عندما
يلتقي المثقف الفهلوي بالسياسي الفهلوي
علي
زبيدات – سخنين
بتفق
العديد من المفكرين وعلماء الاجتماع
والنفس العرب على أن الشخصية الفهلوية
هي الشخصية السائدة في المجتمعات العربية
حتى اصبحت في كثير من البلدان الصفة
الملازمة للشخصية القومية العربية.
لعل افضل من تناول
هذه الشخصية بالدراسة والتحليل عالم
الاجتماع المصري حامد عمار في عدد من كتبه
اهمها: "في
بناء البشر: دراسات
في التغيير الحضاري والفكر التربوي"
و "
التربية والنمط
الاجتماعي للشخصية"
والمفكر السوري
صادق جلال العظم في كتابه "النقد
الذاتي بعد الهزيمة".
حيث طور افكار حامد
عمار حول الشخصية الفهلوية وعممها على
الشخصية القومية العربية وحملها المسؤولية
عن الهزيمة النكراء التي تعرضت لها الجيوش
العربية في حرب حزيران عام ١٩٦٧.
لا
تطمح هذه المقالة الصحفية المتواضعة بأي
شكل من الاشكال لان تكون بحثا اكاديميا
او دراسة في علم الاجتماع أو علم النفس.
كل ما اردت أن اؤكده
هنا هو أن الشخصية الفهلوية التي تناولها
كل من حامد عمار وصادق جلال العظم في سنوات
الستين والسبعين من القرن الماضي بالنقد
والتحليل ما زالت سارية المفعول وما زالت
هذه الشخصية هي المسيطرة في مجتمعاتنا
العربية ومن ضمنها مجتمعنا الفلسطيني
المحلي موضوع هذه المقالة.
السمات
الاساسية للشخصية الفهلوية حسب حامد عمار
هي:
أولا،
"القدرة
على التكيف السريع لمختلف المواقف وادراك
ما تتطلبه من استجابات مرغوبة والتصرف
وفقا لمقتضياتها إلى الحد الذي يراه
مناسبا". وهذه
القدرة على التكيف السريع تتميز بجانبين
متلازمين: المرونة
والفطنة والقابلية للهضم والتمثل للجديد
من جهة والمسايرة السطحية والمجاملة
العابرة لتغطية الموقف وتورية المشاعر
الحقيقية.
ثانيا،
"النكتة
المواتية التي غدت من خصائص النمط المصري"
ثالثا،
" المبالغة
في تأكيد الذات والميل الملح إلى اظهار
القدرة الفائقة والتحكم بالامور"
رابعا،
"سيادة
نظرة رومانتيكية للمساواة".
الشعور بالنقمة
والسخط على الاوضاع التي توجد التمايز
والتفرقة والتي يواجهها الفهلوي بعملية
"الازاحة
والاسقاط"،
إزاحة المسؤولية إلى غيره من الناس
واسقاطها على امور خارج نطاق الذات ليتيسر
تبرير ما قد يقع فيه المرء من مواقف محرجة
او تقصير في المسؤوليات الاجتماعية.
وتزداد الفهلوة
بازدياد القدرة على احكام هذه العمليات
الازاحية والاسقاطية.
خامسا،
"الطمأنينة
إلى العمل الفردي وايثاره على العمل
الجماعي".
سادسا،
"الوصول
إلى الهدف باقصر الطرق واسرعها وعدم
الاعتراف بالمسالك الطبيعية".
هذه
الصفات تكون نتائجها وخيمة على المجتمع
عندما تحدد شخصية المثقف والسياسي، او
عندما يخدم المثقف الفهلوي السياسي
الفهلوي أو العكس، أو عندما يكون المثقف
الفهلوي في الوقت نفسه سياسيا فهلويا.
وحسب رأيي تغول
هذه الشخصيةا هو السبب الرئيسي في اوضاعنا
المزرية في هذه الايام.
فالسياسي الفهلوي
يحترف الخطابات النارية والكلام في
العموميات وتكرار واجترار ما يقوله في
عدة مناسبات واماكن. نراه
يتكيف بسرعة غريبة تفوق سرعة الحرباء،
فليس غريبا عليه أن يعتلي المنصة في مناسبة
وطنية، يلقي خطابا عصاميا في النهار وفي
المساء يتناول العشاء مع احد الوزراء.
واذا كان يتبوأ
مركزا مرموقا، رئيس بلدية على سبيل المثال
وقصدته في شيء يستقبلك بحفاوة وربما
بالاحضان ويبادرك بأن مشكلتك محلولة،
ولكنه ينسى وعوده حال مغادرتك.
يبحث عن اقصر الطرق
واسهل الحلول ولكنه يتجنب العناء ومواجهة
العقبات. تنتاب
السياسي الفهلوي نوبات من الحماس المفاجئ
والاستهانة بالصعاب ولكن سرعان ما يتبعها
الفتور والتهرب من العمل الجدي والمثابرة
والعمل المنظم. كثيرا
ما يتكلم عن المبادىء ولكن قي عمله المهني
وفي سلوكه اليومي لا يمقت شيئا أكثر من
تذكيره بالمبادىء. يتكلم
كثيرا عن العمل الجماعي وعن تكاتف الجهود
والوحدة بين كافة الفرقاء ولكنه في الواقع
عكس ذلك تماما: لا
يعمل الا بشكل فردي استبدادي وفي احسن
الاحوال من خلال شلة مغلقة من المساعدين
الذين يشاركونه الفهلوية.
عندما اتكلم عن
الفهلوية في السياسة اقصد من حيث الاساس
أعضاء الكنيست العرب، زعامات لجنة المتابعة
والاحزاب السياسية وقسم كبير من رؤساء
السلطات المحلية. ومما
يزيد الطين بلة ويزيد الصورة تعقيدا هو
دخول المثقفين الفهلويين إلى حلبة الصرا
ع الامر الذي بنطوي على مخاطر جمة.
فالمثقف الفهلوي
يتستعمل عادة الكلمات الفخمة للتعبير عن
معاني ركيكة. ثقافته
انتقائية، غير منتجة، غير خلاقة وغير
مبدعة يميل إلى التقليد والمحاكاة.
في كثير من الاحيان
يضع قدراته "الفكرية
" في
خدمة وتصرف السياسي الفهلوي فيشكلان جبهة
فهلوية موحدة تقود المجتمع باسره إلى
التقهقر والضياع. واذكر
على سبيل المثال لا الحصر:
التصور المستقبلي
الصادر عن بعض المثقفين والسياسيين لتحديد
(او
بالاحرى لتشويه)الهوية
الوطنية الفلسطينية من خلال تعريف علاقة
المواطن الفلسطيني بالدولة، مشروع الدستور
الديمقراطي الذي قدمته عدالة، وثيقة حيفا
الصادرة عن مركز مدى الكرمل وغيرها الكثير.
انظروا إلى الايام
الدراسية التي تنظمها هذه "المؤسسات
الثقافية" بتمويل
اجنبي (وهذا
موضوع آخر قائم بذاته)
والتي تضع دائماعلى
المنصة اعضاء كنيست إلى جانب مثقفين
مختصين. ليس
من باب الصدفة انتشار ما يسمى بالمؤسسات
الثقافية كالفقع بعد يوم ماطر، اذكر، مرة
اخرى على سبيل المثال لا الحصر، عشرات
الباحثين الاكاديميين في المعاهد
الاسرائيلية: فان
لير، بيت بيرل، جيفعات حبيبة، المركز
اليهودي العربي وغيرها من المراكز
والجامعات الاسرائيلية بالاضافة إلى
المؤسسات "المستقلة"
مثل إعلام، مساواة،
انجاز، مسارات، مركز الثقافة العربية،
المجلس التربوي، شتيل، مركز دراسات،
عدالة، مدى الكرمل، المركز العربي للتخطيط
البديل، المؤسسة العربية لحقوق الانسان،
وغيرها وغيرها.
تنطوي
الشخصية الفهلوية، حسب صادق جلال العظم
في النقد الذاتي بعد الهزيمة، على شعور
حقيقي بالنقص اتجاه الاآخرين.
وهي لا تستطيع
البوح به لانها تتمسك بقيم الحياء والخوف
من الفضيحة اكثر مما تتمسك بالواقعية
والموضوعية وبضرورة الاعتراف الصريح
بالنقص لمعالجته والتغلب عليه.
تقف
الشخصية الفهلوية عاجزة امام التحديات
التي يواجهها شعبنا لذلك يجب العمل على
مقاومتها على كافة الاصعدة والمستويات
حتى التخلص منها نهائيا.