الجنود المسرحين والمرتزقة وهم أسوأ بما لا يقاس من الجنود النظاميين. هذا بالإضافة إلى مئات الخبراء والمختصين والمستشارين الأمنيين. بعد أن أنجزت القوات الأمريكية الغازية مهامها العسكرية الأساسية أوكلت الآن (بعد الانسحاب) مهامها إلى جيش النظام العميل وأجهزته الأمنية. واليوم جاء دور المرحلة الثانية وهي مرحلة سلب ثروات العراق بالطرق المدنية.
وأكثر من ذلك، فقد انسحبت معظم القوات الأمريكية إلى الكويت وقطر وباقي دول الخليج وحسب بعض المصادر الغربية نفسها إلى الحدود بين الأردن وسوريا وهذا يضمن تحقيق هدفين استراتيجيين في السياسة الأمريكية في المنطقة، أولا: عدم الابتعاد عن العراق وإمكانية العودة السريعة إليه وقت الضرورة. ثانيا: الاستعداد لفتح جبهات جديدة في سوريا ولبنان وفي كل منطقة تتعرض المصالح الأمريكية بها للخطر. بالطبع يجب ألا ننسى هنا المصلحة الإسرائيلية ولا أبالغ إذا قلت أن السبب الرئيسي أصلا للحرب في العراق ولجميع الحروب الماضية والقادمة في المنطقة جاءت لتقدم خدمة لدولة إسرائيل.
الخلاصة هي أن الحرب الأمريكية في العراق حسب رأيي ليس فقط أنها لم تنته بل تهدد بالانتشار إلى أماكن أخرى أيضا وقد تكون سوريا وإيران المرشحتين الرئيسيتين ولكنهما ليستا الوحيدتين.
مصيبتنا، نحن الشعوب العربية ومن ضمنها الشعب الفلسطيني إنه كلما جاهرت الولايات المتحدة بعداوتها وعدوانيتها ضدنا كلما انبطحنا أمامها وزحفنا تحت أقدمها واعتبرناها مخلصنا. في الحقيقة هذه ظاهرة يصعب فهمها واستيعابها. وأنا هنا لا اقصد الأنظمة التي تكون مستعدة للتحالف مع الشيطان للحفاظ على أنفسها والتشبث بكراسيها بل أيضا قطاعات واسعة من حركات المعارضة التي تخوض صراعا مريرا للتحرر من مضطهديها وتقود في بعض البلدان ما يسمى بالربيع العربي والثورات العربية ولكنها تسقط في الشباك الأمريكية وتغرق في مستنقع التعاون مع الأنظمة الإمبريالية المعادية.
قال ماو تسي تونغ في خضم صراعه الطويل ضد الاستعمار الياباني والرجعية المحلية: مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، ولكن في عالمنا العربي هذه المعادلة معكوسة تماما: مسيرة الخطوة الواحدة تستغرق قطع مسافة ألف ميل. الخطوة الواحدة هي الإعلان أن أمريكا هي العدو ومعاملتها بالمثل وليس اللهث ورائها واستجدائها ما لا تستطيع أن تعطيه. وكان ماو تسي تونغ في ذلك الوقت يردد القول: الهزيمة هي أم الانتصار، ولكن في عالمنا العربي الهزيمة هي أم لهزيمة أخرى أبشع من الهزيمة التي سبقتها، حتى أن بعض انتصاراتنا المحدودة والمتواضعة سرعان ما تتحول إلى هزائم نكراء. وأكثر من ذلك، وبسبب شخصيتنا الفهلوية نحول هزائمنا إلى انتصارات وهمية ونحول جبننا إلى بطولات.
الثورة في أي بلد عربي لا تستحق أن يطلق عليها اسم ثورة إذا لم تكن ضد الهيمنة الإمبريالية الأمريكية كما هي ضد الرجعية المحلية. لا ينطبق هذا الأمر على مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا وحسب بل على كافة البلدان العربية وفي مقدمتها فلسطين. يجب فضح جميع المراهنين على الدور الأمريكي ويروجون للكذبة التي تقول أن أمريكا تمتلك 90% من أوراق الحل. وربما كان أكثر صدقا أن نقول: أن أمريكا تمتلك 90% من أوراق المشكلة وليس الحل. الحرب الامبريالية نعم سوف تنتهي ولكن فقط ثورات الشعوب المضطهدة هي التي سوف تحقق ذلك.

No comments: