أيها الشباب أتركوا الأحزاب السياسية فورا
علي زبيدات – سخنين
في أحسن الحالات، لن تحب الأحزاب السياسية هذه السطور أما في أسوأ الحالات، سوف تشن هجوما كاسحا عليها وعلى كاتبها. ولكن بعد أن بلغ السيل الزبى لم يعد هناك مجالا للتردد أو للشك: لقد أصبحت هذه الأحزاب مقبرة للشباب بدل أن تكون دفيئة لهم يتربون ويترعرعون في أحضانها حتى يأخذوا دورهم في المجتمع.
لعل أهم سمة ميزت ورافقت الثورة العربية في البلدان التي انتصرت بها كما في البلدان التي تعرقلت وتعقدت بها الأمور هو الغياب شبه الكامل للاحزاب السياسية العريقة التي لعبت في أحسن الأحوال دورا هامشيا في التحولات الثورية. ذلك لأن هذه الأحزاب قد فقدت صلتها مع الجماهير وأصيبت بالترهل والتحجر الفكري والشلل في النشاط هذا بالإضافة إلى فساد القيادة والنزاعات الداخلية التي نخرت في أوصالها. أحزاب المعارضة لم تكن تختلف من حيث الجوهر عن الأحزاب الحاكمة. وقد لعب الشباب الدور الرئيسي في هذه الثورات بعد أن نفضوا عن كواهلهم غبار هذه الأحزاب المتراكم، كسروا قيودها، تحرروا من القمع الفكري وأخذوا يبدعون أشكالا جديدة لتنظيم أنفسهم بعيدا عن وصاية ورقابة هذه الأحزاب.
الوضع عندنا لا يختلف كثيرا عن الأوضاع في البلدان العربية الأخرى. الأحزاب السياسية عندنا، هذا إذا استطعنا أن نسميها أحزابا سياسية، فالكثير منها أشبه بعزبة خاصة للزعيم المؤسس وحاشيته من المقربين، قد وقف نموها وتحجر فكرها وتعيش في الوقت الضائع بحكم القوة الدافعة الأولى أو عن طريق التنفس الاصطناعي (التمويل الحكومي).
المصيبة هي أن هذه الأحزاب قد خلقت حركات شبيبة على صورتها، تحمل جيناتها الوراثية. فبينما مثلا تخرج هذه الأحزاب من ثيابها فرحا في حالة فوزها برئاسة بلدية أو مجلس محلي في انتخابات شكلية تقوم على تحالفات عائلية ومصالح شخصية وفساد ورشوات، وإذا حصلت على عضوين أو ثلاثة أعضاء في الكنيست الصهيوني فلا يسعها العالم من الفرحة بهذا الانجاز التاريخي في "العرس الديمقراطي"، نرى حركات الشبيبة التابعة لهذه الأحزاب تتصرف هي الأخرى على النحو نفسه. فيصبح الحصول على مقعد واحد من 40 مقعدا في انتخابات النقابة العامة للطلاب في إحدى الجامعات "نصرا للحركة الوطنية" التي استطاعت إسقاط التحالف المنافس. وتبدأ الاحتفالات بهذا النصر. قرف انتخابات لجان الطلاب العرب في الجامعات الاسرائيلية أو الانتخابات لنقابة الطلاب العامة لا يقل عن قرف الانتخابات المحلية والانتخابات البرلمانية. هل هذه هي النخبة المثقفة التي تبنى عليها الآمال من أجل الانتقال بمجتمعنا إلى غد أفضل؟
ليس من باب الصدفة أن يكون دور ونشاط حركات الشبيبة التابعة للأحزاب العربية مغيبا أو مهمشا. فقد حرصت هذه الأحزاب على قتل روح النقد وكبت الطموح عند الشباب، وقامت بحشوهم بأفكار جاهزة وبشاعرات عقيمة لكي تجعل منهم كوادر مطيعة، يصفقون للقيادة الحزبية وتربيهم على ثقافة التسلق لكي يأخذوا مكانهم في المستقبل. أين الروح التحررية الجامحة التي تضع كل شيء في موضع السؤال ولا تقبل الأشياء مسلمة؟ أين الطموح وروح النقد وأخذ زمام المبادرة والنشاط والحماس والمثالية؟ أقول بدون تلعثم أن الأحزاب السياسية قد اغتالت كل هذه الصفات.
السؤال الذي يجب أن يطرحه الشباب على أنفسهم هنا ويجيبون عليه بكل جرأة وصراحة هو: هل نريد شبابا يقرع الطبول في المسيرات ويصفق للخطباء في المهرجانات؟ هل نريد شبيبة تستنزف طاقاتها في تنظيم مخيمات صيفية لكي يأتي هذا المسئول الحزبي أو ذاك لإلقاء محاضرته المملة؟ أم نريد ما قاله الشاعر نزار قباني بعد النكسة التي تقترب ذكراها: " نريد جيلا غاضبا
نريد جيلا يفلح الآفاق
وينكش التاريخ من جذوره
نريد جيلا قادما مختلف الملامح
لا ينحني، لا يعرف النفاق
نريد جيلا رائدا عملاق."
ألا نريد شبابا يصنع ثورة مثل شباب تونس ومصر؟
ليس من باب الصدفة أيضا أن الشباب الأكثر نشاطا وحيوية في المناسبات الوطنية هم من الشباب الذين تحرروا من القيود التنظيمية التي وضعتها الأحزاب حول معاصمهم. حتى عندما يكونون منتمين لهذا الحزب أو ذاك فغالبا ما يكون نشاطهم بالرغم من الحزب وليس بفضله.
مسيرة العودة الثانية في 5 حزيران على الأبواب. لجنة المتابعة بكل مركباتها الحزبية والمجتمعية لم تحرك ساكنا. الدعوة للمشاركة في مظاهرة تل أبيب عشية ذكرى النكسة من أجل الإعلان عن استقلال دولة فلسطينية وهمية هي هروب إلى الوراء. من الأجدر بشبابنا أن يلتحموا مع شباب فلسطين في كافة أماكن تواجدهم لإنجاح مسيرات العودة حتى تحقيق أهدافها كاملة.
الخطوة الأولى في هذا الطريق الشاق والطويل هي أن يغادر الشباب الأحزاب السياسية فورا وأن يبدؤوا بإبداع أشكال جديدة وخلاقة لتنظيم أنفسهم.
علي زبيدات – سخنين
في أحسن الحالات، لن تحب الأحزاب السياسية هذه السطور أما في أسوأ الحالات، سوف تشن هجوما كاسحا عليها وعلى كاتبها. ولكن بعد أن بلغ السيل الزبى لم يعد هناك مجالا للتردد أو للشك: لقد أصبحت هذه الأحزاب مقبرة للشباب بدل أن تكون دفيئة لهم يتربون ويترعرعون في أحضانها حتى يأخذوا دورهم في المجتمع.
لعل أهم سمة ميزت ورافقت الثورة العربية في البلدان التي انتصرت بها كما في البلدان التي تعرقلت وتعقدت بها الأمور هو الغياب شبه الكامل للاحزاب السياسية العريقة التي لعبت في أحسن الأحوال دورا هامشيا في التحولات الثورية. ذلك لأن هذه الأحزاب قد فقدت صلتها مع الجماهير وأصيبت بالترهل والتحجر الفكري والشلل في النشاط هذا بالإضافة إلى فساد القيادة والنزاعات الداخلية التي نخرت في أوصالها. أحزاب المعارضة لم تكن تختلف من حيث الجوهر عن الأحزاب الحاكمة. وقد لعب الشباب الدور الرئيسي في هذه الثورات بعد أن نفضوا عن كواهلهم غبار هذه الأحزاب المتراكم، كسروا قيودها، تحرروا من القمع الفكري وأخذوا يبدعون أشكالا جديدة لتنظيم أنفسهم بعيدا عن وصاية ورقابة هذه الأحزاب.
الوضع عندنا لا يختلف كثيرا عن الأوضاع في البلدان العربية الأخرى. الأحزاب السياسية عندنا، هذا إذا استطعنا أن نسميها أحزابا سياسية، فالكثير منها أشبه بعزبة خاصة للزعيم المؤسس وحاشيته من المقربين، قد وقف نموها وتحجر فكرها وتعيش في الوقت الضائع بحكم القوة الدافعة الأولى أو عن طريق التنفس الاصطناعي (التمويل الحكومي).
المصيبة هي أن هذه الأحزاب قد خلقت حركات شبيبة على صورتها، تحمل جيناتها الوراثية. فبينما مثلا تخرج هذه الأحزاب من ثيابها فرحا في حالة فوزها برئاسة بلدية أو مجلس محلي في انتخابات شكلية تقوم على تحالفات عائلية ومصالح شخصية وفساد ورشوات، وإذا حصلت على عضوين أو ثلاثة أعضاء في الكنيست الصهيوني فلا يسعها العالم من الفرحة بهذا الانجاز التاريخي في "العرس الديمقراطي"، نرى حركات الشبيبة التابعة لهذه الأحزاب تتصرف هي الأخرى على النحو نفسه. فيصبح الحصول على مقعد واحد من 40 مقعدا في انتخابات النقابة العامة للطلاب في إحدى الجامعات "نصرا للحركة الوطنية" التي استطاعت إسقاط التحالف المنافس. وتبدأ الاحتفالات بهذا النصر. قرف انتخابات لجان الطلاب العرب في الجامعات الاسرائيلية أو الانتخابات لنقابة الطلاب العامة لا يقل عن قرف الانتخابات المحلية والانتخابات البرلمانية. هل هذه هي النخبة المثقفة التي تبنى عليها الآمال من أجل الانتقال بمجتمعنا إلى غد أفضل؟
ليس من باب الصدفة أن يكون دور ونشاط حركات الشبيبة التابعة للأحزاب العربية مغيبا أو مهمشا. فقد حرصت هذه الأحزاب على قتل روح النقد وكبت الطموح عند الشباب، وقامت بحشوهم بأفكار جاهزة وبشاعرات عقيمة لكي تجعل منهم كوادر مطيعة، يصفقون للقيادة الحزبية وتربيهم على ثقافة التسلق لكي يأخذوا مكانهم في المستقبل. أين الروح التحررية الجامحة التي تضع كل شيء في موضع السؤال ولا تقبل الأشياء مسلمة؟ أين الطموح وروح النقد وأخذ زمام المبادرة والنشاط والحماس والمثالية؟ أقول بدون تلعثم أن الأحزاب السياسية قد اغتالت كل هذه الصفات.
السؤال الذي يجب أن يطرحه الشباب على أنفسهم هنا ويجيبون عليه بكل جرأة وصراحة هو: هل نريد شبابا يقرع الطبول في المسيرات ويصفق للخطباء في المهرجانات؟ هل نريد شبيبة تستنزف طاقاتها في تنظيم مخيمات صيفية لكي يأتي هذا المسئول الحزبي أو ذاك لإلقاء محاضرته المملة؟ أم نريد ما قاله الشاعر نزار قباني بعد النكسة التي تقترب ذكراها: " نريد جيلا غاضبا
نريد جيلا يفلح الآفاق
وينكش التاريخ من جذوره
نريد جيلا قادما مختلف الملامح
لا ينحني، لا يعرف النفاق
نريد جيلا رائدا عملاق."
ألا نريد شبابا يصنع ثورة مثل شباب تونس ومصر؟
ليس من باب الصدفة أيضا أن الشباب الأكثر نشاطا وحيوية في المناسبات الوطنية هم من الشباب الذين تحرروا من القيود التنظيمية التي وضعتها الأحزاب حول معاصمهم. حتى عندما يكونون منتمين لهذا الحزب أو ذاك فغالبا ما يكون نشاطهم بالرغم من الحزب وليس بفضله.
مسيرة العودة الثانية في 5 حزيران على الأبواب. لجنة المتابعة بكل مركباتها الحزبية والمجتمعية لم تحرك ساكنا. الدعوة للمشاركة في مظاهرة تل أبيب عشية ذكرى النكسة من أجل الإعلان عن استقلال دولة فلسطينية وهمية هي هروب إلى الوراء. من الأجدر بشبابنا أن يلتحموا مع شباب فلسطين في كافة أماكن تواجدهم لإنجاح مسيرات العودة حتى تحقيق أهدافها كاملة.
الخطوة الأولى في هذا الطريق الشاق والطويل هي أن يغادر الشباب الأحزاب السياسية فورا وأن يبدؤوا بإبداع أشكال جديدة وخلاقة لتنظيم أنفسهم.