ماذا تبقى من انتفاضة الأقصى غير الذكرى؟
علي زبيدات – سخنين
ماذا تعني كلمة ذكرى أصلا؟ حسب رأيي الذكرى، كل ذكرى، مكونة من ثلاثة عناصر: أولا) وقوع حدث ما ذو أهمية معينة. ثانيا) نسيان أو تلاشي هذا الحدث مع مرور الوقت. ثالثا) من حين لآخر تذكر هذا الحدث وهذا ما نسميه إحياء الذكرى. وهكذا دواليك: حدث فنسيان فذكرى.
تاريخنا الفلسطيني مليء بالذكريات: هناك ذكرى النكبة، ذكرى النكسة، ذكرى يوم ، ذكرى دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا. تقريبا كل يوم من أيام السنة يحمل في طياته ذكرى أو أكثر. إذن الذكرى تعني أولا وقبل كل شيء نهاية الحدث. وهذا ما يصنع الفرق مثلا بين الانتفاضة كعمل نضالي مستمر وبين إحياء ذكرى الانتفاضة. كانت أحداث أكتوبر سنة2000 جزء لا يتجزأ من انتفاضة الأقصى التي انفجرت في شتى أرجاء فلسطين. ولكن سرعان ما تمت السيطرة عليها من قبل السلطات الإسرائيلية بالتعاون مع القيادة العربية وعلى رأسها لجنة المتابعة والأحزاب السياسية والجمعيات. وسمح لهم بإحياء الذكرى فقط. حتى هذه الذكرى تم تشويهها وتقزيمها. لقد راجعت جميع البيانات التي صدرت عن لجنة المتابعة والأحزاب السياسية والجمعيات فلم أجد بيانا واحدا يقول: أن الإضراب الشامل والمسرة في الأول من أكتوبر هو بمناسبة الذكرى التاسعة لانتفاضة الأقصى. في أحسن الحالات، بعض التنظيمات التي تعد راديكالية إسلاميا أو وطنيا تكلمت عن هبة الأقصى ولكن معظم المصادر اكتفت بيوم القدس والأقصى أو ذكرى سقوط 13 شهيدا (لاحظوا، وليس سقوط 5000 شهيد سقطوا في هذه الانتفاضة) بينما الجبهة الديمقراطية للسلام المساواة التي بادرت إلى طرح الإضراب العام وضرورته هذه السنة على عكس مواقفها السابقة تتكلم عن: " ذكرى يوم القدس والأقصى وأحداث أكتوبر الأسود" (اقتباس من موقع الجبهة). لاحظوا أن ما استمر عندنا حوالي شهر كامل وفي بعض الأماكن الأخرى في فلسطين تسع سنوات تم اختزاله في يوم واحد. وإن ما جرى مجرد أحداث كحوادث الطرق مثلا. ولماذا أكتوبر الأسود؟ ألأن الجماهير أظهرت انتمائها الحقيقي وهويتها الوطنية الحقيقية وانخرطت بالانتفاضة أسوة بباقي جماهير شعبنا؟ أكتوبر 2000 كان من أشد الشهور نصاعة في تاريخنا القاتم منذ سنوات طويلة.
هل ما زالت انتفاضة الأقصى مستمرة؟ أم هل توقفت مع موت ياسر عرفات وانتخاب محمود عباس الذي صرح أكثر من مرة أن انتفاضة الأقصى جلبت المصائب على الشعب الفلسطيني مبرئا بذلك الاحتلال الإسرائيلي من جلب هذه المصائب ووصف عملياتها بالحقيرة وصواريخها بالعبثية بينما لم نسمع منه مثل هذه الألفاظ عن عمليات وصواريخ إسرائيل؟ أم هل انتهت بعد الحرب الأخيرة على غزة والكلام الذي لا ينتهي عن التهدئة؟
في الحقيقة الجواب على هذا السؤال ليس سهلا وهو يعتمد على من تسأل وما هو تعريفك للانتفاضة. وهذا موضوع يطول الخوض فيه.
بعد سقوط حوالي خمسة آلاف شهيد و50 ألف جريح (هل ما زال هناك من يحصي عدد الشهداء والجرحى؟) بالمناسبة هذه الأرقام لا تشمل ضحايا الحرب الأخيرة، نستطيع أن نقول أن الانتفاضة رسميا ما زالت مستمرة بالرغم من الجهود الإسرائيلية والعربية والفلسطينية والدولية لإنهائها. ولكن....
بالنسبة لسلطة أوسلو الانتفاضة انتهت منذ زمن والآن ما يجري بالضفة الغربية هو "الانتفاضة" المضادة، أي ملاحقة المقاومين وتصفيتهم أو زجهم بالسجون أو تسليمهم لإسرائيل. ما زالت هناك بعض جيوب المقاومة التي يجري مطاردتها من خلال التنسيق الأمني بين قوى الأمن الفلسطينية بقيادة دايتون وقوى الاحتلال الإسرائيلية.
بالنسبة لزعامتنا المحلية، الانتفاضة لم تبدأ أصلا. أي لا حاجة هناك لإنهاء ما لم يكن موجودا. كل ما الأمر كانت هناك أحداث أسفرت عن سقوط 13 شهيدا ولا مناص من إحياء هذه الذكرى لاعتبارات سياسية ضيقة.
اليوم تشمر الأحزاب السياسية العربية الإسرائيلية المنضوية تحت مظلة لجنة المتابعة عن سواعدها لإنجاح الإضراب العام والمسيرة في الأول من أكتوبر وتبث جوا من الوحدة المصطنعة ولكنها في الواقع لم تغادر تقوقعها وتربصها بغيرها من الأحزاب . في غياب القيادة الثورية التقدمية للجماهير المعبأة عفويا قد تستطيع هذه الأحزاب من جذب أوساطا واسعة من الجماهير لإنجاح نسبي للإضراب والمسيرة القطرية. ولكن ككل ذكرى سوف تنتهي في اليوم التالي وستعود هذه الأحزاب لتغط في سبات النسيان حتى الذكرى القادمة.
ينبغي على الأوساط الحية من شعبنا وقواه الطليعية أن ترفض تحويل النكبة إلى مجرد ذكرى تمهد الطريق للتنازل عن التحرير والعودة، وتحويل يوم الأرض إلى ذكرى تشكل غطاء على عمليات النهب والمصادرة الحكومية المستمرة واختزال انتفاضة الأقصى إلى يوم ذكرى واحد. فقط من خلال جعل هذه المناسبات جزء لا يتجزأ من نضال يومي ومستمر، جزء لا يتجزأ من إستراتيجية نضالية هادفة يستطيع شعبنا انتزاع حقوقه كاملة.
علي زبيدات – سخنين
ماذا تعني كلمة ذكرى أصلا؟ حسب رأيي الذكرى، كل ذكرى، مكونة من ثلاثة عناصر: أولا) وقوع حدث ما ذو أهمية معينة. ثانيا) نسيان أو تلاشي هذا الحدث مع مرور الوقت. ثالثا) من حين لآخر تذكر هذا الحدث وهذا ما نسميه إحياء الذكرى. وهكذا دواليك: حدث فنسيان فذكرى.
تاريخنا الفلسطيني مليء بالذكريات: هناك ذكرى النكبة، ذكرى النكسة، ذكرى يوم ، ذكرى دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا. تقريبا كل يوم من أيام السنة يحمل في طياته ذكرى أو أكثر. إذن الذكرى تعني أولا وقبل كل شيء نهاية الحدث. وهذا ما يصنع الفرق مثلا بين الانتفاضة كعمل نضالي مستمر وبين إحياء ذكرى الانتفاضة. كانت أحداث أكتوبر سنة2000 جزء لا يتجزأ من انتفاضة الأقصى التي انفجرت في شتى أرجاء فلسطين. ولكن سرعان ما تمت السيطرة عليها من قبل السلطات الإسرائيلية بالتعاون مع القيادة العربية وعلى رأسها لجنة المتابعة والأحزاب السياسية والجمعيات. وسمح لهم بإحياء الذكرى فقط. حتى هذه الذكرى تم تشويهها وتقزيمها. لقد راجعت جميع البيانات التي صدرت عن لجنة المتابعة والأحزاب السياسية والجمعيات فلم أجد بيانا واحدا يقول: أن الإضراب الشامل والمسرة في الأول من أكتوبر هو بمناسبة الذكرى التاسعة لانتفاضة الأقصى. في أحسن الحالات، بعض التنظيمات التي تعد راديكالية إسلاميا أو وطنيا تكلمت عن هبة الأقصى ولكن معظم المصادر اكتفت بيوم القدس والأقصى أو ذكرى سقوط 13 شهيدا (لاحظوا، وليس سقوط 5000 شهيد سقطوا في هذه الانتفاضة) بينما الجبهة الديمقراطية للسلام المساواة التي بادرت إلى طرح الإضراب العام وضرورته هذه السنة على عكس مواقفها السابقة تتكلم عن: " ذكرى يوم القدس والأقصى وأحداث أكتوبر الأسود" (اقتباس من موقع الجبهة). لاحظوا أن ما استمر عندنا حوالي شهر كامل وفي بعض الأماكن الأخرى في فلسطين تسع سنوات تم اختزاله في يوم واحد. وإن ما جرى مجرد أحداث كحوادث الطرق مثلا. ولماذا أكتوبر الأسود؟ ألأن الجماهير أظهرت انتمائها الحقيقي وهويتها الوطنية الحقيقية وانخرطت بالانتفاضة أسوة بباقي جماهير شعبنا؟ أكتوبر 2000 كان من أشد الشهور نصاعة في تاريخنا القاتم منذ سنوات طويلة.
هل ما زالت انتفاضة الأقصى مستمرة؟ أم هل توقفت مع موت ياسر عرفات وانتخاب محمود عباس الذي صرح أكثر من مرة أن انتفاضة الأقصى جلبت المصائب على الشعب الفلسطيني مبرئا بذلك الاحتلال الإسرائيلي من جلب هذه المصائب ووصف عملياتها بالحقيرة وصواريخها بالعبثية بينما لم نسمع منه مثل هذه الألفاظ عن عمليات وصواريخ إسرائيل؟ أم هل انتهت بعد الحرب الأخيرة على غزة والكلام الذي لا ينتهي عن التهدئة؟
في الحقيقة الجواب على هذا السؤال ليس سهلا وهو يعتمد على من تسأل وما هو تعريفك للانتفاضة. وهذا موضوع يطول الخوض فيه.
بعد سقوط حوالي خمسة آلاف شهيد و50 ألف جريح (هل ما زال هناك من يحصي عدد الشهداء والجرحى؟) بالمناسبة هذه الأرقام لا تشمل ضحايا الحرب الأخيرة، نستطيع أن نقول أن الانتفاضة رسميا ما زالت مستمرة بالرغم من الجهود الإسرائيلية والعربية والفلسطينية والدولية لإنهائها. ولكن....
بالنسبة لسلطة أوسلو الانتفاضة انتهت منذ زمن والآن ما يجري بالضفة الغربية هو "الانتفاضة" المضادة، أي ملاحقة المقاومين وتصفيتهم أو زجهم بالسجون أو تسليمهم لإسرائيل. ما زالت هناك بعض جيوب المقاومة التي يجري مطاردتها من خلال التنسيق الأمني بين قوى الأمن الفلسطينية بقيادة دايتون وقوى الاحتلال الإسرائيلية.
بالنسبة لزعامتنا المحلية، الانتفاضة لم تبدأ أصلا. أي لا حاجة هناك لإنهاء ما لم يكن موجودا. كل ما الأمر كانت هناك أحداث أسفرت عن سقوط 13 شهيدا ولا مناص من إحياء هذه الذكرى لاعتبارات سياسية ضيقة.
اليوم تشمر الأحزاب السياسية العربية الإسرائيلية المنضوية تحت مظلة لجنة المتابعة عن سواعدها لإنجاح الإضراب العام والمسيرة في الأول من أكتوبر وتبث جوا من الوحدة المصطنعة ولكنها في الواقع لم تغادر تقوقعها وتربصها بغيرها من الأحزاب . في غياب القيادة الثورية التقدمية للجماهير المعبأة عفويا قد تستطيع هذه الأحزاب من جذب أوساطا واسعة من الجماهير لإنجاح نسبي للإضراب والمسيرة القطرية. ولكن ككل ذكرى سوف تنتهي في اليوم التالي وستعود هذه الأحزاب لتغط في سبات النسيان حتى الذكرى القادمة.
ينبغي على الأوساط الحية من شعبنا وقواه الطليعية أن ترفض تحويل النكبة إلى مجرد ذكرى تمهد الطريق للتنازل عن التحرير والعودة، وتحويل يوم الأرض إلى ذكرى تشكل غطاء على عمليات النهب والمصادرة الحكومية المستمرة واختزال انتفاضة الأقصى إلى يوم ذكرى واحد. فقط من خلال جعل هذه المناسبات جزء لا يتجزأ من نضال يومي ومستمر، جزء لا يتجزأ من إستراتيجية نضالية هادفة يستطيع شعبنا انتزاع حقوقه كاملة.