مؤتمر دافوس: وكر الراسمالية الخنازيرية
علي زبيدات - سخنين
يجتمع في هذه الايام في مدينة دافوس السويسرية الواقعة على جبال الالب "نخبة" من المجتمع البشري. ولكنهم في حقيقة الامر ليسوا اكثر من حثالة المجتمع البشري. وهنا بالضبط تكمن مأساة المجتمع البشري في عصرنا الراهن: عندما تزول الفوارق وتصبح نخبته هي في الوقت نفسه حثالته. يطلقون على أنفسهم المنتدى الاقتصادي العالمي ويعرفون أنفسهم بدون خجل بأنهم منظمة دولية غير حكومية وغير ربحية. في الوقت نفسه لا يقبلون عضوية أية شركة يقل مدخولها السنوي عن مليار دولار. فهي تضم أكبر 1000 شركة عالمية تقوم في نهب وسلب شعوب العالم من اقصى الكرة الارضية إلى اقصاها. حتى مجرد الدخول للمؤتمر لاربعة ايام يكلف الفرد 6250 دولار هذا بالاضافة لرسوم العضوية السنوية الباهضة فالشركة التي تود أن تصبح شريكا دائما عليها أن تدفع 78 ألف دولار، أما إذا أرادت أن تشارك في وضع أجندة المؤتمر فذلك يكلفها 250 ألف دولار. أما حول كونها غير حكومية، فمن بين المؤتمرين البالغ عددهم حوالي 3 آلاف شخص يوجد 70 رئيس دولة وحكومة و38 منظمة دولية من الأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام أنطونيو غوتيريش وحتى منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي، هذا بالاضافة إلى عشرات الوزراء والسفراء ورجال الاعمال وكبار الاعلاميين. يدعي منظموا المؤتمر بأنه مفتوح أمام الجميع وفي الوقت نفسه يجعلون من المدينة ثكنة عسكرية مغلقة بحراسة اربعة آلاف جندي وألف شرطي لمنع اقتراب كل من تسول له نفسه التظاهر والاحتجاج ضد هؤلاء المدعين.
وسائل الاعلام العالمية، تنعت المشاركين بمهندسي السياسة والاقتصاد على الصعيد العالمي. وربما كانت محقة في ذلك، بعد أن نسال أنفسنا: ولكن أي سياسة وأي إقتصاد؟ سياسة شن الحروب العدوانية وتأجيج النزاعات القومية والدينية في كافة بقاع العالم. سياسة نهب سلب ثروات الشعوب النامية. واقتصاد الفقر والجوع والبطالة لشعوب العالم مقابل الثراء الفاحش لطغمة ضئيلة من الراسماليين.
تبلغ وقاحة المنظمين ذروتها هذه السنة عندما يعقدون المؤتمر تحت شعار: "خلق مستقبل موحد في عالم ممزق" ومن المسؤول عن تمزيق العالم يا سادة؟ أليسوا نجوم المؤتمر من دونالد ترامب وحتى بنيامين نتنياهو وعشرات الزعماء الاسدين بينهما؟ عن أي مستقبل موحد تتكلمون ولم تبقوا حجرا على حجر في افغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا وعشرات البلدان الاخرى؟ عن أي مستقبل تتكلمون بينما الكرة الارضية باسرها مهددة بالدمار الشامل بالاسلحة النووية وتلويث البيئة والاحتباس الحراري والأوبئة والمجاعات؟
لا يكتفي المؤتمرون بمناقشة المشكلات الاقتصادية والسياسية التي يخلقونها، بل على هامش المؤتمر يعقدون الصفقات و يحيكون المؤامرات. فهذا نتنياهو على سبيل المثال لا الحصر سوف يستغل تواجده في دافوس لتأجيج النزاعات والحروب في المنطقة وتسويق سياسته العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني وعقد صفقاته القذرة لبيع الاسلحة لكل من يريد ويستطيع أن يشتري لذبح وقمع شعبه. أما عن أجندة دونالد ترامب فحدث ولا حرج.
المؤتمر السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هو أبلغ صورة للراسمالية الخنازيرية التي تفتك في عالمنا والتي تختبئ وراء شعارات العولمة واقتصاد السوق الحرة ولكن هدفها يبقى واضحا: زيادة الفقراء فقرا وزيادة الاثرياء ثراء، تخليد إضطهاد الشعوب واستغلالها واستعمال كافة الوسائل لفرض هيمنتها إلى ما لا نهاية.
الاحتجاجات الشعبية ضد المؤتمر في المدن السويسرية جيدة ولكنها ليست كافية. وفضح الاهداف الحقيقية للمؤتمرين أمام شعوب العالم ضرورية وجيدة ولكنها هي الاخرى ليست كافية. من أجل تحقيق شعار المؤتمر "خلق مستقبل موحد في عالم ممزق" الذي يستعمل حاليا لخداع الشعوب يجب التخلص من الرأسمالية بكافة اشكالها لأنها المسؤولة الاولى والاخيرة عن تمزيق العالم والتلاعب بمستقبله.