هذا الشعار الذي كان يجلجل في مظاهراتنا الوطنية، في يوم الارض وذكرى شهداء إنتفاضة الاقصى وذكرى النكبة وغيرها في السنوات الماضية أخذ يتلاشى رويدا رويدا حتى زال نهائيا ولم نعد نسمع له اي صدى. لماذا؟ هل ظاهرة عملاء الاستعمار قد ولت من غير رجعة؟ أم انها لم تعد ذلك الامر المخزي والمعيب؟ بل على العكس من ذلك، أصبحت ظاهرة طبيعية ومشروعة؟ هل أصبحت الخيانة، كما حذر أحد المناضلين، وجهة نظر؟.
بعد إغتيال الحاج رضوان، عماد مغنية في دمشق، وتناقلت الاخبار نبأ إعتقال بعض العملاء المتورطين بإرتكاب هذه الجريمة، ومع استمرار إغتيال قيادة المقاومة في غزة يجب أن يعود هذا الشعار ليتصدر كافة مناسباتنا الوطنية. ويجب أن يطبق على ارض الواقع أيضا.
الخزي والعار للعملاء يعني نبذهم ومقاطعتهم على جميع الاصعدة، يعني مكافحتهم كما نكافح الحشرات السامة. لأن ضرر العملاء يفوق ضرر هذه الحشرات بما لا يقاس. فهم بالاضافة الى مساهمتهم في تصفية رموز المقاومة نراهم يلوثون كل بقعة نظيفة في بلادنا ومجتمعنا، يدنسون قدسية القضية الوطنية ويطعنون بخناجر الغدر كرامة وشرف الامة بإسرها.
صحيح، هذه الآفة، آفة العملاء موجودة في كل المجتمعات وكل البلاد وقد عانت منها كافة الشعوب المضطهدة التي قدمت الغالي والرخيص على مذبح حريتها واستقلالها. ولكن عندنا في فلسطين أصبحت مرضا خطيرا مزمنا ينخر في نخاع عظامنا، واصبح السكوت والتغاضي عنها جريمة لا تغتفر. على الجميع، كل من موقعة وبقدر امكانياته وحسب مسؤولياته أن يعمل على إقتلاع هذه الظاهرة من جذورها. لقد أصبح واضحا أن العدو الاسرائيلي بكل ما يملكه من قوة عسكرية ومن وسائل تخنولوجية متطورة أعجز من أن يصل الى رموز المقاومة وإغتيالهم لولا الدور القذرالذي يقوم به العملاء. مع كل ذلك ما زلنا نرفض أن نستخلص العبر. ماذا تعلمنا من إستشهاد يحيى عياش واحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي وصالح شحادة وياسر عرفات وغيرهم؟ الجواب للأسف وبكل بساطة لا شيء على الاطلاق. ما زال العملاء يسرحون ويمرحون وما من محاسب وما من رقيب. الاجهزة الامنية مخترقة، بل أكثر من ذلك، في ظل الانفلات الامني والانحراف الوطني، أصبحت تشكل دفيئة لنمو هذا النوع من الحشرات. تنظيمات المقاومة هي ايضا مخترقة ولا تقوم بما يكفي لتحصين مناعتها وتنظيف ساحتها من هذه الحشرات الضارة.
من المعروف أن الشاباك والموساد والاستخبارات العسكرية الاسرائيلية تبذل جهودا جبارة وتصرف مبالغ هائلة من الاموال وتبتكر وسائل حهنمية من أجل تجنيد أكبر عدد ممكن من العملاء. كلنا ما زال يذكر تلك الاعداد الهائلة من العملاء التي إجتاحت المنطقة بعد نهاية الانتفاضة الاولى. والتي صدمتنا بأعدادها وانحطاطها. قسم من هؤلاء عاد الى الضفة الغربية وغزة وما زال يمارس خيانته بحرية وبحماية رسمية في بعض الاحيان. وقسم آخر ما زال يسكن بيننا على الرحب والسعة ويتمتع بكل تقدير وإحترام.
المؤسسات الامنية الاسرائيلية تعرف انها لا تستطيع تجنيد سوى ضعاف النفوس والمخدوعين وذوي المصالح الشخصية، ولكنهم ما داموا يقومون بمهمتهم فهم من وجهة نظرها يعتبرون العرب الصالحون. ولكن من منا لا يعرف انهم هم الذين ينشرون الرذيلة أين حلوا وينشرون الفساد والمخدرات والجريمة. فمن يبيع وطنه يهون عليه بيع نفسه وكرامته.
صحيح أن أجهزة الامن تتحكم بالقوة والقدرة على الابتزاز والتفنن في إختراع اساليب التجنيد من الضغط والابتزاز في حالات اصدار تصاريح للعمل او السفر او العلاج او التعليم الى التهديد بنشر الفضائح المشينة. ولكن كل ذلك لا يبرر العمالة والخيانة. الفقر والظلم والاضطهاد يجب أن يكون حافزا للمقاومة وليس للخيانة.
ضرر العملاء لا يتوقف عند جمع المعلومات والوشاية ولا عند تقديم المساعدة لقوى الامن لإغتيال احد المقاومين، بل يتعدى ذلك الى زعزعة ايمان الفلسطيني بعدالة قضيته، الى ضرب معنويات الجماهير وتيئيسها وزجها في صراعات داخلية مدمرة.
مما لا شك فيه، يجب الحذر من الشائعات، هذا اسلوب آخر مكمل تستعمله السلطات لحرف النضال الوطني عن مساره الصحيح. يجب أن تكون هناك هيئة رسمية ذات مصداقية عالية تحدد العملاء وتتحمل مسؤولية مكافحة هذه الظاهرة. اليوم يوجد غياب تام لمثل هذه الهيئة. تبقى أنجع وسيلة لمقاومة هذا المرض نشر الوعي الوطني، محاربة الجهل والخوف وتقوية المناعة الوطنية لإحباط هذه السياسة التدميرية للقوى الاستخباراتية.
اليوم وفي ظل الدعوة للخدمة المدنية يتعرض شبابنا وشاباتنا للإغراء والخداع والابتزاز حتى يقعوا في نهاية المطاف فريسة صائغة في فخ الاستخباراتية. فحذار أن تكون الخدمة المدنية الخطوة الاولى للخدمة الاستخباراتية.