نفط
وقطران
علي
زبيدات – سخنين
لا
ادري مدى الصحة التاريخية للرواية المنسوبة
إلى عمر بن لخطاب، ثاني الخلفاء الراشدين،
عندما مر باعرابي يدعو ربه لشفاء بعيره
الذي اصابه الجرب فقال له:"
اجعل مع دعائك
قليلا من القطران". ما
يهمنا هنا أن هذه الرواية اصبحت تراثا
شعبيا نرويها منذ قرون طويلة لكل من يحب
سماعها، ندونها في كتب الصغار والكبار،
نعلمها في المدارس والجامعات وكل جيل
يورثها للجيل الذي يليه.
ولكن على ما يبدو
انقطع القطران من بلادنا الغنية بالنفط
حتى اصابنا الجرب الذي لم يترك بقعة واحدة
من جسدنا سليمة. ولكننا
في الوقت نفسه تفوقنا على انفسنا في اجادة
الادعية والتفنن بها، اقصد بالتفوق المعنى
الحرفي والمجازي لهذه الكلمة وذلك بدون
التطرق إلى اي نقاش عقائدي.
خذوا مثلا في شهر
رمضان الاخير تعرضنا إلى كم هائل من
الادعية وصلت ذروتها في ليلة القدر، حيث
الادعية "مستجابة"
واستمر هذا الطوفان
من الادعية ايام العيد ولا اظن انه سوف
يتوقف مع انه عاد الان إلى حجمه الطبيعي.
دعوني
اتوقف عند بعض هذه الادعية التي من شأنها
ان تفقد كل شخص عاقل الصواب اذا ما فكر
فيها للحظة واحدة: "اللهم
انصر الاسلام والمسلمين”، ينصرهم على
من؟ وهل يخوض المسلمون حربا ضد الكفر
والكافرين؟ أم انهم يشنون حرب ابادة ضد
بعضهم البعض؟. ومن
هم المسلمون الذين ينبغي ان ينصرهم الله؟
هل هم المسلمون السنة ام الشيعة؟ تنظيم
الدولة ام جبهة النصرة؟ الحشد الشعبي ام
حزب الله؟ ام جيش الاسلام؟هل تظنون الله
مقاول يشتغل عندكم أو عند ابوكم؟ فلو
استجاب الله لأدعيتكم جميعا لفنيتم عن
بكرة ابيكم.
هناك
ادعية اخرى لا تعد ولا تحصى اصبحت تستفز
السامعين تختص بالشهداء.
المصيبة هنا اننا
لم نعد ندري من هم هؤلاء الشهداء بالضبط؟
هل هم الذين يقتلون منكم أم الذين تقتلونهم
انتم؟ وان نسيت فلن انسى ادعيتكم في
الماضي، وبعضها ما زال مستمرا حتى اليوم،
على الصهاينة والدولة الصهيونية والتي
حسب رأيي لم ترتفع اكثر من شبر واحد فوق
رؤوسكم. لان
نفاقكم الذي كان مبطنا اصبح اليوم مكشوفا،
فمن لا يتمرمغ تحت اقدام هذه الدولة علنا
يمارس ذلك خلسة. فبينما
كانت الصواريخ الصهيونية تدك غزة ومن قبل
بيروت وبغداد كنتم انتم تدكونها بادعيتكم
المزيفة التي اشبه بالبالونات الجوفاء
التي تطلق صوتا مبحوحا في حالة انفجارها.
لقد
جبنتم أن تضيفوا حتى ولو نقطة قطران واحدة
الى ادعيتكم هذه. من
يدري لربما صنعت هذه النقطة الفرق.
حتى النبي محمد،
الذي تتخذونه قدوة، لم يكتف بالدعاء
بالرغم من ايمانه المطلق باستجابة الله
لدعائه وبنصرته له. فعندما
تفاقمت مضايقات عشيرته له هاجر من بلده
مكة إلى المدينة ولم يقل سأبقى هنا لأني
دعوت الله ان ينصرني على القوم الظالمين،
وكان قبل ذلك قد اشار إلى اتباعه بالهجرة
إلى الحبشة لكي يتجنبوا ظلم ذوي القربى
من المشركين. وعند
وصوله إلى المدينة لم يجلس مكتوف اليدين
بل باشر برص صفوفه ليكون جاهزا للمواجهة
التي سرعان ما جاءت في غزوة بدر وما تلاها
من غزوات. لم
يتوقف النبي عن الدعاء ولكنه عرف كيف ومتى
يستعمل القطران.
قد
يظن البعض أن المقصود بهذا الكلام حصرا
الانظمة التي تتخذ من الدين قناعا لها
بالاضافة للحركات والاحزاب التي تطلق
على نقسها أو يطلق عليها الاخرون بالاسلام
السياسي. ولكن
لا، هذا الكلام يشمل ايضا انظمة الاستبداد
"القومية"
و"الوطنية"
والتي فتحت بلادها
على مصراعيها للتدخل الاجنبي وعملت على
تدميرها بحجة محاربة الارهاب ولكن في
الحقيقة للمحافظة على كراسيها.
او تلك التي اعادت
النفوذ الاستعماري الى سابق عهده.
والاحزاب والحركات
القومية التي تدور في فلك هذه الانظمة.
قد تستبدل هذه
الانظمة والحركات السياسية الادعية
بالخطابات الرنانة ولكن هدفها واحد، وكان
الاحري بها هي الاخرى اضافة القليل من
الفطران إلى خطاباتها.
وان انسى لن انسى
دعاة الاشتراكية في وطننا العربي، فمن
يذكر انه كان لدينا بلد اشتراكي واحد في
اليمن الجنوبي؟ سرعان ما بدأ الثوار
"الاشتراكيون"
بصفون بعضهم البعض
حتى اصبحوا لقمة سائغة ابتلعها اليمن
الشمالي الاقطاعي. ويظن
البعض ان العراق وسوريا تحت حكم شقي حزب
البعث -الاخوة
الاعداء- انظمة
اشتراكية وكذلك في مصر زمن عبد الناصر
حتى جاء السادات واعادها إلى احضان
الرأسمالية، واليوم يلتف معظم الناصريين
حول السيسي الذي بز السادات ومبارك في
ولائه لامريكا واسرائيل.
هذا بالاضافة
للجماهيرية العربية الليبية الشعبية
الاشتراكية العظمى التي كان يديرها
القذافي كمزرعة خاصة حتى اطاح به حلف
الناتو وحلفائه العرب.
واخيرا الجزائر
واسمها الكامل: الجمهورية
الجزائرية الديمقراطية الشعبية على طريقة
تشاوشيسكو وباقي "الديمقراطيات
الشعبية" المنهارة
في اوروبا الشرقية. ولكي
لا انسى احدا لا بد من ذكر الاحزاب والحركات
الاشتراكية والشيوعية المنتشرة في كافة
ارجاء الوطن العربي تحت شعار:
يا عمال العالم
اتحدوا.. بينما
هم في الحقيقة ليسوا اكثر من سماسرة
يتاجرون بقضايا العمال في السوق الرأسمالية
"الحرة".
ليذهب
النفط العربي في ستين داهية وليباع بثمن
بخس لدول العالم المتحضرة، ولكن على الاقل
اتركوا لنا القطران لعله يشفينا من الجرب
الذي ينهش اجسادنا.
No comments:
Post a Comment