نكتة
الدجاجة وحبة القمح
علي
زبيدات – سخنين
لا
ادري اذا كنت قد قرأت هذه النكتة السمجة في احدى الصحف الصفراء قبل وقت
طويل أو سمعتها من احد الاصدقاء ثقيلي
الظل الذين يظنون انفسهم عكس ذلك تماما
واغلب الظن انني لست الوحيد الذي قرأها
أو سمعها. من
حين لآخر تعود هذه النكتة، تراود ذاكرتي
وتتجول في ذهني فترة من الزمن ثم تختفي.
تذكرت هذه النكتة
مؤخرا، تبسمت ابتسامة شاحبة بيني وبين
نفسي، ولكن بعد قليل من التمعن اتضح لي
ان هذه النكتة تصور حالتنا الراهنة على
اصدق شكل وربما كان ذلك هو السبب الرئيسي
في تذكرها في هذا الوقت بالذات.
تقول
النكتة أن شخصا ولنطلق عليه مجازا اسم
"ع".
وكان "ع"
هذا يعاني من مرض
نفسي يجعله يؤمن بأنه حبة قمح لذلك كان
يخاف الخروج من البيت لئلا تصادفه دجاجة
وتلتقطه علفا لها. لذلك
لزم بيته وامتنع عن الخروج مهما كان السبب.
بعد جهود كبيرة
بذلها اصدقاؤه وبمساعدة مختصين في مجال
علم النفس استطاعوا اقناعه بأنه ليس حبة
قمح بل هو رجل مثله مثل غيره ولا يوجد لديه
أي سبب للخوف من الدجاجة.
بعد ذلك تأبطوا
ذراعيه ورافقوه إلى خارج البيت لكي يثبت
انه رجل. ما
ان اجتاز عتبة البيت بامتار حتى رأى من
بعيد دجاجة كبيرة قادمة نحوه.
فانتفض "ع"
وافلت ذراعيه من
مرافقيه وعاد مرعوبا الى البيت واغلق
وارءه الباب والشبابيك.
عاد الاصدقاء
والمختصين النفسيين ووبخوه بقولهم:
ماذا جرى؟ الم نتفق
بانك رجل ولست حبة قمح؟ فاجابهم:
نعم، انا مقتنع
بذلك تماما ولكن عليكم ان تقنعوا الدجاجة
بأنني لست حبة قمح.
من
غير استعارات وتوريات ومجازات، هذه هي
حالتنا اليوم بحذافيرها.
اننا نفكر ونشعر
ونتصرف وكأننا ٣٥٠ مليون حبة قمح مبذورة
على طول وعرض ما كان يسمى بالعالم العربي
من المحيط وحتى الخليج، وأن اسرائيل هي
تلك الدجاجة الشرسة التي سوف تلتقطنا حبة
حبة. حتى
تلك الفئات القليلة التي تحررت شكليا من
عقدة حبة القمح ما زالت تعاني من عقدة
عدم اقناع اسرائيل تبأننا لسنا حبات فمح
واعتبارها تلك الدجاجة الشرسة التي سوف
تلتقطها حال اعتراض طريقها.
ربما
"ع"
عنده حق:
لا يكفي أن نقنع
انفسنا بأننا لسنا حبات قمح، بل يجب أن
نقنع الدجاجة الشرسة ايضا بأننا لسنا
حبات قمح ملقاة على قارعة الطريق لمن يريد
إن يلتقطها. السؤال
الذي يطرح نفسه هنا: على
عاتق من ملقاة هذه المهمة؟ لن يفعل ذلك
اصدقاء ولا مختصين نفسيين، ولا مجتمع
دولي، ولا منظمات حقوق انسان.
لن يفعل ذلك احد
غيرنا. صحيح،
الدجاجة الاسرائيلية مدججة باحدث الاسلحة
الفتاكة من منقارها وحتى مخالبها (هذا
على اعتبار ان الدجاج الشرس له مخالب وليس
اظافر). فهي
تنوء تحت حمل اسلحتها ولن تستطيع حمله
لمسافة بعيدة ولزمن طويل، وبالتالي سوف
تتفجر من فوقها ومن تحتها.
ان جيشا يعتبر نفسه
ويعتبره العالم رابع اقوى جيش في العالم
يطلق على طفل أو طفلة اسم ارهابي/ة
(מחבל/ת)
ويطلق على قاتلهما
بدم بارد اسم محارب (לוחם)
ويصبح بطلا قوميا
لن يكون مثل هذا الجيش سوى نمر من ورق.
وان جيشا يدعي
طهارة السلاح ويقتل احد جنوده جريحا مغمى
عليه وتجتمع الجماهير الغفيرة تطالب
باعتبار هذا القاتل بطلا قوميا لهو جيش
يتمرمغ في حضيض اعمق مستنقع لا اخلاقي.
نعم،
من يعتبر نفسه حبة قمح تصبح الدجاجة أقوى
وألد اعدائه. ولكن
على عكس صاحبنا "ع"
الذي اعتكف في
البيت واغلق على نفسه الابواب، نرى حبات
القمح المهترئة والتي ينخر فيها السوس
والمنتشرة في ارجاء الوطن العربي، والتي
بالرغم من كل ذلك تتبوأ الصدارة وتحكم
شعوبا وبلدانا، تهرول كرها أو طوعا مرتمية
في احضان قن الدجاجة الاسرائيلية عارضة
نفسها للالتقاط. تبدو
دولة اسرائيل خارقة القوة في عيون حكام
مصر والسعودية ودول الخليج وعصابة أوسلو
ومن على شاكلتهم، ولكنها تصاب بالفزع
والرعب امام اطفال القدس والخليل، حملوا
حجرا أم لم يحملوا، حملوا سكينا أم لم
يحملوا. تشير
جميع الظواهر: قتل
الاطفال، القتل بدم بارد، الحواجز،
الجدار، تفاقم كافة اشكال العنصرية افعالا
واقوالا، إلى أن المجتمع الاسرائيلي على
شفا انهيار عصبي يسبق الانهيار الاقتصادي
والسياسي القادمان لا محالة.
من يريد أن يبقى
علفا للدجاج الاسرائيلي فهنيئا له ومن
يريد ان يحافظ على كرامته الانسانية
فليتعلم من اطفال فلسطين.
No comments:
Post a Comment