Wednesday, September 28, 2011

إنها الذكرى الحادية عشرة لانتفاضة الأقصى

إنها الذكرى الحادية عشرة لانتفاضة الأقصى
علي زبيدات – سخنين

الانتفاضة كلمة عربية أصيلة اقتحمت معظم لغات العالم وأصبحت إحدى المفردات التي لا يستغني عنها أي قاموس في هذه اللغات، تستعمل لوصف كل حركة مقاومة أو تمرد أو احتجاج. فقط في اللغة العربية يوجد هناك محاولات حثيثة لوأد هذه الكلمة أو إعادتها إلى قمقمها.
ذكرى ماذا نحيي هذه الأيام؟ هل نحيي الذكرى الحادية عشرة ل "أحداث أكتوبر "2000؟ أم ذكرى "يوم الأقصى"؟ أو ذكرى "هبة القدس والأقصى"؟ أم هي إحياء ل "ذكرى شهداء هبة الأقصى" لا غير؟ وجدت هذه العناوين وغيرها في كافة الجرائد المواقع الفلسطينية المحلية والبيانات بما فيها البيان الرسمي للجنة المتابعة العليا في هذه المناسبة. ولكني لم أجد في أي مكان عنوانا يقول: إحياء الذكرى الحادية عشرة ل "انتفاضة الأقصى" أو إحياء الذكرى الحادية عشرة لل"انتفاضة الفلسطينية الثانية". لماذا تم شطب كلمة انتفاضة من كافة الأماكن؟ هل جاء ذلك من باب الصدفة؟ أم انه نتيجة لدراسة وتخطيط مسبقين خدمة لسياسة معينة؟
أولا، إنها ليست أحداث أكتوبر فقط، فقد بدأت "الأحداث" في 28 سبتمبر/أيلول عندما قام شارون وزمرته بحراسة أكثر من 3000 شرطي بتدنيس الأقصى. في اليوم التالي، أي في 29 أيلول سقط 7 شهداء وفي اليوم الذي تلاه: 30 أيلول سقط 10 شهداء وجاء أكتوبر وتوالى سقوط الشهداء حتى وصل إلى أكثر من 5000 شهيد بالإضافة إلى 50000 جريح. جاء إطلاق اسم: "أحداث أكتوبر" من قبل الحكومة الإسرائيلية ولكن سرعان ما تلقفته الأبواق العربية التي ربطت مصيرها بدولة إسرائيل. إزاء الضغط الشعبي اضطرت لجنة المتابعة بكل مكوناتها بما فيها الأحزاب العربية وما يسمى مؤسسات المجتمع المدني استعمال مصطلح: "يوم الأقصى". ولا يعلم غير الله لماذا "يوم" مع أن سقوط شهداء "الداخل" استمر على مدى عشرة أيام. يبدو أنه في الفترة الأخيرة تم الاتفاق على استعمال مصطلح "هبة الأقصى" أو "هبة القدس والأقصى". هذه الكلمة بالرغم من وقعها الايجابي تحمل في طياتها العفوية من جهة وقصر فترتها الزمنية من جهة أخرى. الخلاصة: كل التسميات مشروعة إذا تم شطب كلمة انتفاضة منها.
أنا كمواطن يتيم ومن مثلي من أيتام هذا الوطن نحيي الذكرى الحادية عشرة للانتفاضة الفلسطينية الثانية، انتفاضة الأقصى.
بالطبع، إحياء ذكرى الشهداء الثلاثة عشر هو في صميم هذه الذكرى ولكن من غير الاستفراد بهم وسلخهم عن قافلة الشهداء الذين سقطوا في هذه الانتفاضة وفي غيرها. إن عملية الاستفراد هذه إن كانت تمس بشيء فإنها أولا وقبل كل شيء تمس بكرامة الشهداء أنفسهم. بحجة أوضاعنا الخاصة تم تقزيم انخراط جماهيرنا في النضال الوطني الفلسطيني العام وتم عمليا فصل شهدائنا عن باقي الشهداء وحصرهم في خانة: "كيف تقوم دولة بإطلاق النار على مواطنيها". من هذا المنطلق تمت المطالبة بإقامة لجنة تحقيق خاصة، الحكاية طويلة ومعروفة للجميع ولا داع للخوض فيها الآن. وكأن سقوط 5000 شهيد لا يستحق لجنة بل لجان تحقيق ولا يستحق ملاحقة المجرمين في كل مكان وزمان. نعم، نحن شعب واحد، ولكن مع وقف التنفيذ.
كما يقول المثل: شر البلية ما يضحك، ومن شدة مأساوية هذه الذكرى لم نعد ندري هل يجب علينا أن نبكي أم نضحك. فها هو رئيس السلطة الفلسطينية يعود من نيويورك لكي يستقبل استقبال الأبطال، وهو الذي يقود حملة طمس الانتفاضة من الذاكرة الفلسطينية، قد قال: "هذه الانتفاضة دمرتنا ودمرت كل ما بنيناه وما بني قبلنا" وقال: "الانتفاضة أضرت بمصلحة الشعب الفلسطيني وتعيق العملية السلمية". قائد الثورة الفلسطينية وقائد قواتها المسلحة يفتخر بأنه لم يحمل سلاحا في حياته قط. ولم يوفر جهدا في إجهاض أية مقاومة، قبل أن يصبح رئيسا للسلطة – عندما كان رئيسا للحكومة- وبعد أن أصبح رئيسا. وصف أعمال المقاومة بالحقيرة وصواريخها بالعبثية ولفق الفرية المعروفة بعسكرة الانتفاضة. وبذلك اصدر صك براءة لجيش الاحتلال الإسرائيلي المدجج بالسلاح والدبابات والطائرات في قمع المتظاهرين العزل. فمن المسؤول عن عسكرة الانتفاضة؟ وأدخل الجنرال دايتون لتدريب أجهزة الأمن لملاحقة المقاومين ولتأمين الحماية لجيش الاحتلال وللمستوطنين في إطار التنسيق الأمني. وقد صرح في كل مناسبة ومن غير مناسبة: لن تكون هناك انتفاضة في عهدي، فشلت المفاوضات أم لم تفشل، توصلنا إلى تسوية أم لم نتوصل. فهل من الغرابة أن تمر الذكرى الحادية عشرة لانتفاضة الأقصى في الضفة الغربية مرور الكرام؟
ينبغي العمل على إعادة ذكرى مناسباتنا الوطنية إلى نصابها الصحيح. فذكرى النكبة يجب ألا تقتصر على القرى المهجرة وتحتكر من قبل لجنة مشلولة ضيقة الأفق، وذكرى يوم الأرض يجب أن تحتضن كل شبر من أرض فلسطين. وذكرى الانتفاضة يجب أن تحتضن جميع الشهداء وبنفس المقدار.


Wednesday, September 21, 2011

من أيلول الأسود إلى أيلول الأشد سوادا

من أيلول الأسود إلى أيلول الأشد سوادا
علي زبيدات – سخنين

من أيلول الأسود في عمان عام 1970 مرورا بأيلول الأشد سوادا في بيروت عام 1982 وحتى أيلول الأشد سوادا على الإطلاق في نيويورك 2011، جرت في نهر الأردن مياه كثيرة كانت كافية لأن تقلب القضية الفلسطينية رأسا على عقب. في أيلول عمان الأسود خسرنا معركة وفي أيلول بيروت الأشد سوادا خسرنا الحرب أما في أيلول نيويورك الأشد سوادا على الإطلاق فقد خسرنا كل شيء بما فيه أنفسنا.
في أيلول عمان الأسود كنا نعرف من هو العدو وكان كل طفل يردد: العدو هو الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية. وكنا نعرف من هو الصديق: الجماهير الفلسطينية والشعوب العربية وقوى التحرر في العالم. في أيلول بيروت الأشد سوادا اختلط الحابل بالنابل، اختلطت الأوراق، تغيرت المواقع وتبدلت الأدوار. أما في أيلول نيويورك الأشد سوادا على الإطلاق فقد أصبح العدو صديقا وأصبح الصديق عدوا. حيث سوف يمد محمود عباس يده مصافحا بنيامين نتنياهو قبل أن يصوت ضد طلب الأول بقبول دولة فلسطينية في الأمم المتحدة وبعده. وسوف يعانق أوباما وكلينتون قبل وبعد أن يستعملا حق الفيتو.
في أيلول عمان الأسود خسرنا موقعا ولكننا ربحنا قضية. وفي أيلول بيروت الأشد سوادا ضحينا بهذه القضية من أجل الحصول على موقع في نهج التسوية الأمريكية – الإسرائيلية. وفي أيلول نيويورك الأشر سوادا على الإطلاق فقد أصبحنا أصحاب قضية افتراضية يحملها كبير مفاوضينا في حقيبته ويتجول بها في أروقة الأمم المتحدة وباقي مؤسسات "الشرعية الدولية" ويتسرب منها ما يتسرب.
في أيلول عمان الأسود كنا نطلق على أنفسنا اسم ثورة وحركة تحرر وطني وكان العديد يعتبرنا كذلك. في أيلول بيروت الأشد سوادا تركنا جماهيرنا عزلى تحت رحمة وحماية أمريكا وإسرائيل ومليشيا الكتائب الفاشية وركبنا السفن بعد أن تعهدنا بنبذ الإرهاب والتطرف وأن نصبح دبلوماسيين مهذبين، مع إننا واصلنا لبس قناع المقاومة والتحرر. أما إلى أيلول نيويورك ألأشد سوادا على الإطلاق فقد وصلنا عراة حتى من ورقة التين التي كانت تغطي عوراتنا وبدونا كالدجاجة الدائخة المضروبة على رأسها ندعي تحقيق الانتصارات والانجازات. لاحظوا أن الخيط الرفيع الذي يربط أيلول الأسود الأول بأيلول الأسود الأخير هو القيادة المتحجرة نفسها التي لم تتغير على مدى أربعة عقود، ونحن نتكلم عن الربيع العربي!!
كم أخطأ كارل ماركس عندما قال: "التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة بصورة مأساوية ومرة بصورة هزلية". عندنا التاريخ يعيد نفسه مرة ومرتين وثلاث وأكثر. في المرة الأولى بصورة مأساوية وفي المرة الثانية بصورة أكثر مأساوية وفي الثالثة عندما تتحول إلى مهزلة فإنها تكون أشنع من المأساة.
ما زلت أذكر, والكثيرون منا ما زالوا يذكرون كيف كان مدير المدرسة والمعلمون يجمعوننا في ساحة المدرسة للإحتفال بعيد استقلال دولة إسرائيل على صوت طبول الفرقة الكشفية وكيف كان معلم الموسيقى يعلمنا أن نغني معه: في عيد استقلال بلادي غرد الطير الشادي، عمت الفرحة البلدان من السهل للوادي، إلى آخر الأغنية. كنا نرددها كالببغاوات. وبالرغم من التغير الجذري الذي طرأ علينا بعد أن تبنينا شعار: "يوم استقلالهم يوم نكبتنا" فما زالت دولة إسرائيل تحتفل بيوم استقلالها في تاريخ معين مثلها مثل باقي الدول وما زال الكثيرون من بيننا يرسلون لها التهاني . أما نحن، الفلسطينيون، فبالرغم من أنه لا يوجد لدينا دولة بمعنى الكلمة فقد أصبح لدينا ثلاثة تواريخ استقلال على الأقل وتحيرنا أي تاريخ هو يوم الاستقلال الحقيقي. هل هو يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني في أعقاب إعلان الاستقلال في الجزائر وبعد أن قام شاعرنا القومي بالسطو على وثيقة الاستقلال الإسرائيلية مستلهما مضمونها وشكلها؟ أم هو في يوم 13 سبتمبر في أعقاب التوقيع على اتفاقيات أوسلو وولادة السلطة في عام 1993؟ أم هو 23 سبتمبر 2011 أي بعد الانتهاء من مسرحية نيويورك؟
لقد آن الأوان أن نشطب هذا الشهر من الرزنامة الفلسطينية بكل ما يحمله من دلائل ورموز ونستبدله بشهر مشرق جديد.

Wednesday, September 14, 2011

ومع ذلك عرب إسرائيل

ومع ذلك عرب إسرائيل
علي زبيدات – سخنين

عندما قدمت قوى الظلام الكنسية العالم والفيلسوف الايطالي جاليليو جاليلي إلى المحاكمة بتهمة الكفر لأنه كان يدافع عن النظرية التي تقول بأن الشمس هي الثابتة بينما الأرض هي التي تدور حولها، وعندما اضطر إلى التراجع تحت ضغوطات أصدقائه لكي ينجو من العقاب، خرج جاليليو من المحكمة وهو يهمس بجملته المشهورة: "ومع ذلك هي تدور"
بعد أربعة قرون من تلك الحادثة أجد نفسي واقفا الموقف نفسه عند الكلام عن أنفسنا، اقصد نحن الذين تحيرنا في اختيار الاسم الذي ينبغي أن نطلقه على أنفسنا: هل نحن عرب الداخل؟ أم عرب ال48؟ أم عرب الخط الأخضر؟ أم الفلسطينيون مواطنو دولة إسرائيل؟ أم حاشا وكلا، عرب إسرائيل؟ الاسم الذي نهرب منه كما نهرب من الطاعون؟.
بعد انتخابات البرايمرز داخل حزب العمل الإسرائيلي لانتخاب رئيسه القادم والتي لم تحسم نهائيا بعد، وجدتني أصرخ بأعلى صوتي، وليس همسا على غرار جاليليو: "ومع ذلك نحن عرب إسرائيل، ومع ذلك نحن عرب إسرائيل"
لتسقط كل الشعارات التي نرفعها ولتذهب إلى الجحيم، تلك التي تقول: نحن القابضون على الجمر، نحن المتشبثون بهذه الأرض، نحن الصامدون المتمسكون بهويتنا الوطنية، الجزء الحي من الشعب الفلسطيني الواحد، وغيرها الكثير من الشعارات الرنانة ولكن الفارغة كالطبل الأجوف. لقد أثبتنا من حيث الأساس وبكل بساطة: نحن عرب إسرائيل. نقطة.
التاريخ الحديث يعرف هذه ظاهرة منذ أن عرف الاستعمار. عندما كانت إنجلترا تستعمر الهند والباكستان مثلا كانت هناك طبقة ربطت مصالحها بهذا الاستعمار وخدمته بإخلاص وشاركت في حروبه بعيدا عن بلدانها، وعندما رحل هذا الاستعمار لحق من استطاع ذلك بالمستعمر. آلا يجدر أن نطلق على هؤلاء اسم: هنود انجلترا وباكستانيي انجلترا؟ وعندما رحل الاستعمار الهولندي عن اندونيسيا لحق به عدد كبير من اندونيسيي هولندا. وهذا ما حصل عندما رحل المستعمر الفرنسي عن الجزائر، ألم يكن هناك جزائريو فرنسا؟ فلماذا نشذ نحن عن هذه القاعدة؟
25 ألف عربي انضموا إلى حزب العمل الصهيوني، ولنفرض أن أكثر من نصفهم كانوا مزيفين يبقى أكثر من عشرة آلاف عربي هم أعضاء في هذا الحزب. ولا يقولن أحد أن هذه ظاهرة هامشية لأنهم أكثر من أعضاء كافة الأحزاب العربية مجتمعة. فإذا كان هؤلاء هامشيين فإن أحزابهم العربية "الوطنية" أكثر تهميشا. وإذا أضفنا إلى عرب حزب العمل عرب الليكود وعرب كديما وعرب شاس وعرب يسرائيل بيتينو فلماذا نخجل أن نطلق على أنفسنا: عرب إسرائيل؟؟ مهلا مهلا وماذا عن باقي الأحزاب العربية اليسارية والقومية والإسلامية؟ ألا تعرف نفسها بأنها أحزاب إسرائيلية؟ إذن لماذا هذه المكابرة ولا نعترف جميعا بأننا عرب إسرائيل ونفتخر بذلك؟ أم إننا نلحق المثل الذي يقول:" نفسي فيه وتفو عليه"
يبقى عرب حزب العمل صنفا فريدا من نوعه. فهم أشد إخلاصا لهذا الحزب حتى من آبائه الصهاينة المؤسسين. حتى بن غوريون الصهيوني رقم واحد غادر هذا الحزب الذي أسسه بعد خلافات مع زملائه. شمعون بيرس الذي نما وترعرع منذ نعومة أظفاره في أحضان هذا الحزب تركه وبحث عن "مستقبله" بعد أن تجاوز ال80 عاما من عمره في حزب آخر. وهذا براك, الرئيس الأخير للحزب، والذي استبسل عرب الحزب لإنجاحه يرحل هو الآخر. بينما عرب الحزب المبدئيون جدا جدا فهم الأشد تمسكا وإخلاصا. والأنكى من ذلك أنهم يؤيدون دائما من يكون الأكثر تحقيرا لهم ودوسا على كرامتهم. فقد دعموا شمعون بيرس بعد اقترافه مجزرة قانا واستخدموا مآذن بعض الجوامع للدعوة له، وأيدوا إيهود براك قبل مجزرة أكتوبر وبعدها. كما أيدوا بنيامين بن العازار عندما كان شريكا لشارون في اجتياح الضفة الغربية. وأيدوا عمير بيرتس قبيل الحرب على لبنان وها هم يعربون عن ولائهم له مجددا.
لا يوجد لدي تفسير جاهز ومقنع لهذه الظاهرة الخطيرة. اللهث وراء المصالح الآنية والشخصية لن يكون تفسيرا كافيا. انعدام الوعي السياسي والوطني هو أيضا عاجز عن تفسيرها، خصوصا وأن معظم النشيطين من المثقفين وحملة الشهادات الأكاديمية. المعايير الأخلاقية هي الأخرى أعجز من أن تفسرها.
يوجد لهذه القضية أبعاد حضارية تغوص في عمق التاريخ وتحدد العلاقة بين المستعمر (بكسر الميم) والمستعمر (بفتح الميم)، قضية تفكك المجتمع الأصلاني في ظل هيمنة نظام كولونيالي عنصري. قد نجد بعض الإجابات لهذه الحالة في كتابات فرانس فانون وربما بعض المفكرين المسلمين التنويريين مثل مالك بن نبي وعلي شريعتي وغيرهما. ولكن كل دراسة جدية في هذا المجال يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التطورات المحلية والإقليمية والعالمية وتحللها بشكل ملموس.
الأسبوع القادم سوف تحسم رئاسة حزب العمل وسوف يلعب عرب هذا الحزب، الذين يفتخرون بأنهم يشكلون اللواء الأكبر داخله، دورا حاسما في ذلك. ولكن قيمتهم لن ترتفع وسوف تبقى في الحضيض. وثمنهم سيبقى بخسا.
عرب إسرائيل، كما قلت سابقا، ليسوا أولئك الموجودين في صفوف حزب العمل وباقي الأحزاب الصهيونية المعلنة فقط بل الموجودين أيضا في الأحزاب الإسرائيلية العربية الأخرى أيضا. لا يمكن أن تكون إسرائيليا وتدعي في الوقت نفسه مناهضة الصهيونية. فدولة إسرائيل تحمل جميع جينات الحركة الصهيونية. المواطنة الكاملة تعني أسرلة كاملة ولن يشفع لها أية هوية قومية. دولة إسرائيل لا يمكن أن تكون إلا دولة صهيونية، أي دولة كولونيالية عنصرية. حتى نتحرر نهائيا من الهيمنة المادية والثقافية والفكرية للصهيونية ونقاوم حالة التفكك التي تفرضها علينا سوف يبقى اسمنا: عرب إسرائيل.

Wednesday, September 07, 2011

من المفاوضات العبثية إلى الاستحقاقات الوهمية

من المفاوضات العبثية إلى الاستحقاقات الوهمية
علي زبيدات – سخنين

أنا لا أفهم عربي، هل يستطيع أحد أن يشرح لي ماذا تعني كلمة"استحقاق" بالضبط؟ ولماذا "استحقاق أيلول/سبتمبر" بالذات؟ هل يسمى هذا استحقاقا لأنه جاء بناء على وعد قطعه رئيس الولايات المتحدة براك أوباما على نفسه وأمام العالم، ومن ثم تملص منه، لإقامة دولة فلسطينية حتى أيلول من هذا العام؟ أم هذا الاستحقاق قد جاء كمكافأة للسلطة الفلسطينية بسبب قضائها نهائيا على نهج المقاومة وإخلاصها ومثابرتها على التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال؟ ومن ثم فإنها تستحق وتستأهل أن تتحول إلى دولة خصوصا وإن رئيس حكومتها سلام فياض قد صرح منذ فترة طويلة أنه يعمل على بناء مؤسسات الدولة لكي تصبح جاهزة في أيلول. وبناء المؤسسات يتم من خلال دمج الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي بتمويل ورعاية الدول المانحة ومن خلال تقوية أجهزة الأمن التي ساهم في إنشائها الجنرال الأمريكي دايتون والتي تعمل بالتنسيق الكامل مع دولة إسرائيل. لماذا نكرر كالببغاوات استعمال مصطلحات هلامية تفوح من أحشائها رائحة نتنة لا تمت بأية صلة إلى الدولة الحقيقية ذات السيادة والاستقلال. استحقاق الدولة لا يمكن أن يعني سوى أمرا واحدا لا غير: وهو انه قد حان أجل قيامها كنتيجة طبيعية لتراكم النضالات وتحقيق الانتصارات والانجازات التي فرضت نفسها على العالم أجمع وليس عن طريق الاستجداءات المذلة.
يقول البعض: من يعارض "استحقاق أيلول/سبتمبر"، من يعارض أن تتحول السلطة الفلسطينية إلى دولة تكون عضوا في الأمم المتحدة تحظى باعتراف دولي، فأنه يقف إلى جانب إسرائيل وأمريكا اللتان ترفضان هذه العملية وتسعيان إلى إفشالها. هذه الحجة التي انطلت على الكثيرين هي من أغبى الحجج.
أولا: من الخطأ أن يحدد شعب، يناضل من أجل حريته واستقلاله، إستراتيجيته بناء على مواقف أعدائه من قبول أو رفض بل بناء على اعتبارات مبدئية نابعة من صميم حقوقه ومصالحة الوطنية.
ثانيا: من يقول أن إسرائيل وأمريكا تقف فعلا ضد التوجه إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بهذه الدولة المسخ التي تتمتع دولة جنوب السودان المقامة حديثا باستقلالية أكثر منها بما لا يقاس؟ مسرحية الرفض الإسرائيلية واضحة الأهداف. فقد جاءت لاعتبارات استهلاكية داخلية لكي تحول أنظار واهتمامات المواطن الإسرائيلي إلى عدو خارجي وهمي على ضوء الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة التي عصفت بها. فهي تقوم بعملية تعبئة وتجنيد هؤلاء المواطنين من خلال التحريض والتخويف. من هذا المنطلق قامت بتدريب المستوطنين لكي "يدافعوا" عن أنفسهم في أعقاب الاستحقاق. هذا بالرغم من أن رئيس السلطة قد صرح مرات عديدة بأن التنسيق الأمني سوف يستمر وسوف تتعاون قوى الأمن الفلسطينية مع جنود الاحتلال لحماية المستوطنات. ودعا الفلسطينيين للركون إلى الهدوء. وصرح أيضا أن اللجوء إلى الأمم المتحدة لن يكون بديلا عن المفاوضات. إذن لماذا كل هذا الضجيج الفارغ من المضمون؟ إنه يتيح للسلطة الفلسطينية بعد عشرين سنة من المفاوضات العبثية الهروب إلى الأمام لاستحقاق وهمي. ويتيح لحكومة إسرائيل كما قلنا معالجة وحل مشاكلها الداخلية.
السيناريو واضح: إذا عرضت قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية على مجلس الأمن فهناك الفيتو الأمريكي. وإذا عرضت على الجمعية العمومية ونالت الأغلبية فإنها ستتحول في أحسن الحالات إلى دولة غير كاملة العضوية وبالتالي لن يتغير على وضعها شيء اللهم سوى أنها سوف تصبح أكثر قبولا للتنازل والابتزاز.
ما يثير القلق هنا هو موقف الفصائل الفلسطينية وقد انطلت عليها الكذبة وكأننا مقدمون على معركة وطنية من الدرجة الأولى وتجندت كرجل واحد وراء محمد عباس. على هذه الفصائل أن تخجل من نفسها وأن تبدأ بتغيير أسمائها الخادعة. شعارات هذه الفصائل تقتصر على: "الشعب يريد إنهاء الاحتلال"، "الشعب يريد إنهاء الانقسام"، "الشعب يريد الحرية والعودة والاستقلال". الخ. من هذا الصنف من الشعارات. وقد تم شطب كلمة "تحرير" من جميعها. وأنا اقترح عليها، إذا كان هناك من لا يزال بداخلها يخجل من نفسه، أن تبدأ بتغيير أسمائها: فلماذا "منظمة التحرير الفلسطينية"؟ ولماذا "حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح"؟ ولماذا "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"؟ ولماذا "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"؟ هل ما زال هناك من يتحلى ببعض الجرأة والاستقامة ليقف ويقول: أيها الشعب الفلسطيني، انس كلمة تحرير، انس 80% من فلسطين، انس العودة. فكل ما تستطيع أن نحصل لك عليه هو هذا الاستحقاق التعيس.