الثورة مستمرة، وأنها لثورة حتى النصر
علي زبيدات – سخنين
اقتبست هذا العنوان من اللافتات التي رفعتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني - فتح في احتفالها المركزي في رام الله بمناسبة الذكرى أل 46 لانطلاقتها، والتي كتبت بالبنط العريض لافتة للأنظار.وها أنا أعيد كتابتها بشيء من السخرية وبكثير من الحسرة. عن أية ثورة يتكلمون؟ لكي تكون هناك ثورة مستمرة يجب أن يكون هناك ثورة أصلا. أين الثورة في ظل التنسيق الأمني وزج المقاومين في السجون ونعت عمليات المقاومة بالحقيرة، ورفض كافة إشكال المقاومة ما عدا المفاوضات، والقائمة تطول؟ أين الثورة وقد تحول الفدائي إلى دركي ينتظر راتبه في آخر الشهر؟ يبدو أننا بحاجة لإعادة تعريف الثورة.
أنا مع أن يكون الثائر ايجابيا ومتفائلا، وأن يتكلم عن استمرارية النضال حتى في أحلك الأوقات وحتى في ظل التقهقر والتراجع. ولكن بشرط أن يكون ثائرا أولا وليس موظفا فاسدا يستخدم الشعارات الرنانة من أجل تخدير الجماهير. بالإضافة إلى اللافتات المذكورة كان في هذا الاحتفال الكثير من المواقف السريالية وخصوصا في الخطابات النارية الملقاة من على المنصة. يقولون كلما كبرت الكذبة كلما مال الناس إلى تصديقها. ويبدو أن هذا القول كان أمام أعين الخطباء في هذا الاحتفال.
في الحقيقة لا أدري ما وجه الشبه بين فتح 1965 وبين فتح 2011. دعوني أسرد هنا مثالا واحدا فقط: بعد الانطلاقة في الاول من يناير، 1965 والتي جاءت نتيجة لفقدان الأمل من التحرك العربي الرسمي ممثلا بالجامعة العربية ومؤتمرات القمة العربية ومن التحرك الفلسطيني الرسمي ممثلا بمنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تدور في فلك الموقف الرسمي العربي، بفترة وجيزة جاء إلى المنطقة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة وألقى خطابة الشهير في منطقة أريحا عارضا مشروعه لحل النزاع العربي الصهيوني وطالب الفلسطينيين ألا ينجروا وراء عواطفهم وأن يعترفوا بقرار التقسيم وبدولة إسرائيل والشروع في مفاوضات مباشرة لإقامة دولة فلسطينية. جاء الرد الشعبي والرسمي على هذه المقترحات سريعا. فقد عمت المظاهرات أرجاء البلاد وفي بعض العواصم العربية منددة بهذه المقترحات الخيانية، ووصلت الاحتجاجات إلى المطالبة بطرد تونس من الجامعة العربية. وقد لعبت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة أحمد الشقيري دورا حاسما في قيادة هذه الاحتجاجات. وعقد المجلس الوطني الفلسطيني مؤتمره الثاني لرفض هذه المقترحات جملة وتفصيلا. ولا ننسى أن حركة فتح في تلك الأيام كانت توجه سهام نقدها إلى الشقيري والمنظمة التي يرأسها لخضوعها للموقف العربي العاجز عن المواجهة.
ولكن يبدو أن الزمن دوار والزمن غدار، فبعد 46 سنة من تلك الأحداث تعمدت خلالها القيادة الفتحاوية في تونس وسبقت رئيسها السابق الحبيب بورقيبة بأميال طويلة في نهج التسوية، جاءت مباشرة من تونس لتتبوأ السلطة الفلسطينية في رام الله.
هل هذه هي الثورة المستمرة؟ وهل هذه هي الانتصارات التي حققناها؟
هل من أجل هذه النهاية سقط آلاف الشهداء من فتح ومن غيرها من الفصائل في الأردن وفي لبنان وفي فلسطين؟ هل من أجل هذه النهاية سجن الآلاف من المناضلين في السجون الإسرائيلية وما زال الآلاف قابعين في زنازينها؟
يقول رئيس السلطة الفلسطينية، الذي هو في الوقت نفسه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، الذي هو في الوقت نفسه رئيس حركة فتح في هذه المناسبة: " كانت فتح وستبقى رمزا وأملا ورائدة النضال الفلسطيني رغم حملات النيل منها وتشويه صورتها وإثارة الفتن في داخلها". نعم كانت فتح رمزا ولكن الرموز تسقط أيضا، وكانت أملا ولكن الأمل يتحول إلى يأس أيضا، وكانت رائدة للنضال ولكنها أصبحت رائدة في وأد النضال والاستعاضة عنه بالمفاوضات العبثية التي لا تنتهي. أما حملات النيل منها فقد جاءت من داخلها، وتشويه صورتها جاء من زعاماتها الفاسدة التي أثارت الفتن. هل يمكن أن تعود فتح إلى سابق عهدها؟ تفاؤل العاطفة يجب أن يتغلب على تشاؤم العقل، وأقول نعم يمكن بل يجب أن تعود فتح إلى سابق عهدها عندما تنتفض الكوادر الشابة التي لم تفسدها السلطة بعد وتأخذ زمام المبادرة بين أيديها.
ليست حركة فتح وحدها بحاجة إلى انطلاقة جديدة بل كافة الفصائل أيضا. في الآونة الأخيرة أحيت عدة فصائل ذكرى انطلاقتها منها حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وفصائل أخرى تلاشت عن الساحة النضالية أو تكاد. في جميع هذه الاحتفالات سيطر التبجح المزيف الذي يحول التقهقر إلى تقدم والانتكاسات إلى انتصارات والتخبط إلى رؤيا ثاقبة وغاب عنها عنصر النقد والنقد الذاتي، غاب عنها عنصر الإبداع في النظرية والممارسة الثوريتين. لنجعل من العام الجديد انطلاقة ثورية جديدة وخلاقة لشعبنا الفلسطيني بكافة مركباته وكافة تنظيماته.
No comments:
Post a Comment