تقول الاسطورة أن الملك سليمان (والذي رفع الى مرتبة الانبياء في الثقافة الاسلامية ) عندما سأله الرب عما يريده لم يطلب حياة مديدة ولم يطلب الثروات والسلطة والانتصار على أعدائه كما يطلب باقي الملوك، بل طلب من ربه أن يعطيه قلبا حكيما يميز بين الخير والشر لكي يحكم بين الشعب "المختار" الثقيل. وقد فرح الرب بهذا الطلب ومنحه ما أراد بالاضافة الى ما لم يطلب.
وقد ظهرت حكمته في اليوم التالي عندما أتته إمرأتان تدعي كل منها انها أم لطفل حي متنازع عليه. فأمر سليمان بغحضار سيف وقطع الطفل الحي الى نصفين لكي تأخذ كل أم نصفه. فطلبت الام الحقيقية من الملك أن يعطي الطفل الحي للمرأة الاخرى ويبقيه حيا، بينما قبلت المرأة الاخرى مبدأ التقسيم حتى ولو قتل الطفل ( يمكن قراءة تفاصيل هذه الاسطورة في سفر الملوك)
ويعتبون على الشعب الفلسطيني أنه رفض تقسيم وطنه وتقطيع أوصاله ومنح أكثر من نصفه الى عصابة عنصرية متطرفة، بينما ينهالون بالمديح على تلك العصابة التي وافقت على قرار التقسيم.
في الذكرى الستين لهذا القرار المشؤوم يجب أن نعود ونؤكد رفضنا القاطع والصارم له وإعتباره باطلا وغير شرعي.
1) قرار التقسيم لا يمثل الشرعية الدولية كما يدعون وكما وقع في هذا الفخ العديد من الفلسطينيين والعرب والاجانب. العكس هو الصحيح، هذا القرار هو نقض لكل شرعية سماوية، إخلاقية، حقوقية وسياسية. لقد تم أتخاذ هذا القرار عن طريق الضغط والابتزاز والخداع الذي مارسته العصابات الصهيونية وبريطانيا والولايات المتحدة. هل يحق لأحد أن يمزق ويقسم وطنا لشعب مسالم لم يقترف أي جريمة حتى بدون أخذ رايه؟ أي شرعية هذه؟
2) قرار التقسيم كان أيضا جريمة ليس في حق الشعب الفلسطيني فحسب بل في حق الانسانية جمعاء. هذا القرار مهد الطريق لتهجير شعب بأكمله وسلب ونهب ارضه وهدم بيوته. فلو كانت هناك شرعية دولية حقيقية وحد أدنى من العدالة لوجب إنزال أشد العقوبات على متخذي مثل هذا القرار الاجرامي المجحف.
3) زرع هذا القرار بذور الصراع الذي لا ينتهي وجلب الحروب المستمرة للمنطقة ولشعوبها، فهو قرار أحمق وإجرمي من الناحية السياسية أيضا.
4) لم يأت هذا القرار لحل مشكلة إنسانية وهي إيجاد مأوى آمن للناجين اليهود من المحرقة النازية، لو كان الامر كذلك فلماذا أغلقت الدول الاوروبية وأمريكا حدودها أمام هؤلاء الناجين وزجوا بهم في هذه البقعة المأهولة؟
تزامنت الذكرى ال60 لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 والمعروف بقرار تقسيم فلسطين بإنعقاد مؤتمر انابوليس. حيث تجتمع زمرة من الفلسطينيين يدعمهم من على شاكلتهم من حكام البلدان العربية مع المغتصبين الاسرائيليين مدعومين من الامبريالية الامريكية وذلك لبيع ما تبقى من فلسطين في المزاد العلني وبأبخس الاثمان.
الدول العربية التي صوت من كان منها مستقلا إستقلالا شكليا عام 1947 ضد قرار التقسيم قامت عمليا بتعبيد الطريق الذي أدى ليس الى تقسيم فلسطين عمليا فحسب بل الى ضياعها بالكامل وتشريد شعبها. لم يتغير على دورها شيء يذكر فقد كانت هذه الدول صنيعة الاستعمار في وقته وهي ما زالت كذلك الآن. ونحن نقول ونكرر القول لهذه الانظمة العميلة: كفاكم ما قمتم به من خيانة في فقدان فلسطين، كفوا شركم عنا، الشعب الفلسطيني لن يسامحكم وشعوبكم سوف تحاسبكم وتعاقبكم عاجلا أم آجلا. أما الزمرة المهرولة من الفلسطينيين والتي تلث وراء مفاوضات وهمية ووعود سرابية فهي أعلم الناس بمدى إفلاسها، وانها تقامر بمكانتها وحياتها.
يقول البعض على الشعب الفلسطيني أن يكون واقعيا وألا يتمسك بالشعارات الفارغة (الثوابت الوطنية أصبحت شعارات فارغة) وأن يعترفوا بإختلال ميازين القوى على الساحة المحلية والعالمية، وأن يقبلوا بالنزر القليل المتاح أفضل من أن يخسروا الكل. هذا المنطق الانهزامي أثبت عقمه وفشله. تستطيع الشعوب أن تقلب الواقع رأسا على عقب ما دامت مؤمنة بعدالة قضيتها، قوة الشعب الفلسطيني بعدالة قضيته فإذا فقد ايمانه هذا فقد كل شيء حتى الحلم في مستقبل أفضل.
على الشعب الفلسطيني أن يهتف في هذه المناسبة وبصوت عال يسمعه الداني والقاصي، العدو والصديق، صوت يخترق الارض ويصل أعالي السماء، صوت يصمت المهرولين والمتساقطين، صوت واحد يقول: إن قرار التقسيم باطل باطل باطل