مشروع الدولة ثنائية القومية كمطلب فلسطيني مرفوض
علي زبيدات – سخنين
كلما تعثرت "المفاوضات السلمية" التي ترعاها وتشرف عليها الولايات المتحدة الأمريكية بين السلطة الفلسطينية وبين دولة إسرائيل كلما تعالت الأصوات التي تنادي بحل الدولة الواحدة كبديل لحل الدولتين المطروح في هذه المفاوضات. وبما أن تعثر المفاوضات بلغ مؤخرا أوجه حتى وصلت إلى طريق مسدود تعالت الأصوات التي تنادي بحل الدولة الواحدة بشكل غير مسبوق. هذه الأصوات تتعالى من كل حدب وصوب ومن مصادر غريبة عجيبة. على الساحة الفلسطينية كان أحمد قريع السباق في التلويح للجوء إلى حل الدولة الواحدة كورقة ضغط يهدد بها الجانب الإسرائيلي الذي لم يعره أي اهتمام لا في المفاوضات حول الدولتين ولا في الكلام العابر حول الدولة الواحدة. اليوم، كما تناولت وسائل الإعلام الذي يقود هذه الأصوات المزعجة ليس غير كبير المفاوضين، صاحب نظرية "الحياة مفاوضات"، صائب عريقات بالإضافة إلى مجموعة لم نسمع عتها من قبل تطلق على نفسها "تكامل" وتحظى بدعم من أعلى المستويات السياسية في السلطة ومن الرئيس محمود عباس نفسه. هذه المهزلة أربكت حتى الأشخاص والمجموعات التي كانت تنادي بحل الدولة الواحدة من منطلقات أيديولوجية: حل الدولة العلمانية الديمقراطية والدولة ثنائية القومية.
اختلط الحابل بالنابل، حتى وصلت درجة اللغوصة بخصوص حل الدولة الواحدة إلى درجة غير معقولة بانضمام مجموعة من قادة اليمين الصهيوني المعروفين بعنصريتهم مثل موشيه أرنس الذي ينادي بمنح الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين في الضفة الغربية بعد التخلص ممن يرفض الولاء للدولة الصهيونية وإقامة دولة واحدة في فلسطين التاريخية. ولكنه ليس الوحيد، فالقائمة تطول وفي كل يوم ينضم إليها عضو جديد معروف بعنصريته وكراهيته للعرب وللفلسطينيين.
لقد تناولت بالنقد عدة مرات جميع أشكال وصيغ مشاريع حل الدولة الواحدة وخصوصا تلك التي تتلفع بقناع أيديولوجي مبدئي كما طرحتها حركة أبناء البلد في مؤتمر حيفا الأول والثاني تحت عنوان: "حق العودة والدولة العلمانية الديمقراطية في فلسطين" ولكن أيضا كما طرحت في "التصور المستقبلي" الصادر عن لجنة المتابعة و"وثيقة حيفا" الصادرة عن مركز مدى الكرمل و"الدستور الديمقراطي" الصادر عن عدالة. أنا هنا لست بصدد تكرار ما قلته في هذا الموضوع. ولكني سوف أقتصر في هذه المقالة بالرد على بعض المنادين بحل الدولة ثنائية القومية والذي يقوده عندنا بعض الاكاديميين وعلى رأسهم الدكتور اسعد غانم والبروفسور نديم روحانا والبروفسور مروان دويري وغيرهم ومن الجمعيات مدى الكرمل، عدالة وغيرهما. وبسبب ضيق المجال سوف أقتصر بتناول الأفكار التي طرحها أسعد غانم في هذا الموضوع في الورقة التي قدمها في مؤتمر حيفا الثاني بعنوان: "مشروع الدولة ثنائية القومية كمطلب فلسطيني مرغوب" وفيما بعد في العديد من المقابلات والمقالات التي نشرها في الصحافة المحلية.
في الحقيقة، بدأ اسعد غانم بالترويج للدولة ثنائية القومية منذ زمن بعيد. وقد ظهرت ثمرة جهوده، مع آخرين في "التصور المستقبلي" المذكور، الصادر عن لجنة المتابعة العليا برئاسة شوقي خطيب. وقد تناولت وسائل الإعلام في حينه عن نية الاثنين تشكيل حزب سياسي الأمر الذي نفاه اسعد غانم. في تلك الفترة كان وسطنا الفلسطيني في الداخل ما زال يعيش في أحضان وهم "دولة المواطنين" أو "دولة جميع مواطنيها" التي نادى فيها عضو الكنيست السابق عزمي بشارة والذي يحب أن يسمى حاليا ب"المفكر العربي". لقد حاول عزمي بشارة تطبيق نظريته هذه من خلال حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي أسسه من أجل هذه المهمة، ورفع الشعار الذي يحتوي، حسب رأيي، على أحد أكبر التناقضات في علم المنطق وهو:" هوية قومية ومواطنة كاملة" وهذا يعني بكل بساطة أن تكون عربيا قوميا تعلق صورة جمال عبد الناصر في البيت وأن تكون في الوقت نفسه مواطنا إسرائيليا كامل الحقوق تعلق صورة شمعون بيرس في المكتب. هكذا وجد أسعد غانم وباقي الأكاديميين العرب أنفسهم ينشطون في ظل عزمي بشارة ولكن بدون الكاريزما التي كان يتمتع بها وبدون تفوقه في المجال الإعلامي. وبدل أن ينضم أسعد غانم إلى حزب التجمع الوطني الديمقراطي القريب منه فكريا أو إلى أحد الأحزاب السياسية العربية الأخرى اختار أن ينضم إلى لجنة مقاطعة انتخابات الكنيست. عملنا سوية في هذه اللجنة. وللحقيقة أقول أنه وبعد حوالي 5 سنوات لم أفهم حتى الآن ما إذا كان أسعد غانم مقاطعا لانتخابات الكنيست أم لا. فمن جهة كان يلوم الأحزاب العربية على غياب الوحدة فيما بينها وعلى حالة التشرذم التي تسببها ويلومها على غياب العنصر النسائي من بين مرشحيها وفي الوقت نفسه يدعو إلى مقاطعة هذه الانتخابات. واذكر إنني في احد الاجتماعات التي عقدت في مركز جمعية ابن خلدون التي يرأسها فقدت أعصابي وصرخت: "قرر هل أنت مقاطع للانتخابات أم أنت معها"؟ طبعا لم يكن أسعد غانم وحده مقاطعا وليس مقاطعا لانتخابات الكنيست، ولكن هذه قصة أخرى
في الآونة الأخيرة ينشط أسعد غانم في الترويج للدولة ثنائية القومية ونراه يوجه المزيد من النقد للسلطة الفلسطينية وخصوصا لرئيس حكومتها وللذين يقبلون بحل الدولتين بأسوأ أشكاله: أي الدولة ناقصة السيادة ومقطعة الأوصال التي تصرح إسرائيل بأنها ستكون مستعدة لمنحها للفلسطينيين إن لبوا شروطها المعروفة.
نقدي الأساسي على الدولة ثنائية القومية هو المغالطة الفاضحة التي ينضح بها اسمها بالذات: من هما القوميتان المقصودتان؟ القومية العربية الفلسطينية من جهة؟ والقومية اليهودية أو اليهودية الإسرائيلية من جهة أخرى؟ أنا شخصيا لا أؤمن بأن الشعب الفلسطيني يشكل قومية بأي معنى كان. ومن جهة أخرى لا يوجد شيء اسمه قومية يهودية أو يهودية إسرائيلية إلا داخل رؤوس الصهاينة المتعنتين. ما يوجد لدينا هنا ليس أكثر من مجموعة من المستعمرين جاؤوا من قوميات متعددة تجمعهم بعض الأساطير ولكن في الأساس تجمعهم المصالح الاقتصادية. أما أسعد غانم فأنه يقول:" إن اليهود في إسرائيل هم مجموعة قومية يجب التعاون معها لأجل إقامة دولة ثنائية القومية" ويقول أيضا، وأنا أقتبس من الورقة التي قدمها في مؤتمر حيفا الثاني:”...مستقبل الشعب الفلسطيني يختلف عن باقي الشعوب العربية ولا يتناسق مع فكرة الوحدة العربية والتكامل العربي، بل يجب على الفلسطينيين القبول بهوية وانتماء يتلاءم مع الدولة ثنائية القومية مع عدم إغفال ضرورة التواصل الفكري والحضاري وليس السياسي مع العالم العربي". هكذا إذن التواصل السياسي يجب أن يكون مع المستعمرين الذين نهبوا الأرض وشردوا الشعب وليس مع الامتداد العربي الطبيعي!!
حل ثنائية القومية، على طريقة أسعد غانم وغيره ليس مطروحا لكي يتم تسويقه حالا:" بل يجب أن يطرح كحل بعيد المدى يتم تطويره على ضوء وصول حل المشكلة الفلسطينية من خلال دولة في الضفة والقطاع وذات سيادة كاملة إلى طريق مسدود". ها هو قد وصل حل الدولتين إلى طريق مسدود فهل نتوقع من أنصار حل ثنائية القومية أن يقوموا بتسويقه الآن؟ وبخصم نهاية الموسم يصل إلى 50-70 %؟
علي زبيدات – سخنين
كلما تعثرت "المفاوضات السلمية" التي ترعاها وتشرف عليها الولايات المتحدة الأمريكية بين السلطة الفلسطينية وبين دولة إسرائيل كلما تعالت الأصوات التي تنادي بحل الدولة الواحدة كبديل لحل الدولتين المطروح في هذه المفاوضات. وبما أن تعثر المفاوضات بلغ مؤخرا أوجه حتى وصلت إلى طريق مسدود تعالت الأصوات التي تنادي بحل الدولة الواحدة بشكل غير مسبوق. هذه الأصوات تتعالى من كل حدب وصوب ومن مصادر غريبة عجيبة. على الساحة الفلسطينية كان أحمد قريع السباق في التلويح للجوء إلى حل الدولة الواحدة كورقة ضغط يهدد بها الجانب الإسرائيلي الذي لم يعره أي اهتمام لا في المفاوضات حول الدولتين ولا في الكلام العابر حول الدولة الواحدة. اليوم، كما تناولت وسائل الإعلام الذي يقود هذه الأصوات المزعجة ليس غير كبير المفاوضين، صاحب نظرية "الحياة مفاوضات"، صائب عريقات بالإضافة إلى مجموعة لم نسمع عتها من قبل تطلق على نفسها "تكامل" وتحظى بدعم من أعلى المستويات السياسية في السلطة ومن الرئيس محمود عباس نفسه. هذه المهزلة أربكت حتى الأشخاص والمجموعات التي كانت تنادي بحل الدولة الواحدة من منطلقات أيديولوجية: حل الدولة العلمانية الديمقراطية والدولة ثنائية القومية.
اختلط الحابل بالنابل، حتى وصلت درجة اللغوصة بخصوص حل الدولة الواحدة إلى درجة غير معقولة بانضمام مجموعة من قادة اليمين الصهيوني المعروفين بعنصريتهم مثل موشيه أرنس الذي ينادي بمنح الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين في الضفة الغربية بعد التخلص ممن يرفض الولاء للدولة الصهيونية وإقامة دولة واحدة في فلسطين التاريخية. ولكنه ليس الوحيد، فالقائمة تطول وفي كل يوم ينضم إليها عضو جديد معروف بعنصريته وكراهيته للعرب وللفلسطينيين.
لقد تناولت بالنقد عدة مرات جميع أشكال وصيغ مشاريع حل الدولة الواحدة وخصوصا تلك التي تتلفع بقناع أيديولوجي مبدئي كما طرحتها حركة أبناء البلد في مؤتمر حيفا الأول والثاني تحت عنوان: "حق العودة والدولة العلمانية الديمقراطية في فلسطين" ولكن أيضا كما طرحت في "التصور المستقبلي" الصادر عن لجنة المتابعة و"وثيقة حيفا" الصادرة عن مركز مدى الكرمل و"الدستور الديمقراطي" الصادر عن عدالة. أنا هنا لست بصدد تكرار ما قلته في هذا الموضوع. ولكني سوف أقتصر في هذه المقالة بالرد على بعض المنادين بحل الدولة ثنائية القومية والذي يقوده عندنا بعض الاكاديميين وعلى رأسهم الدكتور اسعد غانم والبروفسور نديم روحانا والبروفسور مروان دويري وغيرهم ومن الجمعيات مدى الكرمل، عدالة وغيرهما. وبسبب ضيق المجال سوف أقتصر بتناول الأفكار التي طرحها أسعد غانم في هذا الموضوع في الورقة التي قدمها في مؤتمر حيفا الثاني بعنوان: "مشروع الدولة ثنائية القومية كمطلب فلسطيني مرغوب" وفيما بعد في العديد من المقابلات والمقالات التي نشرها في الصحافة المحلية.
في الحقيقة، بدأ اسعد غانم بالترويج للدولة ثنائية القومية منذ زمن بعيد. وقد ظهرت ثمرة جهوده، مع آخرين في "التصور المستقبلي" المذكور، الصادر عن لجنة المتابعة العليا برئاسة شوقي خطيب. وقد تناولت وسائل الإعلام في حينه عن نية الاثنين تشكيل حزب سياسي الأمر الذي نفاه اسعد غانم. في تلك الفترة كان وسطنا الفلسطيني في الداخل ما زال يعيش في أحضان وهم "دولة المواطنين" أو "دولة جميع مواطنيها" التي نادى فيها عضو الكنيست السابق عزمي بشارة والذي يحب أن يسمى حاليا ب"المفكر العربي". لقد حاول عزمي بشارة تطبيق نظريته هذه من خلال حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي أسسه من أجل هذه المهمة، ورفع الشعار الذي يحتوي، حسب رأيي، على أحد أكبر التناقضات في علم المنطق وهو:" هوية قومية ومواطنة كاملة" وهذا يعني بكل بساطة أن تكون عربيا قوميا تعلق صورة جمال عبد الناصر في البيت وأن تكون في الوقت نفسه مواطنا إسرائيليا كامل الحقوق تعلق صورة شمعون بيرس في المكتب. هكذا وجد أسعد غانم وباقي الأكاديميين العرب أنفسهم ينشطون في ظل عزمي بشارة ولكن بدون الكاريزما التي كان يتمتع بها وبدون تفوقه في المجال الإعلامي. وبدل أن ينضم أسعد غانم إلى حزب التجمع الوطني الديمقراطي القريب منه فكريا أو إلى أحد الأحزاب السياسية العربية الأخرى اختار أن ينضم إلى لجنة مقاطعة انتخابات الكنيست. عملنا سوية في هذه اللجنة. وللحقيقة أقول أنه وبعد حوالي 5 سنوات لم أفهم حتى الآن ما إذا كان أسعد غانم مقاطعا لانتخابات الكنيست أم لا. فمن جهة كان يلوم الأحزاب العربية على غياب الوحدة فيما بينها وعلى حالة التشرذم التي تسببها ويلومها على غياب العنصر النسائي من بين مرشحيها وفي الوقت نفسه يدعو إلى مقاطعة هذه الانتخابات. واذكر إنني في احد الاجتماعات التي عقدت في مركز جمعية ابن خلدون التي يرأسها فقدت أعصابي وصرخت: "قرر هل أنت مقاطع للانتخابات أم أنت معها"؟ طبعا لم يكن أسعد غانم وحده مقاطعا وليس مقاطعا لانتخابات الكنيست، ولكن هذه قصة أخرى
في الآونة الأخيرة ينشط أسعد غانم في الترويج للدولة ثنائية القومية ونراه يوجه المزيد من النقد للسلطة الفلسطينية وخصوصا لرئيس حكومتها وللذين يقبلون بحل الدولتين بأسوأ أشكاله: أي الدولة ناقصة السيادة ومقطعة الأوصال التي تصرح إسرائيل بأنها ستكون مستعدة لمنحها للفلسطينيين إن لبوا شروطها المعروفة.
نقدي الأساسي على الدولة ثنائية القومية هو المغالطة الفاضحة التي ينضح بها اسمها بالذات: من هما القوميتان المقصودتان؟ القومية العربية الفلسطينية من جهة؟ والقومية اليهودية أو اليهودية الإسرائيلية من جهة أخرى؟ أنا شخصيا لا أؤمن بأن الشعب الفلسطيني يشكل قومية بأي معنى كان. ومن جهة أخرى لا يوجد شيء اسمه قومية يهودية أو يهودية إسرائيلية إلا داخل رؤوس الصهاينة المتعنتين. ما يوجد لدينا هنا ليس أكثر من مجموعة من المستعمرين جاؤوا من قوميات متعددة تجمعهم بعض الأساطير ولكن في الأساس تجمعهم المصالح الاقتصادية. أما أسعد غانم فأنه يقول:" إن اليهود في إسرائيل هم مجموعة قومية يجب التعاون معها لأجل إقامة دولة ثنائية القومية" ويقول أيضا، وأنا أقتبس من الورقة التي قدمها في مؤتمر حيفا الثاني:”...مستقبل الشعب الفلسطيني يختلف عن باقي الشعوب العربية ولا يتناسق مع فكرة الوحدة العربية والتكامل العربي، بل يجب على الفلسطينيين القبول بهوية وانتماء يتلاءم مع الدولة ثنائية القومية مع عدم إغفال ضرورة التواصل الفكري والحضاري وليس السياسي مع العالم العربي". هكذا إذن التواصل السياسي يجب أن يكون مع المستعمرين الذين نهبوا الأرض وشردوا الشعب وليس مع الامتداد العربي الطبيعي!!
حل ثنائية القومية، على طريقة أسعد غانم وغيره ليس مطروحا لكي يتم تسويقه حالا:" بل يجب أن يطرح كحل بعيد المدى يتم تطويره على ضوء وصول حل المشكلة الفلسطينية من خلال دولة في الضفة والقطاع وذات سيادة كاملة إلى طريق مسدود". ها هو قد وصل حل الدولتين إلى طريق مسدود فهل نتوقع من أنصار حل ثنائية القومية أن يقوموا بتسويقه الآن؟ وبخصم نهاية الموسم يصل إلى 50-70 %؟
No comments:
Post a Comment