Thursday, June 01, 2017

شكرا يا ابي، يكفينا انتصارات

شكرا يا أبي، يكفينا انتصارات
علي زبيدات - سخنين

مع اعتذاري الشديد لعبدالرحمن الابنودي وكمال الطويل وعبدالحليم حافظ. لقد غنيت معكم قرابة نصف قرن: "ابنك يقولك يا بطل هاتلي انتصار" حتى انهمرت علينا بالفعل الانتصارات من كل حدب وصوب. لا يوجد هناك تعريف واحد متعارف عليه دوليا للانتصار. فلو سألت  فيلسوفا مثل أرسطو لأجابك بكل ثقة: الانتصار هو أن ينتصر الإنسان على نفسه أولا. وإذا سألت ناسكا في أحد الصوامع والمعابد البوذية أو راهبا في أحد الأديرة لأجابك بكل ثقة أيضا: الانتصار هو أن تنتصر على رغباتك وغرائزك. أما إذا سألت رجل حرب من جنكيزخان أو أحدا قبله وحتى آخر جنرال مهووس في الجيوش الحديثة  لقال لك: الانتصار هو أن تسحق عدوك وتبيده حتى لا تقوم له قائمة. مع ذلك يبدو أن العرب قد وجدوا تعريفا اصيلا وبسيطا للانتصار وهو: "الانتصار هو أن تفشل عدوك من تحقيق أهدافه". تعريف معقول، أليس كذلك؟ للوهلة الاولى على الاقل. منذ أن تبلور هذا التعريف العربي  وتم تعميمه من المحيط للخليج حتى تغلغل إلى أعماق وعينا ولا وعينا ونحن نعد إنتصارات.
الانتصار الأول حققناه في عام 1948، نعم، نعم في عام النكبة. صحيح ضاعت منا معظم فلسطين وتشريد أهلها وقامت دولة إسرائيل. ولكننا بالرغم من ذلك انتصرنا فقد منعنا الحركة الصهيونية من أن تحقق هدفها المعلن. ألم يكن هدفها إقامة دولة من النيل للفرات؟ وبالتالي قامت على شريط ضيق من الوطن العربي فقط، محصورة بين البحر والصحراء.
وحققنا انتصارا آخرا عام 1967، نعم، هو العام الذي نسميه عام النكسة. صحيح خسرنا ما تبقى من فلسطين بالإضافة لاحتلال سيناء والجولان وتدمير الجيوش العربية. ولكننا مرة أخرى أفشلنا إسرائيل من تحقيق أهدافها المعلنة، ألم تعلن مرارا وتكرارا أن هدفها من هذه الحرب هو إسقاط الأنظمة العربية الوطنية والتقدمية؟ ولكن الحمدلله لم تسقط شعرة من رأس أي نظام وطني، حتى الأنظمة الرجعية والعميلة لم تسقط. أليس هذا انتصارا تاريخيا؟
اما الانتصار الكبير فقد حققناه في عام 1973 عندما فاجأنا إسرائيل وسروالها تحت ركبتيها، فلم يكن هناك جندي إسرائيلي واحد مستعد للحرب من قناة السويس وحتى تل أبيب ولكننا اكتفينا بعبور القناة وجلسنا ننتظر تحركات كيسنجر وكانت نتيجة هذا الانتصار توقيع معاهدة السلام في كامب ديفيد ومن ثم في وادي عربة وأعدنا سيناء التي لا يدخلها جندي مصري إلا بموافقة إسرائيل. ولا أنسى الانتصار الذي حققناه عام 1982 عندما اجتاحت إسرائيل لبنان وحاصرت واحتلت عاصمة عربية ولكننا كالعادة منعناها من تحقيق أهدافها المعلنة وهي القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية حيث اكتفت في النهاية  بطردنا إلى تونس والجزائر واليمن.
وإن أنسى لا أنسى النصر الإلهي الذي حققناه في عام 2006 عندما شنت دولة اسرائيل حرب إبادة على المقاومة الإسلامية (حزب الله) في لبنان فدمرت الجنوب أمام سمع وبصر العالم العربي الذي لم يحرك ساكنا. ولكنها فشلت بالقضاء على حزب الله الذي استعاد قوته واصبح اقوى من قبل، وهذا انتصار اعترفت به إسرائيل نفسها. بعد ذلك حققنا ثلاث انتصارات متتالية في غزة أعوام: 2008، 2012 و2014، حيث منعنا إسرائيل من تحقيق أهدافها بالقضاء على حركة المقاومة الإسلامية. ونزلنا إلى الشوارع ليس لنعد شهداءنا وجرحانا وبيوتنا المهدمة ولكن لكي نحتفل بهذه الانتصارات الباهرة. وأخيرا وليس آخرا، ها نحن نحقق نصرا جديدا في معركة الأمعاء الخاوية. يبدو أننا لا نكتفي بوصف هذه المعركة بالبطولية تنضح  بالصمود والتحدي والتضحية، بل نصر على تسميتها بالانتصار، انتصار الدم على السيف والسجين على السجان لكي نبرر نزولنا إلى الشوارع ليس إسنادا للأسرى  الذي احجمنا عنه خلال اضرابهم الطويل بل من أجل الاحتفال وتحويل خيم الاعتصام إلى خيم احتفالية بالاغاني والهتافات والدبكات الشعبية، بينما لا يزال العديد من الأسرى يتفتلون من الألم في المستشفيات بسبب  معالجة أمعائهم ومعداتهم المنهكة. المهم اننا استرحنا بعض الشيء من تأنيب الضمير.
يقول البعض: هذه الانتصارات مهما كانت صغيرة ومتواضعة وحتى وهمية فهي ضرورية لرفع المعنويات الجمعية لشعبنا وتعزيز صمودنا لمواصلة النضال وأن التشكيك في هذه الانتصارات يحبط المعنويات ويقوض المناعة الوطنية لهذه الجماهير. لم تثبت هذه النظرية صحتها على أرض الواقع. العكس هو الصحيح فقد أثبتت أننا نمارس خداع أنفسنا إلى درجة التخدير والإدمان وتمنعنا من رؤية الواقع كما هو لكي نستطيع أن نغيره.
اقتراحي بسيط: لنبدأ بتسمية الأشياء بأسمائها. يكفينا انتصارات، تعالوا نعد هزائمنا، فالهزيمة والاعتراف بها ودراسة أسبابها هي في نهاية المطاف أم الانتصارات.


No comments: