القتل الحلال والقتل الحرام
علي زبيدات -سخنين
هل أصبح قتل العربي للعربي حلالا وقتل اللاعربي للعربي حراما؟
عندما دهس رجل انجليزي متعمدا بعض المصلين المسلمين في لندن مسببا مقتل شخص واحد وجرح عشرة آخرين نعتناه بالقاتل العنصري، مجرم ومسكون بكراهية العرب والمسلمين. وطالبنا العالم بإدانة واستنكار هذه الجريمة بكل عبارات الإدانة والاستنكار. وبالفعل جاءت الإدانات من كل حدب وصوب ومن البعيد قبل القريب.
وعندما قامت الشرطة الاسرائيلية بقتل محمد طه ابن كفر قاسم بدم بارد ومن قبله قامت بإعدام يعقوب أبو القيعان من قرية أم الحيران بدم بارد هو الآخر، أقمنا الدنيا ولم نقعدها ضد هذه الشرطة التي تسرع بالضغط على الزناد عندما يكون الذي أمامها عربيا. هكذا فعلنا عندما أطلق أفراد الشرطة النار على خير الدين حمدان من كفر كنا وعشرات الشباب الفلسطينيين ومن ضمنهم شهداء هبة القدس والاقصى ويوم الارض. واتهمنا جهاز الشرطة الاسرائيلية وبحق بأنه جهاز قمعي عنصري ينفذ سياسة الحكومة العنصرية. وطالبنا العالم كله بإدانة هذه الجرائم.
وعندما قام المستوطنون بارتكاب جرائمهم الشنيعة في حق أبناء شعبنا ومنها على سبيل المثال لا الحصر خطف وحرق الشهيد محمد ابو خضير وحرق عائلة الدوابشة قلنا إن هؤلاء الاوباش، قطعان الفاشية لا مكان لهم في المجتمع البشري وعملنا ما نستطيعه، أو هكذا خيل لنا مع أننا نستطيع أن نعمل أكثر من ذلك بكثير، لمحاسبتهم.
وعندما قام الجيش الإسرائيلي قبل عدة ايام بقتل ثلاثة شباب فلسطينيين في القدس ضمن مسلسل لا ينتهي من حرب استنزاف مستمرة منذ سنوات طويلة يشنها جيش الاحتلال حصدت في جولتها الاخيرة منذ اكتوبر 2015 حسب بعض الاحصائيات حياة 272 مواطن فلسطيني، كنا دائما ندين ونستنكر هذه الجرائم وأحيانا نتحرك ولو على حياء لمعارضتها والتظاهر ضدها.
على كل حال، كل هذه الجرائم المذكورة صدرت من أطراف معادية ولا نتوقع منها أفضل من ذلك. كل هذه الجرائم مجتمعة وكل جريمة على حدة، تبدو شاحبة اللون بل تبدو لعب أطفال إذا ما قارناها بالجرائم التي يقترفها العرب والمسلمون في حق بعضهم البعض. نحن هنا لا نتكلم عن شخص دهس هنا وآخر حرق هناك أو 272 استشهدوا خلال سنة ونصف أو حتى إذا ما قارناها بالحرب الأخيرة على غزة واستمرت 50 يوما وأسفرت عن استشهاد 2147 شهيدا، أو بالحرب التي سبقتها. بل نحن نتكلم عن مقتل مئات الآلاف وربما الملايين ولا نتكلم عن دمار بيت أو قرية أو مدينة بل نتكلم عن دمار بلدان بأكملها. و أعود لأتساءل: هل قتل المسلم للمسلم والعربي للعربي حلال بينما قتل الأجانب للعرب والمسلمين هو وحده حرام؟ العراقيون قتلوا من بعضهم البعض أكثر مما قتله الامريكان أيام الغزو والاحتلال. أما في سوريا فالذين قتلوا أضعاف ما قتله الاستعمار الفرنسي والكيان الصهيوني مجتمعين على مدى عصور. وكذلك الأمر في اليمن والسودان والصومال ومصر وليبيا و إن ننسى فلن ننسى الماضي غير البعيد في الأردن ولبنان والجزائر.
وكما يبدو، هذا الوضع لن ينتهي قريبا. فالتناقضات تتفاقم وتبشر بانفجارات جديدة. المنطقة بأسرها أصبحت عبارة عن كومة من البارود والديناميت وكل القوى المحلية والإقليمية والدولية تتزاحم لتنفخ لاشعالها كل من جهة. شرارة واحدة تكفي لإشعال المنطقة بأسرها. لم تعد إسرائيل وحدها المدججة بالسلاح. فها هي السعودية تسابقها بعد شراء أسلحة أمريكية بـ 112 مليار دولار وليس بقصد خوض الصراع ضدها بل بقصد تكوين تحالف جديد ضد ايران المدججة هي الأخرى بالسلاح. وها هي قطر الصغيرة يصل السلاح حتى أسنان كل فرد من سكانها. أصبح السلاح في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء أكثر من الخبز. أمريكا وروسيا مستعدتان لإغراق المنطقة بالاسلحة، ما دامت الحرب لا تتجاوز التدمير الذاتي وما دامت تدر الأرباح على صانعي ومصدري الموت، فلماذا لا تستمر إلى ما لا نهاية؟.
المصيبة لا تتوقف عند أرقام القتلى والجرحى ولا عند الدمار الشامل والأرض المحروقة، المصيبة الحقيقية أن كل ما يحصل يذهب سدى، قتل عبثي ودمار عبثي. لا يمكن أن تبقى الشعوب العربية وقودا للمدافع. لا يمكن أن تستمر الأنظمة العربية بارتكاب المجازر وتخرج من غير حساب. إذا كنا عاجزين عن وقف هذه الحروب التدميرية فعلينا أن نعمل على تحويلها لثورات تحررية. ما زالت تجارب الشعوب تؤكد أن الحروب الرجعية لا تصنع القتل والدمار فحسب بل تخلق أيضا الظروف الملائمة لانفجار الثورات التحررية. وأن هذه الثورات بدورها هي وحدها القادرة على القضاء على الحروب الرجعية.
إن مثيري الحروب مهما بدوا وكأنهم خصوم وأعداء ومهما تفاقمت تناقضاتهم إلا أنهم في نهاية المطاف ينتمون إلى معسكر واحد. يغيرون تحالفاتهم حسب مصالحهم ولكنهم سوف يتحدون إذا ما قررت الشعوب التخلص من نير الظلم والاستغلال. وقد آن الأوان أن يخرج قرار الشعوب إلى حيز التنفيذ.