البناء والتطوير، الوحدة والتجديد، النهضة، الاعتصام، العدالة والانقاذ، الحق والحرية، الوفاق البلدي، جبهة العمل الوطني، الخ. الخ. هذا غيض من فيض من القوائم العائلية والحزبية المتكالبة على الانتخابات المحلية والتي تغزو في هذه الايام قرانا ومدننا العربية. المبدا الوحيد الذي يجمع هذه القوائم هو المثل الذي يقول: كلما كبرت الكذبة صدقها الناس. وحبذا لو يقف الموصوتون لحظة قبل إدلائهم بأصواتهم ويتمعنوا في مضمون هذه القوائم التي سوف يمنحون ثقتهم لها ولا ينبهروا بالاسماء الرنانة.
ماذا بنت وماذا طورت قائمة البناء والتطوير؟ ربما في أحسن الحالات بنت بعض الاسوار الواقية كرشوة للإنتخابات وطورت طرق الإلتفاف حول القانون لتمرير بعض المصالح الشخصية. وأين النهضة التي جلبتها قائمة النهضة؟ ولماذا تقود قائمة الوفاق البلدي عملية تمزيق وشرذمة البلد؟ وماذا أنقذت قائمة الانقاذ أكثر من انها انتزعت وظيفة نيابة لزعيمها من الرئيس الذي جاءت لتنقذ البلد من استبداده؟ وأين الوطن من جبهات العمل الوطني المختلفة والاتحادات " الوطنية الديموقراطية" على اشكالها؟
الانتخابات المحلية، هذا العرس الديموقراطي كما يسمونه، أو على الاصح هذه "الخطبة" الديموقراطية، على إعتبار أن الانتخابات للكنيست الصهيوني، غير البعيدة، هي العرس الحقيقي، ليست أكثر من دعارة رسمية، هدفها متعة مؤقتة رخيصة ولكنها تخبئء في طياتها اضرارا جسيمة تمس المجتمع بإسره في صميمه.
قد ابدو قاسيا. وقد يدمغني الكثيرون باللا واقعية والتطرف. ولكن في نظري هذا الموقف هو قمة الواقعية وقمة الاعندال. السؤال الذي أطرحه هنا بسيط للغاية: هل الانتخابات (كل انتخابات) في ظل الاحتلال شرعية؟ هل تعكس في نهاية المطاف رغبة المواطنين أم رغبة المحتلين؟ قد يصرخ الكثيرون: أن الاحتلال موجود في الضفة الغربية وقطاع غزة، اما نحن فإننا نعيش في دولة مستقلة عضو في الامم المتحدة تحظى بالشرعية الدولية واعتراف فلسطيني – عربي – عالمي، فأين الاحتلال؟
أنا ازعم بكل بساطة، وبإستطاعتكم على الاقل أن تتمعنوا بزعمي هذا أو أن تلقوا به فورا في سلة المهملات: أن الناصرة وأم الفحم وسخنين هي مدن فلسطينية محتلة تماما مثل جنين ونابلس والخليل. الفرق هو أن المدن الاولى أحتلت عام 1948 والثانية أحتلت بعد 19 عاما اي في سنة 1967. ولكن جوهر الاحتلال يبقى واحد. ممارسات الاحتلال كانت وما زالت واحدة: تفريغ الارض سكانها الاصليين وممارسة سياسة القمع والتمييز على الباقين وقد رافقتها سياسة منهجية مبرمجة لهدم البيوت والقتل من غير محاكمة، ومصادرة الاراضي، وبناء المستوطنات.
مع الوقت لم تعد الدولة بحاجة للحكم العسكري المباشر لتمرير سياستها في الاراضي المحتلة عام 1948 وإكتفت بالشرطة والامن (الشين بيت) وبالعملاء والمتعاونين المحليين. بينما لم تنجح حتى الان في ممارسة ذلك في المناطق المحتلة عام 1967. هذا الواقع الجديد منح السلطة الفرصة في تحسين ظروف الاحتلال. وكان أحد اشكال تحسين الاحتلال منح المواطنين حرية انتخاب الممثلين المحليين القييمين على تدجين المواطن واقناعه بأن الامتيازات الممنوحة من قبل الاحتلال بالمقارنة بالاحتلال "الآخر" هي مكاسب يجب المحافظة عليها ونسيان الجوانب الاخرى.
كل إنتخابات في ظل الاحتلال هي إنتخابات مشبوهة. فليس من قبيل الصدفة أن الانتخابات في افغانستان المحتلة أفرزت طبقة من العملاء وكذلك الامر في العراق المحتل وفي فلسطين. حتى عندما تكون الانتخابات نزيهة، نتيجة لخطأ في حسابات المحتلين، كما حدث في الانتخابات الفلسطينية الاخيرة ونجاح الطرف الخطأ، فلا تتوانى سلطات الاحتلال أن تكشف عن أنيابها الحقيقية وتستعمل كافة اساليب القتل والارهاب والحصار والتجويع لتصحيح خطأها وإقناع المواطن بأن الديموقراطية الاسرائيلية لا تعني ابدا انتخاب من يريده بل ما يريده الاحتلال. هذا الامر ساري المفعول على الانتخابات المحلية الاسرائيلية ايضا. وليس من باب الصدفة أن الحكومة، بخطوة استباقية، قد سنت قانونا يلزم رئيس السلطة المحلية أن يقسم يمين الولاء للدولة الصهيونية على غرار يمين الولاء الذي يقسمه أعضاء الكنيست والوزراء.
هل يوجد هناك قائمة واحدة تجرؤ أن تقول في برنامجها الانتخابي: نعم، إننا أيضا نرزح تحت نير الاحتلال منذ 60 عاما وإننا نطالب بزوال الاحتلال نهائيا وليس بتحسين ظروفه؟
هل يوجد هناك مرشح واحد لرئاسة بلدية او سلطة محلية يتحدى قانون قسم الولاء المهين والمذل ويقول بأعلى صوته: هذا وطننا ولكن دولة الاحتلال هذه ليست دولتنا، ولي الحق أن أخدم بلدي على هذا الاساس؟؟
ما دام لا يوجد قائمة إنتخابية كهذه ولا يوجد مرشح للرئاسة كهذا فانا ادعو إخواني في هذا الوطن المنكوب الى مقاطعة الانتخابات المحلية.