أين
العرب على خارطة العالم؟
على
زبيدات – سخنين
من
بين النتائج التي تمخضت عنها الحرب
العالمية الثانية قيام معسكرين على صعيد
السياسة العالمية، متنافسين ومتناقضين
من جهة ومتعاونين من جهة اخرى.
كانت التسمية
الشائعة لهذين المعسكرين:
المعسكر الرأسمالي
بقيادة الولايات المتحدة الامريكية
والمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد
السوفياتي. طبعا،
لم يخل هذا التقسيم العام من الاشكاليات
خصوصا حول دور الدول الاخرى التي كانت
معدودة على هذا المعسكر أو ذاك واذا كان
هذان المعسكران يعكسان بالفعل وعلى ارض
الواقع تسميتهما (الرأسمالي
والاشتراكي) على
الطايع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي
للدول المنضوية تحت كنفيهما.
وقد تم التعارف
على تسمية هذه الفترة بالحرب الباردة
وكان من ابرز تجلياتها قيام حلف الشمال
الاطلسي (الناتو)
العسكري الذي
يمثل المعسكر الاول وحلف وارسو الذي يمثل
المعسكر الثاني. كانت
الحرب الباردةتعكس العلاقة بين الدول
المركزية في هذين المعسكرين ولكنها كانت
حربا ساخنة في العديد من دول الاطراف حيث
كانت تدور هناك العديد من الحروبات الطاحنة
بالوكالة. على
سبيل المثال لا الحصر الحرب الكورية
والفيتنامية والحروب ضد الاستعمار القديم
في افريقيا وامريكا اللاتينية.
في مرحلة معينة
بدأت بعض الدول تتذمر وتتململ من هذا
التقسيم القاتل بالنسبة لها بينما توصلت
الدول المتطورة في كلا المعسكرين إلى
صيغة من التعايش السلمي في ظل الرعب والردع
الذي فرضته الاسلحة النووية.
فحاولت هذه الدول
أن تنظم نفسها في معسكر ثالث سمي حركة عدم
الانحياز. كان
المؤتمر التأسيسي في باندونغ عام ١٩٥٥
بمبادرة من الزعيم الهندي نهرو والمصري
جمال عبدالناصر واليوغسلافي تيتو.
وخلال فترة وجيزة
استطاعت حركة عدم الانحياز ضم العديد من
دول العالم الثالث التي كانت تتوق للابتعاد
عن اجواء الحرب الباردة.
بعد وفاة القادة
المؤسسين تراجعت اهمية هذه الحركة حتى
تلاشت تماما مع انها ما زالت قائمة رسميا
وتضم حوالى نصف دول العالم.
اهمية المرحلة
الاولى لحركة عدم الانحياز والتي امتدت
لحوالي عقدين من تأسيسها، أن العرب ممثلين
بالزعيم المصري جمال عبد الناصر في هذه
المرحلة فقط كانوا موجودين على الساحة
السياسية العالمية.
في
بداية سنوات التسعين، مع انهيار الاتحاد
السوفياتي، انهار معه المعسكر الاشتراكي
وحلف وارسو وبقي هناك معسكر واحد مهيمن
هو المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات
المتحدة الامريكية. في
هذه المرحلة لعبت امريكا دور الشرطي
العالمي بدون منازع فكانت تتدخل اينما
تشاء وكيفما تشاء. الا
ان هذه الفترة لم تطل كثيرا فقد بدأت
الازمات الاقتصادية تعصف بها وبالدول
المتطورة المتحالفة معها في اوروبا
الغربية، هذا بالاضافة إلى سياسة التمرد
على السياسة الامريكية التي اخذت تجرف
العديد من دول العالم الثالث.
في
بداية القرن الواحد وعشرين أخذت روسيا
تعود لكي تملأ الفراغ الذي تركه انهيار
الاتحاد السوفياتي.
وبدأت تخوض
منافسة شرسة مع امريكا وحلفائها.
وها هو العالم
يتم تقسيمه مرة اخرى الى معسكرين أعادا
سياسة الحرب الباردة لأن رعب التوازن
النووي يؤجل التصادم الساخن بين القوتين
العظميين. وفي
الوقت نفسه عادت الحروب الساخنة بالوكالة
إلى الدول النامية. وقد
اتاح هذا الصراع الشرس بين امريكا وروسيا
وجود قوى اقليمية تنفذ سياسة احدى القوتين
العظمى بما ينسجم مع مصالح الطبقات الحاكمة
في تلك الدول. في
منطقتنا العربية يوجد ثلاثة قوى اقليمية
لا يوجد بينها اية دولة عربية.
وهي:
اسرائيل
وايران وتركيا. لست
هنا بصدد الكلام عن دولة اسرائيل كقوة
اقليمية فقد نجحت منذ قيامها وحتى اليوم
بأن تلعب الدور الحاسم في سياسة المنطقة
بفضل جيشها الذي يعتبر رابع اقوى جيش في
العالم وبسبب تطورها الصناعي والتخنولوجي
والدعم الهائل الذي تتلقاه من امريكا
والدول الاوروبية.
ايران اصبحت
القوة الاقليمية الثانية، ليس بفضل
برنامجها النووي فحسب لان هذا البرنامج
نفسه كان نتيجة لاستقرارها الداخلي
وتطورها الاقتصادي واستغلالها لثرواتها
الطبيعية ولنجاعة نظامها بالرغم من مساوئه
السياسية والاجتماعية.
وها نحن نراها
تلعب دورا سياسيا حاسما في المنطقة وخصوصا
في العراق وسوريا واليمن.
تركيا
هي القوة الاقليمية الثالثة.
فقد استطاعت
في السنوات الاخيرة ان تقفز قفزة نوعية
وخصوصا في المجال الاقتصادي واستقرار
النظام بالرغم من الصراعات الطبقية
والاثنية التي تعصف بها منذ وقت طويل.
فنراها تتدخل
في شوون الدول المجاورة وخصوصا في سوريا.
واصبحت الدولة
الاولى من حيث تأثيرها على قطاع غزة بفضل
علاقتها الجيدة مع اسرائيل من جهة ومع
حماس من جهة اخرى.
التوافق
الامريكي -
الاوروبي -
الروسي منح
هذه الدول الثلاث مساحة واسعة لكي تلعب
دور القوة الاقليمية.
مرة
أخرى يغيب العرب تماما عما يجري في بلدانهم.
تبقى مصر هي
المرشحة العربية الوحيدة التي تستطيع أن
تلعب دور القوة الاقليمية.
جميع الظروف
الموضوعية متوفرة من حيث عدد السكان
والمساحة والموارد الطبيعية.
العامل الذاتي
هو العامل الغائب، أي النظام الوطني
التقدمي. عندما
كان هذا العامل متوفرا زمن عبد الناصر لم
تكن مصر قوة اقليمية فحسب بل كانت زعيمة
لحركة عدم الانحياز العالمية ايضا.
غياب مصر على
هذا الشكل الكارثي ترك الساحة لاقزام من
امثال السعودية وقطر والامارات.
مصر كانت وما
زالت بوابة العرب للعودة الى خارطة العالم.