تقول الارقام أن الفلسطينين كانوا يملكون حتى عام 1948 97% من أراضي فلسطين بينما لا يملكون اليوم، بعد 61 عاما من النكبة، سوى أقل من 3%. جميعنا نعرف ماذا جرى للأرض: من الذي صادرها وكيف صودرت ومن يمتلكها الآن. أظن لا حاجة للشرح والتوسع في هذا المجال. الدراسات حول هذا الموضوع والحمد لله غزيرة جدا ومتشعبة تفيض من على صفحات الكتب والمجلات. السؤال الذي لا نحب أن نساله لأنفسنا ونخجل من التطرق اليه هو: ماذا فعلنا لمواجهة غول المصادرة؟ ماذا فعلنا لمقاومة نهب أراضينا؟
لن أكون جاحدا وسوف أعترف. لقد فعلنا الكثير الكثير. أولا، إستنكرنا بشدة هذه الاعمال الهمجية غير الإنسانية. ثانيا، أدنا بكل ما نملك من عبارات سياسة النهب الغاشمة ثالثا شجبنا كافة الخطوات التي استعملتها الحكومة لتجريدنا من أراضينا. هذا بالاضافة الى ما لا يحصى ولا يعد من الاحتجاجات الكلامية والشعارات الحماسية والخطابات الملتهبة.
المرة الوحيدة التي خرجنا بها عن المألوف كانت في 30 آذار عام 1976 أي قبل 33 عاما بالكمال والتمام. وهو يوم الارض الخالد الذي نحيي ذكراه اليوم. لقد كان يوما ليس ككل الايام. كان إضرابا شاملا وحد أشلاء الوطن المقطع من النقب في الجنوب الى جبال الجليل في الشمال. الامر الذي أربك حكومة اسرائيل التي أرسلت قواتها لتعيد إحتلال القرى المتمردة. وجرت اشتباكات سقط بها شهداء وجرحى وأمتلأت السجون بالمعتقلين.
كل شيء في يوم الارض الاول كان جميلا، رومانسيا: الاضراب، المواجهات، قصص التعاضد والتكافل، هذا بالاضافة لى مخاوف المسؤولين وردعهم من الاقتراب الى اراضينا بعد ذلك.
هذا هو يوم الارض الذي نحيي ذكراه اليوم. ولكن إياكم إياكم أن تذهبوا بعيدا. يوجد بيننا بعض المتطرفين، عديمي المسؤولية الذين يريدون العودة بنا الى تلك الايام. فهم يطالبون كل سنة بالاضراب العام ولا يريدون أن يفهموا أن الجماهير غير مستعدة وغير جاهزة للإضراب (كيف كانت هذه الجماهير مستعدة وجاهزة عام 1976؟؟). وهم بمواقفهم هذه يقودوننا الى مواجهة خاسرة مع السلطات مما بفقدنا الانجازات التي حققناها. وفي بعض الاحيان يقوم نفر من الشباب الطائش بمهاجمة الاسيجة الشائكة التي شيدتها السلطة "لحماية" الارض المصادرة أو يقومون برشق دوريات الشرطة بالحجارة أو بإشعال النار يالاطارات ومحاولة إغلاق بعض الشوارع. إننا طبعا ندين ونستنكر أعمال الزعرنة هذه.
يا جماهير شعبنا الصامد: إكتفوا من يوم الارض الخالد بالذكرى. فهنيئا لنا ولكم بهذه الذكرى الخالدة. وبهذه المناسبة نعلمكم أن الارض المصادرة لن تعود، وقد خوزقنا الحكومة، لا مصادرة بعد اليوم إذ لم يعد لدينا أرض لكي تصادرها.
لسنا افضل من الاعرابي الذي عاد الى أهله خالي الوفاض وهو يقول: "اوسعتهم شتما وأودوا بالابل". يوم الارض أصبح مناسبة مثالية لشتم الحكومة والمسؤولين. صفحات الجرائد العربية، الوطنية منها وغير الوطنية، سوف تنضح هذا الاسبوع بالشتائم. الاحزاب السياسية سوف تتنافس فيما بينها من خلال الندوات التي تنظمها على شرف يوم الارض من الذي يفوز ويربح الجائزة الاولى في فن الشتائم المبتكرة. المنصة في المهرجان الرئيسي سوف تهتز من عنف الخطابات.
وأين الارض؟ إختفت، ذهبت من غير رجعة. أرض سخنين استولت عليها مستوطنات مسغاف، وأرض الناصرة وقراها استولت عليها الناصرة العليا وأرض القدس تغتصب وتدنس يوميا وأرض النقب تسحب من تحت أقدام أصحابها.
لقد كان يوم الارض الاول إستثنائيا، شاذ عن القاعدة. أما باقي ايامنا التي تشكل القاعدة في ايام خنوع وتراجع وأيام خذلان الارض التي تخجل بنا.
خذوا الذكرى وأعيدوا لنا الارض.