ماتت المفاوضات فلتحيى المفاوضات
علي زبيدات – سخنين
انه لمن المؤلم حقا أن نرى كيف تتحول حركة تحرير وطني إلى نقيضها، إلى حركة تخدم الامبريالية والاحتلال لأراضيها. كيف انحدرنا إلى هذا الحضيض؟ انه فعلا سؤال محير، لا أظن أن أحدا يملك الإجابة عليه. كنا نعلم من تجاربنا ومن تجارب حركات التحرر الوطني للشعوب الأخرى التي خاضت نضالا تحرريا أنه خلال مسيرة النضال يوجد هناك فئات تتساقط وتنتقل إلى المعسكر الآخر. كنا نعرف أنه لا بد من وجود انتكاسات وتراجعات في هذه المسيرة، قد تطول أو تقصر قد تكون عميقة أو سطحية ولكن في جميع الحالات وتحت كل الظروف يبقى الاتجاه التحرري العام واضحا. وكنا نعلم أيضا أنه بعد انجاز معظم المهمات الوطنية والحصول على الاستقلال مهما كان شكليا تتحول السلطة"الوطنية" الجديدة تدريجيا حتى تصبح سلطة رجعية مثلها مثل غيرها من الأنظمة الرجعية. ولكن أن تتساقط حركة تحرر وطني بكامل أطرها تقريبا وتنحدر إلى مثل هذا الحضيض قبل أن تنجز شيئا من المهام التي من أجلها نشأت، فهذه ظاهرة فريدة من نوعها تستحق دراسة عميقة.
ما حدث في الجولة الأخيرة من المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية برعاية أمريكية ومباركة عربية وأوروبية أمور لا تصدق. أولا وقبل كل شيء كذبة تجميد الاستيطان التي انتشرت كالنار في الهشيم في شتى أرجاء العالم. لم يكن هناك ثمة تجميد للمستوطنات لا قبل المفاوضات ولا بعدها، وهذا باعتراف مؤسسات إسرائيلية رسمية. وكما قال احد الكتاب الاسرائيلي: في فترة "التجميد" تجمد كل شيء ما عدا المستوطنات. أعمال الاستيطان المختلفة تواصلت على الأقل في 120 مستوطنة وتم بناء آلاف الشقق السكنية وشق الطرق وتمهيد الأرض وتحضير الخرائط ومواصلة مصادرة الأراضي الخ. كل ما حدث هو أنه تم اختيار بعض المستوطنات النائية التي تعتبرها الحكومة الإسرائيلية نفسها غير شرعية وبعض المواقع والإعلان المتلفز عن وقف الاستيطان فيها وذلك للاستهلاك المحلي والدولي لكي تتاح للمفاوض الفلسطيني أن يعود إلى طاولة المفاوضات من غير أن يتهم بالخيانة والعمالة.
وألان تظهر مطالب الحكومة الإسرائيلية باستمرار المفاوضات من غير هذا القناع منطقية جدا من وجهة نظرها: لقد جرت المفاوضات منذ حوالي 20 سنة في ظل توسيع الاستيطان فماذا تغير اليوم؟ المفاوض الفلسطيني لم يطالب ابدآ بوقف الاستيطان كشرط للمفاوضات، فماذا حدث الآن؟ هل السبب ما يقوله محمود عباس: اليوم بلغ السيل الزبى؟ وحسب الاتفاق المبدئي بين الطرفين المتفاوضين بأنه في كل اتفاق ستبقى الكتل الاستيطانية الرئيسية جزءا من دولة إسرائيل وانه تم الاتفاق على مبدأ تبادل الأراضي فبأي حق يطالب الطرف الفلسطيني بتجميد شامل للاستيطان؟ وكما صرحت الحكومة الإسرائيلية: مسألة تجميد الاستيطان هو أمر ثانوي بالمقارنة مع هدف المفاوضات الرئيسي بالتوصل إلى معاهدة سلام وحل النزاع نهائيا.
إذن الكلام عن تجميد الاستيطان أو عدم تجميده كان وما زال من باب ذر الرماد في العيون. المفاوض الفلسطيني بحاجة إليه لكي يحفظ القليل من ماء الوجه اتجاه المواطن الفلسطيني الذي تصادر أرضه أو يهدم بيته ويعامل كالحيوان على الحواجز. والمفاوض الإسرائيلي بحاجة إلى "اللاتجميد" لكي يكسب رضا قطعان المستوطنين ويحافظ على ائتلافه الحكومي. وهكذا يفتح الباب على مصراعيه للتوصل إلى حل وسط يرضي الطرفين بصورة خلاقة ومبتكرة. ونحن، جماهير الشعب البسيط ومن ورائنا العالم بأسره علينا أن نصدق هذه الكذبة ونبقى متعلقين بوهم السلام.
من يظن أن توقف المفاوضات أو فشلها ستكون ذات عواقب وخيمة، جاءت أقوال محمود (جهينة) عباس لتقطع قول كل خطيب عندما قال: لن نعود إلى الانتفاضة مهما كانت الظروف والأسباب. فلا يوجد بديل عن طريق المفاوضات. وإذا تذكرنا قول أحد الزعماء الاسرائيليين الذي قال: سوف نفاوضهم 100 سنة وفي النهاية لن يحصلوا على شيء، فهذا يعني أن محمود عباس وسلطته يبشروننا بدوام الاحتلال.
يبدو الظلام حالكا، ويبدو النفق طويل جدا وعميق جدا ولا يوجد بصيص نور لا في أوله ولا في آخره. هذا صحيح، ولكن فقط إذا قبلنا بهذه اللعبة وبقواعدها. من الذي يقول انه يتحتم علينا أن نسير في هذا النفق الطويل المعتم؟ ومن يقول انه يتوجب علينا المشاركة في هذه اللعبة التي وضع قوانينها غيرنا؟ لماذا لا نحطم النفق ونخرج إلى النور؟ ولماذا لا ننسحب من هذه اللعبة السمجة أو نغير قواعدها؟
نعم، القضية ليست قضية مفاوضات ولا قضية مستوطنات، إنها اكبر من ذلك بكثير: إنها قضية شعب ووطن وحياة.
علي زبيدات – سخنين
انه لمن المؤلم حقا أن نرى كيف تتحول حركة تحرير وطني إلى نقيضها، إلى حركة تخدم الامبريالية والاحتلال لأراضيها. كيف انحدرنا إلى هذا الحضيض؟ انه فعلا سؤال محير، لا أظن أن أحدا يملك الإجابة عليه. كنا نعلم من تجاربنا ومن تجارب حركات التحرر الوطني للشعوب الأخرى التي خاضت نضالا تحرريا أنه خلال مسيرة النضال يوجد هناك فئات تتساقط وتنتقل إلى المعسكر الآخر. كنا نعرف أنه لا بد من وجود انتكاسات وتراجعات في هذه المسيرة، قد تطول أو تقصر قد تكون عميقة أو سطحية ولكن في جميع الحالات وتحت كل الظروف يبقى الاتجاه التحرري العام واضحا. وكنا نعلم أيضا أنه بعد انجاز معظم المهمات الوطنية والحصول على الاستقلال مهما كان شكليا تتحول السلطة"الوطنية" الجديدة تدريجيا حتى تصبح سلطة رجعية مثلها مثل غيرها من الأنظمة الرجعية. ولكن أن تتساقط حركة تحرر وطني بكامل أطرها تقريبا وتنحدر إلى مثل هذا الحضيض قبل أن تنجز شيئا من المهام التي من أجلها نشأت، فهذه ظاهرة فريدة من نوعها تستحق دراسة عميقة.
ما حدث في الجولة الأخيرة من المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية برعاية أمريكية ومباركة عربية وأوروبية أمور لا تصدق. أولا وقبل كل شيء كذبة تجميد الاستيطان التي انتشرت كالنار في الهشيم في شتى أرجاء العالم. لم يكن هناك ثمة تجميد للمستوطنات لا قبل المفاوضات ولا بعدها، وهذا باعتراف مؤسسات إسرائيلية رسمية. وكما قال احد الكتاب الاسرائيلي: في فترة "التجميد" تجمد كل شيء ما عدا المستوطنات. أعمال الاستيطان المختلفة تواصلت على الأقل في 120 مستوطنة وتم بناء آلاف الشقق السكنية وشق الطرق وتمهيد الأرض وتحضير الخرائط ومواصلة مصادرة الأراضي الخ. كل ما حدث هو أنه تم اختيار بعض المستوطنات النائية التي تعتبرها الحكومة الإسرائيلية نفسها غير شرعية وبعض المواقع والإعلان المتلفز عن وقف الاستيطان فيها وذلك للاستهلاك المحلي والدولي لكي تتاح للمفاوض الفلسطيني أن يعود إلى طاولة المفاوضات من غير أن يتهم بالخيانة والعمالة.
وألان تظهر مطالب الحكومة الإسرائيلية باستمرار المفاوضات من غير هذا القناع منطقية جدا من وجهة نظرها: لقد جرت المفاوضات منذ حوالي 20 سنة في ظل توسيع الاستيطان فماذا تغير اليوم؟ المفاوض الفلسطيني لم يطالب ابدآ بوقف الاستيطان كشرط للمفاوضات، فماذا حدث الآن؟ هل السبب ما يقوله محمود عباس: اليوم بلغ السيل الزبى؟ وحسب الاتفاق المبدئي بين الطرفين المتفاوضين بأنه في كل اتفاق ستبقى الكتل الاستيطانية الرئيسية جزءا من دولة إسرائيل وانه تم الاتفاق على مبدأ تبادل الأراضي فبأي حق يطالب الطرف الفلسطيني بتجميد شامل للاستيطان؟ وكما صرحت الحكومة الإسرائيلية: مسألة تجميد الاستيطان هو أمر ثانوي بالمقارنة مع هدف المفاوضات الرئيسي بالتوصل إلى معاهدة سلام وحل النزاع نهائيا.
إذن الكلام عن تجميد الاستيطان أو عدم تجميده كان وما زال من باب ذر الرماد في العيون. المفاوض الفلسطيني بحاجة إليه لكي يحفظ القليل من ماء الوجه اتجاه المواطن الفلسطيني الذي تصادر أرضه أو يهدم بيته ويعامل كالحيوان على الحواجز. والمفاوض الإسرائيلي بحاجة إلى "اللاتجميد" لكي يكسب رضا قطعان المستوطنين ويحافظ على ائتلافه الحكومي. وهكذا يفتح الباب على مصراعيه للتوصل إلى حل وسط يرضي الطرفين بصورة خلاقة ومبتكرة. ونحن، جماهير الشعب البسيط ومن ورائنا العالم بأسره علينا أن نصدق هذه الكذبة ونبقى متعلقين بوهم السلام.
من يظن أن توقف المفاوضات أو فشلها ستكون ذات عواقب وخيمة، جاءت أقوال محمود (جهينة) عباس لتقطع قول كل خطيب عندما قال: لن نعود إلى الانتفاضة مهما كانت الظروف والأسباب. فلا يوجد بديل عن طريق المفاوضات. وإذا تذكرنا قول أحد الزعماء الاسرائيليين الذي قال: سوف نفاوضهم 100 سنة وفي النهاية لن يحصلوا على شيء، فهذا يعني أن محمود عباس وسلطته يبشروننا بدوام الاحتلال.
يبدو الظلام حالكا، ويبدو النفق طويل جدا وعميق جدا ولا يوجد بصيص نور لا في أوله ولا في آخره. هذا صحيح، ولكن فقط إذا قبلنا بهذه اللعبة وبقواعدها. من الذي يقول انه يتحتم علينا أن نسير في هذا النفق الطويل المعتم؟ ومن يقول انه يتوجب علينا المشاركة في هذه اللعبة التي وضع قوانينها غيرنا؟ لماذا لا نحطم النفق ونخرج إلى النور؟ ولماذا لا ننسحب من هذه اللعبة السمجة أو نغير قواعدها؟
نعم، القضية ليست قضية مفاوضات ولا قضية مستوطنات، إنها اكبر من ذلك بكثير: إنها قضية شعب ووطن وحياة.