ومع ذلك عرب إسرائيل
علي زبيدات – سخنين
عندما قدمت قوى الظلام الكنسية العالم والفيلسوف الايطالي جاليليو جاليلي إلى المحاكمة بتهمة الكفر لأنه كان يدافع عن النظرية التي تقول بأن الشمس هي الثابتة بينما الأرض هي التي تدور حولها، وعندما اضطر إلى التراجع تحت ضغوطات أصدقائه لكي ينجو من العقاب، خرج جاليليو من المحكمة وهو يهمس بجملته المشهورة: "ومع ذلك هي تدور"
بعد أربعة قرون من تلك الحادثة أجد نفسي واقفا الموقف نفسه عند الكلام عن أنفسنا، اقصد نحن الذين تحيرنا في اختيار الاسم الذي ينبغي أن نطلقه على أنفسنا: هل نحن عرب الداخل؟ أم عرب ال48؟ أم عرب الخط الأخضر؟ أم الفلسطينيون مواطنو دولة إسرائيل؟ أم حاشا وكلا، عرب إسرائيل؟ الاسم الذي نهرب منه كما نهرب من الطاعون؟.
بعد انتخابات البرايمرز داخل حزب العمل الإسرائيلي لانتخاب رئيسه القادم والتي لم تحسم نهائيا بعد، وجدتني أصرخ بأعلى صوتي، وليس همسا على غرار جاليليو: "ومع ذلك نحن عرب إسرائيل، ومع ذلك نحن عرب إسرائيل"
لتسقط كل الشعارات التي نرفعها ولتذهب إلى الجحيم، تلك التي تقول: نحن القابضون على الجمر، نحن المتشبثون بهذه الأرض، نحن الصامدون المتمسكون بهويتنا الوطنية، الجزء الحي من الشعب الفلسطيني الواحد، وغيرها الكثير من الشعارات الرنانة ولكن الفارغة كالطبل الأجوف. لقد أثبتنا من حيث الأساس وبكل بساطة: نحن عرب إسرائيل. نقطة.
التاريخ الحديث يعرف هذه ظاهرة منذ أن عرف الاستعمار. عندما كانت إنجلترا تستعمر الهند والباكستان مثلا كانت هناك طبقة ربطت مصالحها بهذا الاستعمار وخدمته بإخلاص وشاركت في حروبه بعيدا عن بلدانها، وعندما رحل هذا الاستعمار لحق من استطاع ذلك بالمستعمر. آلا يجدر أن نطلق على هؤلاء اسم: هنود انجلترا وباكستانيي انجلترا؟ وعندما رحل الاستعمار الهولندي عن اندونيسيا لحق به عدد كبير من اندونيسيي هولندا. وهذا ما حصل عندما رحل المستعمر الفرنسي عن الجزائر، ألم يكن هناك جزائريو فرنسا؟ فلماذا نشذ نحن عن هذه القاعدة؟
25 ألف عربي انضموا إلى حزب العمل الصهيوني، ولنفرض أن أكثر من نصفهم كانوا مزيفين يبقى أكثر من عشرة آلاف عربي هم أعضاء في هذا الحزب. ولا يقولن أحد أن هذه ظاهرة هامشية لأنهم أكثر من أعضاء كافة الأحزاب العربية مجتمعة. فإذا كان هؤلاء هامشيين فإن أحزابهم العربية "الوطنية" أكثر تهميشا. وإذا أضفنا إلى عرب حزب العمل عرب الليكود وعرب كديما وعرب شاس وعرب يسرائيل بيتينو فلماذا نخجل أن نطلق على أنفسنا: عرب إسرائيل؟؟ مهلا مهلا وماذا عن باقي الأحزاب العربية اليسارية والقومية والإسلامية؟ ألا تعرف نفسها بأنها أحزاب إسرائيلية؟ إذن لماذا هذه المكابرة ولا نعترف جميعا بأننا عرب إسرائيل ونفتخر بذلك؟ أم إننا نلحق المثل الذي يقول:" نفسي فيه وتفو عليه"
يبقى عرب حزب العمل صنفا فريدا من نوعه. فهم أشد إخلاصا لهذا الحزب حتى من آبائه الصهاينة المؤسسين. حتى بن غوريون الصهيوني رقم واحد غادر هذا الحزب الذي أسسه بعد خلافات مع زملائه. شمعون بيرس الذي نما وترعرع منذ نعومة أظفاره في أحضان هذا الحزب تركه وبحث عن "مستقبله" بعد أن تجاوز ال80 عاما من عمره في حزب آخر. وهذا براك, الرئيس الأخير للحزب، والذي استبسل عرب الحزب لإنجاحه يرحل هو الآخر. بينما عرب الحزب المبدئيون جدا جدا فهم الأشد تمسكا وإخلاصا. والأنكى من ذلك أنهم يؤيدون دائما من يكون الأكثر تحقيرا لهم ودوسا على كرامتهم. فقد دعموا شمعون بيرس بعد اقترافه مجزرة قانا واستخدموا مآذن بعض الجوامع للدعوة له، وأيدوا إيهود براك قبل مجزرة أكتوبر وبعدها. كما أيدوا بنيامين بن العازار عندما كان شريكا لشارون في اجتياح الضفة الغربية. وأيدوا عمير بيرتس قبيل الحرب على لبنان وها هم يعربون عن ولائهم له مجددا.
لا يوجد لدي تفسير جاهز ومقنع لهذه الظاهرة الخطيرة. اللهث وراء المصالح الآنية والشخصية لن يكون تفسيرا كافيا. انعدام الوعي السياسي والوطني هو أيضا عاجز عن تفسيرها، خصوصا وأن معظم النشيطين من المثقفين وحملة الشهادات الأكاديمية. المعايير الأخلاقية هي الأخرى أعجز من أن تفسرها.
يوجد لهذه القضية أبعاد حضارية تغوص في عمق التاريخ وتحدد العلاقة بين المستعمر (بكسر الميم) والمستعمر (بفتح الميم)، قضية تفكك المجتمع الأصلاني في ظل هيمنة نظام كولونيالي عنصري. قد نجد بعض الإجابات لهذه الحالة في كتابات فرانس فانون وربما بعض المفكرين المسلمين التنويريين مثل مالك بن نبي وعلي شريعتي وغيرهما. ولكن كل دراسة جدية في هذا المجال يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التطورات المحلية والإقليمية والعالمية وتحللها بشكل ملموس.
الأسبوع القادم سوف تحسم رئاسة حزب العمل وسوف يلعب عرب هذا الحزب، الذين يفتخرون بأنهم يشكلون اللواء الأكبر داخله، دورا حاسما في ذلك. ولكن قيمتهم لن ترتفع وسوف تبقى في الحضيض. وثمنهم سيبقى بخسا.
عرب إسرائيل، كما قلت سابقا، ليسوا أولئك الموجودين في صفوف حزب العمل وباقي الأحزاب الصهيونية المعلنة فقط بل الموجودين أيضا في الأحزاب الإسرائيلية العربية الأخرى أيضا. لا يمكن أن تكون إسرائيليا وتدعي في الوقت نفسه مناهضة الصهيونية. فدولة إسرائيل تحمل جميع جينات الحركة الصهيونية. المواطنة الكاملة تعني أسرلة كاملة ولن يشفع لها أية هوية قومية. دولة إسرائيل لا يمكن أن تكون إلا دولة صهيونية، أي دولة كولونيالية عنصرية. حتى نتحرر نهائيا من الهيمنة المادية والثقافية والفكرية للصهيونية ونقاوم حالة التفكك التي تفرضها علينا سوف يبقى اسمنا: عرب إسرائيل.
علي زبيدات – سخنين
عندما قدمت قوى الظلام الكنسية العالم والفيلسوف الايطالي جاليليو جاليلي إلى المحاكمة بتهمة الكفر لأنه كان يدافع عن النظرية التي تقول بأن الشمس هي الثابتة بينما الأرض هي التي تدور حولها، وعندما اضطر إلى التراجع تحت ضغوطات أصدقائه لكي ينجو من العقاب، خرج جاليليو من المحكمة وهو يهمس بجملته المشهورة: "ومع ذلك هي تدور"
بعد أربعة قرون من تلك الحادثة أجد نفسي واقفا الموقف نفسه عند الكلام عن أنفسنا، اقصد نحن الذين تحيرنا في اختيار الاسم الذي ينبغي أن نطلقه على أنفسنا: هل نحن عرب الداخل؟ أم عرب ال48؟ أم عرب الخط الأخضر؟ أم الفلسطينيون مواطنو دولة إسرائيل؟ أم حاشا وكلا، عرب إسرائيل؟ الاسم الذي نهرب منه كما نهرب من الطاعون؟.
بعد انتخابات البرايمرز داخل حزب العمل الإسرائيلي لانتخاب رئيسه القادم والتي لم تحسم نهائيا بعد، وجدتني أصرخ بأعلى صوتي، وليس همسا على غرار جاليليو: "ومع ذلك نحن عرب إسرائيل، ومع ذلك نحن عرب إسرائيل"
لتسقط كل الشعارات التي نرفعها ولتذهب إلى الجحيم، تلك التي تقول: نحن القابضون على الجمر، نحن المتشبثون بهذه الأرض، نحن الصامدون المتمسكون بهويتنا الوطنية، الجزء الحي من الشعب الفلسطيني الواحد، وغيرها الكثير من الشعارات الرنانة ولكن الفارغة كالطبل الأجوف. لقد أثبتنا من حيث الأساس وبكل بساطة: نحن عرب إسرائيل. نقطة.
التاريخ الحديث يعرف هذه ظاهرة منذ أن عرف الاستعمار. عندما كانت إنجلترا تستعمر الهند والباكستان مثلا كانت هناك طبقة ربطت مصالحها بهذا الاستعمار وخدمته بإخلاص وشاركت في حروبه بعيدا عن بلدانها، وعندما رحل هذا الاستعمار لحق من استطاع ذلك بالمستعمر. آلا يجدر أن نطلق على هؤلاء اسم: هنود انجلترا وباكستانيي انجلترا؟ وعندما رحل الاستعمار الهولندي عن اندونيسيا لحق به عدد كبير من اندونيسيي هولندا. وهذا ما حصل عندما رحل المستعمر الفرنسي عن الجزائر، ألم يكن هناك جزائريو فرنسا؟ فلماذا نشذ نحن عن هذه القاعدة؟
25 ألف عربي انضموا إلى حزب العمل الصهيوني، ولنفرض أن أكثر من نصفهم كانوا مزيفين يبقى أكثر من عشرة آلاف عربي هم أعضاء في هذا الحزب. ولا يقولن أحد أن هذه ظاهرة هامشية لأنهم أكثر من أعضاء كافة الأحزاب العربية مجتمعة. فإذا كان هؤلاء هامشيين فإن أحزابهم العربية "الوطنية" أكثر تهميشا. وإذا أضفنا إلى عرب حزب العمل عرب الليكود وعرب كديما وعرب شاس وعرب يسرائيل بيتينو فلماذا نخجل أن نطلق على أنفسنا: عرب إسرائيل؟؟ مهلا مهلا وماذا عن باقي الأحزاب العربية اليسارية والقومية والإسلامية؟ ألا تعرف نفسها بأنها أحزاب إسرائيلية؟ إذن لماذا هذه المكابرة ولا نعترف جميعا بأننا عرب إسرائيل ونفتخر بذلك؟ أم إننا نلحق المثل الذي يقول:" نفسي فيه وتفو عليه"
يبقى عرب حزب العمل صنفا فريدا من نوعه. فهم أشد إخلاصا لهذا الحزب حتى من آبائه الصهاينة المؤسسين. حتى بن غوريون الصهيوني رقم واحد غادر هذا الحزب الذي أسسه بعد خلافات مع زملائه. شمعون بيرس الذي نما وترعرع منذ نعومة أظفاره في أحضان هذا الحزب تركه وبحث عن "مستقبله" بعد أن تجاوز ال80 عاما من عمره في حزب آخر. وهذا براك, الرئيس الأخير للحزب، والذي استبسل عرب الحزب لإنجاحه يرحل هو الآخر. بينما عرب الحزب المبدئيون جدا جدا فهم الأشد تمسكا وإخلاصا. والأنكى من ذلك أنهم يؤيدون دائما من يكون الأكثر تحقيرا لهم ودوسا على كرامتهم. فقد دعموا شمعون بيرس بعد اقترافه مجزرة قانا واستخدموا مآذن بعض الجوامع للدعوة له، وأيدوا إيهود براك قبل مجزرة أكتوبر وبعدها. كما أيدوا بنيامين بن العازار عندما كان شريكا لشارون في اجتياح الضفة الغربية. وأيدوا عمير بيرتس قبيل الحرب على لبنان وها هم يعربون عن ولائهم له مجددا.
لا يوجد لدي تفسير جاهز ومقنع لهذه الظاهرة الخطيرة. اللهث وراء المصالح الآنية والشخصية لن يكون تفسيرا كافيا. انعدام الوعي السياسي والوطني هو أيضا عاجز عن تفسيرها، خصوصا وأن معظم النشيطين من المثقفين وحملة الشهادات الأكاديمية. المعايير الأخلاقية هي الأخرى أعجز من أن تفسرها.
يوجد لهذه القضية أبعاد حضارية تغوص في عمق التاريخ وتحدد العلاقة بين المستعمر (بكسر الميم) والمستعمر (بفتح الميم)، قضية تفكك المجتمع الأصلاني في ظل هيمنة نظام كولونيالي عنصري. قد نجد بعض الإجابات لهذه الحالة في كتابات فرانس فانون وربما بعض المفكرين المسلمين التنويريين مثل مالك بن نبي وعلي شريعتي وغيرهما. ولكن كل دراسة جدية في هذا المجال يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التطورات المحلية والإقليمية والعالمية وتحللها بشكل ملموس.
الأسبوع القادم سوف تحسم رئاسة حزب العمل وسوف يلعب عرب هذا الحزب، الذين يفتخرون بأنهم يشكلون اللواء الأكبر داخله، دورا حاسما في ذلك. ولكن قيمتهم لن ترتفع وسوف تبقى في الحضيض. وثمنهم سيبقى بخسا.
عرب إسرائيل، كما قلت سابقا، ليسوا أولئك الموجودين في صفوف حزب العمل وباقي الأحزاب الصهيونية المعلنة فقط بل الموجودين أيضا في الأحزاب الإسرائيلية العربية الأخرى أيضا. لا يمكن أن تكون إسرائيليا وتدعي في الوقت نفسه مناهضة الصهيونية. فدولة إسرائيل تحمل جميع جينات الحركة الصهيونية. المواطنة الكاملة تعني أسرلة كاملة ولن يشفع لها أية هوية قومية. دولة إسرائيل لا يمكن أن تكون إلا دولة صهيونية، أي دولة كولونيالية عنصرية. حتى نتحرر نهائيا من الهيمنة المادية والثقافية والفكرية للصهيونية ونقاوم حالة التفكك التي تفرضها علينا سوف يبقى اسمنا: عرب إسرائيل.
No comments:
Post a Comment