Wednesday, September 21, 2011

من أيلول الأسود إلى أيلول الأشد سوادا

من أيلول الأسود إلى أيلول الأشد سوادا
علي زبيدات – سخنين

من أيلول الأسود في عمان عام 1970 مرورا بأيلول الأشد سوادا في بيروت عام 1982 وحتى أيلول الأشد سوادا على الإطلاق في نيويورك 2011، جرت في نهر الأردن مياه كثيرة كانت كافية لأن تقلب القضية الفلسطينية رأسا على عقب. في أيلول عمان الأسود خسرنا معركة وفي أيلول بيروت الأشد سوادا خسرنا الحرب أما في أيلول نيويورك الأشد سوادا على الإطلاق فقد خسرنا كل شيء بما فيه أنفسنا.
في أيلول عمان الأسود كنا نعرف من هو العدو وكان كل طفل يردد: العدو هو الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية. وكنا نعرف من هو الصديق: الجماهير الفلسطينية والشعوب العربية وقوى التحرر في العالم. في أيلول بيروت الأشد سوادا اختلط الحابل بالنابل، اختلطت الأوراق، تغيرت المواقع وتبدلت الأدوار. أما في أيلول نيويورك الأشد سوادا على الإطلاق فقد أصبح العدو صديقا وأصبح الصديق عدوا. حيث سوف يمد محمود عباس يده مصافحا بنيامين نتنياهو قبل أن يصوت ضد طلب الأول بقبول دولة فلسطينية في الأمم المتحدة وبعده. وسوف يعانق أوباما وكلينتون قبل وبعد أن يستعملا حق الفيتو.
في أيلول عمان الأسود خسرنا موقعا ولكننا ربحنا قضية. وفي أيلول بيروت الأشد سوادا ضحينا بهذه القضية من أجل الحصول على موقع في نهج التسوية الأمريكية – الإسرائيلية. وفي أيلول نيويورك الأشر سوادا على الإطلاق فقد أصبحنا أصحاب قضية افتراضية يحملها كبير مفاوضينا في حقيبته ويتجول بها في أروقة الأمم المتحدة وباقي مؤسسات "الشرعية الدولية" ويتسرب منها ما يتسرب.
في أيلول عمان الأسود كنا نطلق على أنفسنا اسم ثورة وحركة تحرر وطني وكان العديد يعتبرنا كذلك. في أيلول بيروت الأشد سوادا تركنا جماهيرنا عزلى تحت رحمة وحماية أمريكا وإسرائيل ومليشيا الكتائب الفاشية وركبنا السفن بعد أن تعهدنا بنبذ الإرهاب والتطرف وأن نصبح دبلوماسيين مهذبين، مع إننا واصلنا لبس قناع المقاومة والتحرر. أما إلى أيلول نيويورك ألأشد سوادا على الإطلاق فقد وصلنا عراة حتى من ورقة التين التي كانت تغطي عوراتنا وبدونا كالدجاجة الدائخة المضروبة على رأسها ندعي تحقيق الانتصارات والانجازات. لاحظوا أن الخيط الرفيع الذي يربط أيلول الأسود الأول بأيلول الأسود الأخير هو القيادة المتحجرة نفسها التي لم تتغير على مدى أربعة عقود، ونحن نتكلم عن الربيع العربي!!
كم أخطأ كارل ماركس عندما قال: "التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة بصورة مأساوية ومرة بصورة هزلية". عندنا التاريخ يعيد نفسه مرة ومرتين وثلاث وأكثر. في المرة الأولى بصورة مأساوية وفي المرة الثانية بصورة أكثر مأساوية وفي الثالثة عندما تتحول إلى مهزلة فإنها تكون أشنع من المأساة.
ما زلت أذكر, والكثيرون منا ما زالوا يذكرون كيف كان مدير المدرسة والمعلمون يجمعوننا في ساحة المدرسة للإحتفال بعيد استقلال دولة إسرائيل على صوت طبول الفرقة الكشفية وكيف كان معلم الموسيقى يعلمنا أن نغني معه: في عيد استقلال بلادي غرد الطير الشادي، عمت الفرحة البلدان من السهل للوادي، إلى آخر الأغنية. كنا نرددها كالببغاوات. وبالرغم من التغير الجذري الذي طرأ علينا بعد أن تبنينا شعار: "يوم استقلالهم يوم نكبتنا" فما زالت دولة إسرائيل تحتفل بيوم استقلالها في تاريخ معين مثلها مثل باقي الدول وما زال الكثيرون من بيننا يرسلون لها التهاني . أما نحن، الفلسطينيون، فبالرغم من أنه لا يوجد لدينا دولة بمعنى الكلمة فقد أصبح لدينا ثلاثة تواريخ استقلال على الأقل وتحيرنا أي تاريخ هو يوم الاستقلال الحقيقي. هل هو يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني في أعقاب إعلان الاستقلال في الجزائر وبعد أن قام شاعرنا القومي بالسطو على وثيقة الاستقلال الإسرائيلية مستلهما مضمونها وشكلها؟ أم هو في يوم 13 سبتمبر في أعقاب التوقيع على اتفاقيات أوسلو وولادة السلطة في عام 1993؟ أم هو 23 سبتمبر 2011 أي بعد الانتهاء من مسرحية نيويورك؟
لقد آن الأوان أن نشطب هذا الشهر من الرزنامة الفلسطينية بكل ما يحمله من دلائل ورموز ونستبدله بشهر مشرق جديد.

No comments: