أمام الكواليس وخلف الكواليس
علي زبيدات - سخنين
عند كتابة هذه السطور لم يكن محمود عباس قد القى خطابه أمام الجمعية العمومية بعد. وأعتقد لا يوجد هناك أية ضرورة لانتظار هذا الخطاب لكي تكتب عما يجري في اروقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وأعتقد أيضا أن هذا الوضع لا ينطبق حصرا على رئيس السلطة الفلسطينية بل يشمل معظم إن لم يكن كافة الزعامات التي ألقت خطاباتها والتي لم يأت دورها بعد. خطابات ترامب واردوغان وروحاني كانت مكشوفة ومتداولة بين الناس وفي وسائل الإعلام قبل وقوفهم على المنصة. في حالة محمود عباس لم يترك المحيطين به والمقربين منه إلى حد الاحتضان مثل عريقات، العالول وشعث بالإضافة لابواق الدعاية الخاصة في وسائل الإعلام التابعة حتى ولو كلمة واحدة يفاجئنا بها الرئيس. فالرسالة وصلت قبل الخطاب وسوف تصل بعد الخطاب أو بدون خطاب. ولكن أحد قوانين اللعبة ينبغي على المسرحية أن تتم على المنصة، أمام الكواليس وخلف الكواليس، لم تعد تفرق فقد أصبح المكانان سيين.
فور عودة الرئيس الى رام الله، سوف يدعو الرئيس الى عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير لاتخاذ القرارات. وكأن هذا المجلس لم يجتمع بدل المرة مرتين ولم يتخذ القرارات. صحيح أن ذاكرتنا قصيرة ولم نعد نتذكر بالضبط ما هي القرارات التي اتخذها هذا المجلس في اجتماعاته السابقة ولكن ليس إلى درجة أن ننسى تماما اجتماعاته واتخاذه للقرارات الحاسمة. في الماضي وعدونا باتخاذ القرارات ولكنهم لم يعدونها بتطبيقها أو أنهم لم يحددوا وقتا لتطبيقها. هذه المرة ستكون هناك خطوة مميزة وجريئة إلى الأمام، حيث سيكون النقاش المركزي ليس حول اتخاذ القرارات بل حول كيفية تطبيقها. صدق أو لا تصدق، هذه المرة سوف يكون هناك قرارات وتطبيق في الوقت نفسه. يبدو أن أحدهم قرأ عن العلاقة الديالكتيكية بين النظرية والممارسة. أنا شخصيا أحب مشاهدة المسرحيات والافلام. وقد شاهدت بعضها عدة مرات وشعرت وكأني أحضرها للمرة الاولى. ولكن يوجد هناك مسرحيات مملة حالما تبدأ بمشاهدتها يهجم عليك النعاس فكيف يكون شعورك إذا أخبرك احدهم على مشاهدتها عدة مرات؟ الان، وفي وقت كتابة هذه السطور اشعر بالنعاس كلما فكرت بمراجعة قرارات المجلس المركزي من أجل إنعاش الذاكرة لا اكثر ولا اقل. وأعترف، بالتالي تغلب على الكسل والملل ولم استطع أن اضغط على كبسة أو كبستين لكي تظهر هذه القرارات أمامي على الشاشة.
سوف يقول الرئيس أيضا أن السلطة الفلسطينية لن تكون الطرف الوحيد الذي يلتزم بالقرارات المبرمة. ولكن في الوقت نفسه لن يخفي فخره واعتزازه بأنه الطرف الوحيد الملتزم بها. سوف يعبر الرئيس عن خيبة أمله من الادارة الامريكية ويسهب في عتابه للقائمين عليها. سوف يصرح بصوت مثير للشفقة: لماذا تعاملونني هكذا؟ ما الخطأ الذي فعلته؟ تريدون مفاوضات؟ فأنا مع المفاوضات بالسر والعلن واليوم قبل غدا فلماذا تعاملونني وكأنني قطعة أثاث في صالونكم؟ لماذا لا تعطوني شيئا مهما كان بسيطا لكي الوح به أمام شعبي وأقول لهم: ها انا قد حققت لكم بعض المكاسب؟
وربما سيدعو الرئيس الدول ال132 التي اعترفت بفلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة أن تكمل معروفها وتعترف بها كدولة تحت الاحتلال، وكأن هذا التعريف افضل، ولكنه قد يدري او لا يدري أن العديد من هذه الدول على أتم الاستعداد للتراجع عن اعترافها المنقوص ومنها دول عربية شقيقة. وبعد عودته لأرض الوطن سوف يسيل الكلام كالفيضانات حول صلابة الموقف الفلسطيني والتمسك بالثوابت والوقوف أمام القوة الأكبر في العالم.
نعم، اكتب هذه السطور قبل إلقاء الخطاب ولكنها على الأرجح سوف تنشر بعد إلقاء الخطاب. فهل سوف اندم على ما كتبته؟ وهل ساضطر إلى لحس كل ما بصقته؟ هل سيفاجئنا الرئيس ويقول لأمريكا: أغربي عن وجهي، لا نريد سلامك ولا نريد أموالك وسوف ننتزع حقنا بسواعدنا، بدم شهدائنا، بتضحيات أسرانا وبعرق جماهيرنا؟. وهل سيقول لنتنياهو: ايها المحتل الغاشم سوف تغادر ارضنا مهما طال الزمن ومهما غلا الثمن؟. وهل سيقول للأمم المتحدة: أيها المنافقون، أنتم شركاء في هذه الجريمة كل على حدة وكلكم مجتمعين؟ لا أتصور أن يقول مثل هذا الكلام وبالتالي لا أتصور أن تخرج المسرحية عن روتينها المستمر منذ سنوات طويلة. لم يعد هناك أي فرق بين ما يجري أمام الكواليس وبين ما يجري خلفها.
قلت سابقا بأنني احب المسرحيات، ولكن المسرحيات الواقعية الجيدة. وأظن أن غالبية الناس تحب مثل المسرحيات. وأنا مثلي مثل غيري أكره المسرحيات المملة التافهة التي تقوم على النفاق. المسرحية الحقيقية التي تستحق المشاهدة هي المسرحية التي يكون أبناء الشعب ابطالها والتي يكون نضال الشعب وحريته موضوعها، وأرض الوطن منصتها.