إنها الذكرى الحادية عشرة لانتفاضة الأقصى
علي زبيدات – سخنين
الانتفاضة كلمة عربية أصيلة اقتحمت معظم لغات العالم وأصبحت إحدى المفردات التي لا يستغني عنها أي قاموس في هذه اللغات، تستعمل لوصف كل حركة مقاومة أو تمرد أو احتجاج. فقط في اللغة العربية يوجد هناك محاولات حثيثة لوأد هذه الكلمة أو إعادتها إلى قمقمها.
ذكرى ماذا نحيي هذه الأيام؟ هل نحيي الذكرى الحادية عشرة ل "أحداث أكتوبر "2000؟ أم ذكرى "يوم الأقصى"؟ أو ذكرى "هبة القدس والأقصى"؟ أم هي إحياء ل "ذكرى شهداء هبة الأقصى" لا غير؟ وجدت هذه العناوين وغيرها في كافة الجرائد المواقع الفلسطينية المحلية والبيانات بما فيها البيان الرسمي للجنة المتابعة العليا في هذه المناسبة. ولكني لم أجد في أي مكان عنوانا يقول: إحياء الذكرى الحادية عشرة ل "انتفاضة الأقصى" أو إحياء الذكرى الحادية عشرة لل"انتفاضة الفلسطينية الثانية". لماذا تم شطب كلمة انتفاضة من كافة الأماكن؟ هل جاء ذلك من باب الصدفة؟ أم انه نتيجة لدراسة وتخطيط مسبقين خدمة لسياسة معينة؟
أولا، إنها ليست أحداث أكتوبر فقط، فقد بدأت "الأحداث" في 28 سبتمبر/أيلول عندما قام شارون وزمرته بحراسة أكثر من 3000 شرطي بتدنيس الأقصى. في اليوم التالي، أي في 29 أيلول سقط 7 شهداء وفي اليوم الذي تلاه: 30 أيلول سقط 10 شهداء وجاء أكتوبر وتوالى سقوط الشهداء حتى وصل إلى أكثر من 5000 شهيد بالإضافة إلى 50000 جريح. جاء إطلاق اسم: "أحداث أكتوبر" من قبل الحكومة الإسرائيلية ولكن سرعان ما تلقفته الأبواق العربية التي ربطت مصيرها بدولة إسرائيل. إزاء الضغط الشعبي اضطرت لجنة المتابعة بكل مكوناتها بما فيها الأحزاب العربية وما يسمى مؤسسات المجتمع المدني استعمال مصطلح: "يوم الأقصى". ولا يعلم غير الله لماذا "يوم" مع أن سقوط شهداء "الداخل" استمر على مدى عشرة أيام. يبدو أنه في الفترة الأخيرة تم الاتفاق على استعمال مصطلح "هبة الأقصى" أو "هبة القدس والأقصى". هذه الكلمة بالرغم من وقعها الايجابي تحمل في طياتها العفوية من جهة وقصر فترتها الزمنية من جهة أخرى. الخلاصة: كل التسميات مشروعة إذا تم شطب كلمة انتفاضة منها.
أنا كمواطن يتيم ومن مثلي من أيتام هذا الوطن نحيي الذكرى الحادية عشرة للانتفاضة الفلسطينية الثانية، انتفاضة الأقصى.
بالطبع، إحياء ذكرى الشهداء الثلاثة عشر هو في صميم هذه الذكرى ولكن من غير الاستفراد بهم وسلخهم عن قافلة الشهداء الذين سقطوا في هذه الانتفاضة وفي غيرها. إن عملية الاستفراد هذه إن كانت تمس بشيء فإنها أولا وقبل كل شيء تمس بكرامة الشهداء أنفسهم. بحجة أوضاعنا الخاصة تم تقزيم انخراط جماهيرنا في النضال الوطني الفلسطيني العام وتم عمليا فصل شهدائنا عن باقي الشهداء وحصرهم في خانة: "كيف تقوم دولة بإطلاق النار على مواطنيها". من هذا المنطلق تمت المطالبة بإقامة لجنة تحقيق خاصة، الحكاية طويلة ومعروفة للجميع ولا داع للخوض فيها الآن. وكأن سقوط 5000 شهيد لا يستحق لجنة بل لجان تحقيق ولا يستحق ملاحقة المجرمين في كل مكان وزمان. نعم، نحن شعب واحد، ولكن مع وقف التنفيذ.
كما يقول المثل: شر البلية ما يضحك، ومن شدة مأساوية هذه الذكرى لم نعد ندري هل يجب علينا أن نبكي أم نضحك. فها هو رئيس السلطة الفلسطينية يعود من نيويورك لكي يستقبل استقبال الأبطال، وهو الذي يقود حملة طمس الانتفاضة من الذاكرة الفلسطينية، قد قال: "هذه الانتفاضة دمرتنا ودمرت كل ما بنيناه وما بني قبلنا" وقال: "الانتفاضة أضرت بمصلحة الشعب الفلسطيني وتعيق العملية السلمية". قائد الثورة الفلسطينية وقائد قواتها المسلحة يفتخر بأنه لم يحمل سلاحا في حياته قط. ولم يوفر جهدا في إجهاض أية مقاومة، قبل أن يصبح رئيسا للسلطة – عندما كان رئيسا للحكومة- وبعد أن أصبح رئيسا. وصف أعمال المقاومة بالحقيرة وصواريخها بالعبثية ولفق الفرية المعروفة بعسكرة الانتفاضة. وبذلك اصدر صك براءة لجيش الاحتلال الإسرائيلي المدجج بالسلاح والدبابات والطائرات في قمع المتظاهرين العزل. فمن المسؤول عن عسكرة الانتفاضة؟ وأدخل الجنرال دايتون لتدريب أجهزة الأمن لملاحقة المقاومين ولتأمين الحماية لجيش الاحتلال وللمستوطنين في إطار التنسيق الأمني. وقد صرح في كل مناسبة ومن غير مناسبة: لن تكون هناك انتفاضة في عهدي، فشلت المفاوضات أم لم تفشل، توصلنا إلى تسوية أم لم نتوصل. فهل من الغرابة أن تمر الذكرى الحادية عشرة لانتفاضة الأقصى في الضفة الغربية مرور الكرام؟
ينبغي العمل على إعادة ذكرى مناسباتنا الوطنية إلى نصابها الصحيح. فذكرى النكبة يجب ألا تقتصر على القرى المهجرة وتحتكر من قبل لجنة مشلولة ضيقة الأفق، وذكرى يوم الأرض يجب أن تحتضن كل شبر من أرض فلسطين. وذكرى الانتفاضة يجب أن تحتضن جميع الشهداء وبنفس المقدار.
علي زبيدات – سخنين
الانتفاضة كلمة عربية أصيلة اقتحمت معظم لغات العالم وأصبحت إحدى المفردات التي لا يستغني عنها أي قاموس في هذه اللغات، تستعمل لوصف كل حركة مقاومة أو تمرد أو احتجاج. فقط في اللغة العربية يوجد هناك محاولات حثيثة لوأد هذه الكلمة أو إعادتها إلى قمقمها.
ذكرى ماذا نحيي هذه الأيام؟ هل نحيي الذكرى الحادية عشرة ل "أحداث أكتوبر "2000؟ أم ذكرى "يوم الأقصى"؟ أو ذكرى "هبة القدس والأقصى"؟ أم هي إحياء ل "ذكرى شهداء هبة الأقصى" لا غير؟ وجدت هذه العناوين وغيرها في كافة الجرائد المواقع الفلسطينية المحلية والبيانات بما فيها البيان الرسمي للجنة المتابعة العليا في هذه المناسبة. ولكني لم أجد في أي مكان عنوانا يقول: إحياء الذكرى الحادية عشرة ل "انتفاضة الأقصى" أو إحياء الذكرى الحادية عشرة لل"انتفاضة الفلسطينية الثانية". لماذا تم شطب كلمة انتفاضة من كافة الأماكن؟ هل جاء ذلك من باب الصدفة؟ أم انه نتيجة لدراسة وتخطيط مسبقين خدمة لسياسة معينة؟
أولا، إنها ليست أحداث أكتوبر فقط، فقد بدأت "الأحداث" في 28 سبتمبر/أيلول عندما قام شارون وزمرته بحراسة أكثر من 3000 شرطي بتدنيس الأقصى. في اليوم التالي، أي في 29 أيلول سقط 7 شهداء وفي اليوم الذي تلاه: 30 أيلول سقط 10 شهداء وجاء أكتوبر وتوالى سقوط الشهداء حتى وصل إلى أكثر من 5000 شهيد بالإضافة إلى 50000 جريح. جاء إطلاق اسم: "أحداث أكتوبر" من قبل الحكومة الإسرائيلية ولكن سرعان ما تلقفته الأبواق العربية التي ربطت مصيرها بدولة إسرائيل. إزاء الضغط الشعبي اضطرت لجنة المتابعة بكل مكوناتها بما فيها الأحزاب العربية وما يسمى مؤسسات المجتمع المدني استعمال مصطلح: "يوم الأقصى". ولا يعلم غير الله لماذا "يوم" مع أن سقوط شهداء "الداخل" استمر على مدى عشرة أيام. يبدو أنه في الفترة الأخيرة تم الاتفاق على استعمال مصطلح "هبة الأقصى" أو "هبة القدس والأقصى". هذه الكلمة بالرغم من وقعها الايجابي تحمل في طياتها العفوية من جهة وقصر فترتها الزمنية من جهة أخرى. الخلاصة: كل التسميات مشروعة إذا تم شطب كلمة انتفاضة منها.
أنا كمواطن يتيم ومن مثلي من أيتام هذا الوطن نحيي الذكرى الحادية عشرة للانتفاضة الفلسطينية الثانية، انتفاضة الأقصى.
بالطبع، إحياء ذكرى الشهداء الثلاثة عشر هو في صميم هذه الذكرى ولكن من غير الاستفراد بهم وسلخهم عن قافلة الشهداء الذين سقطوا في هذه الانتفاضة وفي غيرها. إن عملية الاستفراد هذه إن كانت تمس بشيء فإنها أولا وقبل كل شيء تمس بكرامة الشهداء أنفسهم. بحجة أوضاعنا الخاصة تم تقزيم انخراط جماهيرنا في النضال الوطني الفلسطيني العام وتم عمليا فصل شهدائنا عن باقي الشهداء وحصرهم في خانة: "كيف تقوم دولة بإطلاق النار على مواطنيها". من هذا المنطلق تمت المطالبة بإقامة لجنة تحقيق خاصة، الحكاية طويلة ومعروفة للجميع ولا داع للخوض فيها الآن. وكأن سقوط 5000 شهيد لا يستحق لجنة بل لجان تحقيق ولا يستحق ملاحقة المجرمين في كل مكان وزمان. نعم، نحن شعب واحد، ولكن مع وقف التنفيذ.
كما يقول المثل: شر البلية ما يضحك، ومن شدة مأساوية هذه الذكرى لم نعد ندري هل يجب علينا أن نبكي أم نضحك. فها هو رئيس السلطة الفلسطينية يعود من نيويورك لكي يستقبل استقبال الأبطال، وهو الذي يقود حملة طمس الانتفاضة من الذاكرة الفلسطينية، قد قال: "هذه الانتفاضة دمرتنا ودمرت كل ما بنيناه وما بني قبلنا" وقال: "الانتفاضة أضرت بمصلحة الشعب الفلسطيني وتعيق العملية السلمية". قائد الثورة الفلسطينية وقائد قواتها المسلحة يفتخر بأنه لم يحمل سلاحا في حياته قط. ولم يوفر جهدا في إجهاض أية مقاومة، قبل أن يصبح رئيسا للسلطة – عندما كان رئيسا للحكومة- وبعد أن أصبح رئيسا. وصف أعمال المقاومة بالحقيرة وصواريخها بالعبثية ولفق الفرية المعروفة بعسكرة الانتفاضة. وبذلك اصدر صك براءة لجيش الاحتلال الإسرائيلي المدجج بالسلاح والدبابات والطائرات في قمع المتظاهرين العزل. فمن المسؤول عن عسكرة الانتفاضة؟ وأدخل الجنرال دايتون لتدريب أجهزة الأمن لملاحقة المقاومين ولتأمين الحماية لجيش الاحتلال وللمستوطنين في إطار التنسيق الأمني. وقد صرح في كل مناسبة ومن غير مناسبة: لن تكون هناك انتفاضة في عهدي، فشلت المفاوضات أم لم تفشل، توصلنا إلى تسوية أم لم نتوصل. فهل من الغرابة أن تمر الذكرى الحادية عشرة لانتفاضة الأقصى في الضفة الغربية مرور الكرام؟
ينبغي العمل على إعادة ذكرى مناسباتنا الوطنية إلى نصابها الصحيح. فذكرى النكبة يجب ألا تقتصر على القرى المهجرة وتحتكر من قبل لجنة مشلولة ضيقة الأفق، وذكرى يوم الأرض يجب أن تحتضن كل شبر من أرض فلسطين. وذكرى الانتفاضة يجب أن تحتضن جميع الشهداء وبنفس المقدار.