الدولة العظمى الرقمية الاولى في العالم
علي زبيدات – سخنين
لسذاجتي، بالرغم من اهتمامي الشديد بالسياسة المحلية والاقليمية والعالمية منذ نعومة اظافري، كنت أظن ان الدول التي فازت بلقب دولة عظمى فازت به حسب المعايير المتعارف عليها دوليا، أي حسب مناعتها الاقتصادية، تطورها الصناعي، قوتها العسكرية، مستوى معيشة سكانها، حجمها من حيث المساحة والسكان.بالطبع مع عدم اغفال معايير ثانوية اخرى تساهم في منح دولة معينة لقب دولة عظمى. في العصر الحديث انطبقت هذه المعايير على الولايات المتحدة الامريكية لذلك استحقت لقب الدولة العظمى رقم واحد. وبعد قيام الاتحاد السوفياتي وتقدمه العسكري السريع والاقتصادي وتأثيره السياسي ودخوله في منافسة شرسة مع امريكا، استحق هو الاخر بجدارة لقب دولة عظمى. وهذا الامر لم يتغير كثيرا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ونشوء روسيا الحديثة التي كانت اصلا المكون الاكبر في الدولة التي انهارت، وهناك دول عظمى اخرى تقف في الصف الثاني او الثالث ولكنها تزاحم من اجل تثبيت اقدامها في هذا النادي، اذكر منها الدول العظمى الثمانية- G8 والتي تشمل بالاضافة للدولتين المذكورتين كل من المانيا واليابان وفرنسا وبريطانيا وايطاليا وكندا، والتي تسيطر مجتمعة على اكثر من ٦٥٪ من اقتصاد العالم. ويوجد هناك دول اخرى يمكن اعتبارها حسب المعايير المذكورة انفا دولا عظمى كالصين، الهند، البرازيل، تركيا. والبعض يطلق على دولة اسرائيل بالرغم من صغر حجمها الجغرافي والسكاني دولة عظمى وذلك بالاساس بسبب قوتها العسكرية، تطورها التخنولوجي وتأثيرها الكبير على السياسة العالمية.
ولكني اكتشفت مؤخرا انه يوجد هناك دولة عظمى اخرى، لا تتمتع باي من المعايير السابقة، غير مرئية ولا احد يعرف كامل الحقائق عنها، لذلك سميتها بالدولة العظمى الرقمية الاولى في عالمنا، اما اسمها المتعارف عليه فهودولة الخلافة الاسلامية او باختصار دولة داعش. كيف اصبحت هذه الدولة التي لا يكاد عمرها يتجاوز السنتين تلك الدولة العظمى التي تقلق الامن والسلام العالمييين؟ ليس لدى هذه الدولة باعتراف اعدائها واصدقائها جيش جرار مدجج بالاسلحة الحديثة ولكنه مكون من عدة آلالاف تمت لملمتهم من بلدان عديدة، من يراهم عن بعد يظن بانهم متسولين وليسوا جنودا. وليس لدى هذه الدولة اقتصاد قوي أو صناعة ثقيلة. ان هذه "الدولة"ليس فقط انها لا تملك مقومات ومعايير الدولة العظمى بل هي لا تملك حتى مقومات ومعايير الدولة العادية. ومع ذلك شكلت امريكا بقيادتها تحالفا دوليا ضم ستين دولة عظمى أو عادية لمحاربتها ولانقاذ العالم من شرورها، وكأن هذا لا يكفي اذ قادت روسيا تحالفا دوليا آخرا شمل النظام السوري والايراني والعديد من الميليشيات المسلحة وشنت الحرب ضدها بهدف ازالتها من الوجود. حتى الدول العربية التي لا يحسب حسابها احد شكلت هي الاخرى تحالفا شمل ١٧ دولة عربية لمحاربة داعش وباقي المنظمات الارهابية. حتى في الحربين العالميتيين لم يكن هناك تحالفات موحدة كما نراه هنا.
هذه الظاهرة الغريبة العجيبة ذكرتني بفلم شاهدته قبل سنوات عديدة من بطولة آل بتشينو وهو ليس من افضل افلامه المعروفة، اسمه "سيمون"، من المفروض أن يكون فلما كوميدياعلى عكس باقي افلامه، ولكنه لم يضحكني حين ذاك ولم يضحكني الآن عندما تذكرته. يدور الفلم حول منتج تركته نجمة الفلم اثر خصام وكان عليه ان يجد لها بديلا بسرعة. ولكنه لم يوفق فقرر أن يخلق نجمة رقمية عن طريق الكمبيوتر وبعض البرامج تكون فائقة الجمال والذكاء والمواهب إلى درجة الكمال وقدمها للجمهور على انها نجمة حقيقية الذي سارع في تصديقها. وعندما حاول المنتج لاحقا أن يعترف بأن كل شيء مزيف لم يصدقه احد حتى هو نفسه بدأ يصدق بأن"سيمونا" امرأة حقيقية. يوجد فرقان رئيسيان بين سيمونا إل بتشينو وداعش الاول، هو أن المنتج خلق نجمة واحدة سماها سيمونا أما في حالة داعش فكل منتج خلق داعشه الخاص. يوجد داعش صنع امريكي وداعش آخر صنع روسي وآخر صنع سوري وسعودي واسرائيلي وهلم جرا. الفرق الثاني، أن النجمة سيمونا صممت في ستوديوهات منتج بواسطة برامج كومبيوتر بينما صممت داعش في غرف المخابرات االمظلمة لكل دولة. وبما ان المنتجين يختلفون من حيث المهارة والامكانيات فكانت النتائج ايضا مختلفة. يوجد نماذج قريبة للواقع ومن الصعب اكتشاف زيفها وبوجد نماذج مفضوحة. أظن، بما اني اكتشفت سذاجتي يستطيع كل واحد يكتشف سذاجته.فالحرب التي يدور رحاها في سوريا والعراق واليمن وليبيا وسيناء وفرنسا وغيرها لا يعقل أن تكون ضد داعش، وهذه التحالفات التي تدك المنطقة منذ سنتين على الاقل بحجة القضاء على داعش لا بد أن يكون لديها اجندة اخرى تحاول ان تبقيها سرية ولكن من غير نجاح كبير.
لم يبق امامي الا أن اقول: كل واحد يأخذ داعشه من هنا وبرحل.