يوم
الارض بين الذكرى والنسيان
علي
زبيدات – سخنين
ها
نحن نقف على عتبة الذكرى الاربعين ليوم
الارض الذي طبعناه في ذاكرتنا الجماعية
تحت اسم "يوم
الارض الخالد". بعد
اربعين عاما أليس من حقنا أن نسأل:
هل ما زالت صفة
الخلود هذه ملازمة ليوم الارض؟ ألم تخوننا
ذاكرتنا أو على الاقل قد وهنت وتسرب اليها
بعض النسيان؟ ماذا نذكر أو نتذكر بالضبط؟
وماذا نسينا أو تناسينا؟ وهل ما زال هناك
اوجه شبه بين يوم الارض الاول وبين يوم
الارض الاربعين؟.
لست
هنا بصدد سرد تاريخ يوم الارض واهميته
بالنسبة لشعبنا ليس في المناطق المحتلة
عام ١٩٤٨ فحسب بل بالنسبة للشعب الفلسطيني
في جميع اماكن تواجده ايضا.
لكل واحد روايته
الخاصة واحيائه لهذه الذكرى تعتمد من حيث
الاساس على هذه الرواية.
خلال اربعين عاما،
كتب كم هائل من الروايات المتناقضة احيانا
المختلفة دوما. ما
تحمله هذه السطور وما تتحمله ليس اكثر من
شعوري الخاص تجاه يوم الارض بما يحتويه
من ذكرى ونسيان، قد يلاقي قبولا واستحسانا
من البعض وقد يلاقي نفورا ورفضا من البعض
الاخر.
مساهمتي
في يوم الارض الاول كانت متواضعة جدا لا
تؤهلني للادعاء بانني من صناع هذا اليوم.
فقد كنت في ذلك
الوقت اقبع للسنة الثانية في سجن الرملة
المركزي مع الرعيل الاول من الاسرى
السياسيين. لقد
حجبت عنا الكثير من المعلومات و فاتتنا
تفاصيل عديدة. في
ذلك الوقت، كان المصدر الوحيد لمعلوماتنا
عما يجرى في العالم الخارجي الاذاعة
والتلفزيون الاسرائيلي وحتى هذا المصدر
لم يكن متوفرا الا لفترات قصيرة ومتقطعة
من الوقت. في
يوم الارض الاول، بينما كانت جماهيرنا
تخوض الاضراب العام، تواجه القوات
الاسرائيلية وتقدم الشهداء والجرحى،
اكتفينا نحن بالاعتصام في الزنازين،
رفضنا الخروج للفسحة اليومية إلى ساحة
السجن المغلقة وتنازلنا عن تناول وجبات
الطعام. فقط
بعد اسبوعين، وخلال زيارة الاهل لنصف
ساعة، اخبرتني والدتي باستشهاد ابنة خالي
(خديجة
شواهنة) وجرح
ابن عمي واعتقال اخي.
في
السنوات التالية كنا نحيي يوم الارض
بالاعتصام والاضراب عن الطعام وعقد ندوات
سياسية مصغرة داخل الغرف اذ كان متعذرا
على كافة الاسرى الاجتماع في قاعة واحدة،
هذا ناهيك عن الخلافات بين الفصائل.
وكنا نتابع احياء
يوم الارض في الخارج بقدر ما تتيحه لنا
وسائل الاعلام الاسرائيلية.
كان شعوري العام
بأن يوم الارض الاول شكل قمة استثنائية
وأن مسيرة الهبوط قد بدأت.
تجربتي
الحقيقية الاولى، بعد اطلاق سراحي، كانت
في الذكرى السادسة ليوم الارض أي في عام
١٩٨٢. كانت
الاجواء في البلد ما زالت مفعمة بالروح
النضالية، كان الشباب يجولون الشوارع من
ساعات المساء وحتى ساعات متأخرة من الليل،
وكانت الشرطة تضع الحواجز على مدخل البلد
اياما قبل يوم الارض وكثيرا ما كانت تقوم
باعتقالات استباقية لعدد من الناشطين.
بالمقابل كان هناك
عدد من الاشخاص يجولون هم ايضا الشوارع
ويحاولون بشتى الاساليب اقناع الشباب
بالعودة الى بيوتهم بحجة الخوف عليهم من
الاعتقال أو لمنعهم من استفزاز الشرطة
ورجال المخابرات. في
صباح يوم الارض كانت قوات الشرطة وحرس
الحدود تغلق مداخل البلد.
وقد بدا الانقسام
واضحا بين معسكر الشباب الذين احتلوا
الشارع الرئيسي ووقفوا في انتظار الاشتباك
مع قوات الشرطة الذي ما لبث حتى وصل وبين
المنظمين الرسميين الذين احتلوا فيما
بعد المنصات ومكبرات الصوت مطلقين الشعارات
الرنانة والخطابات النارية.
كان يوما جيدا
انتهى باعتقالي مع عشرات الشباب من سخنين
ومن قرى اخرى.
في
تلك الفترة وقفت على بعض التطورات التي
حصلت خلال السنوات الست الماضية.
وكان اهمها تراجع
دور واهمية لجنة الدفاع عن الاراضي التي
اتخذت قرار الاضراب الاول واحياء الذكرى
في السنوات الاولى. وكانت
هذه اللجنة تتمتع بقدر عال من الاحترام.
السيناريو نفسه
تقريبا تكرر في الذكرى السابعة حيث حصلت
مواجهات عنيفة بين مجموعات من الشباب
وقوات الشرطة. ولكن
الانقسام بدا اوضح من قبل وكانت الامور
تسير لصالح الذين ينادون بالركون إلى
الهدوء والاكتفاء باحياء ذكرى يوم الارض
بمسيرة هادئة ومهرجان خطابي.
حسب رأيي يعود ذلك
لسببين رئيسيين: الاول،
تشكيل لجنة المتابعة المكونة من ممثلي
الاحزاب السياسية ولجنة رؤساء السلطات
المحلية والتي بدأت تحل مكان لجنة الدفاع
عن الاراضي. والثاني،
خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان وحالة
التراجع السياسي الذي راافقها على كافة
المستويات وطال جماهير الشعب الفلسطيني
في كافة اماكن تواجده.
وهكذا،
تم ترويض يوم الارض وشباب يوم الارض خلال
اريعين عاما من التراكمات حتى اصبح يوم
الارض في السنوات الاخيرة مجرد ذكرى
بعيدة. المحاولة
الوحيدة لضخ روح نضالية من جديد في يوم
الارض كانت في الذكرى ال٢٤ في عام ٢٠٠٠
حيث قررت الحكومة نقل معسكر إلى مشارف
سخنين وتحت الضغط الشعبي قررت لجنة
المتابعة تنظيم يوم الارض امام المعسكر،
فقامت مجموعة من الشباب بمهاجمة السياج
وتدميره مما جر مواجهات عنيفة مع قوات
الشرطة التي كانت تختبئ في الغابة المجاورة
واسفرت هذه المواجهات عن سقوط الشهيدة
شيخة ابو صالح لتكون الشهيدة السابعة
ليوم الارض. غير
أن االزعامة السياسية استطاعت في نهاية
المطاف ان تحكم قبضتها وتجهض النضال ضد
المعسكر وتقوم بمفاوضات مخزية مع السلطات
تمخضت عن القبول يالمعسكر الذي ما زال
جاثما على صدور البلد إلى يومنا هذا.
لم
يعد لدينا الكثير من الاراضي لمصادرتها.
اليوم نشهد حالة
مستمرة لتغيير طبيعة الاراضي التي صودرت
من خلال وضعها تحت نفوذ المجالس الاقليمية
والبدء بتهويدها. الاراضي
التي تحتاجها سخنين، عرابة، دير حنا
والعديد من القرى الاخرى في المنطقة من
اجل تطورها الطبيعي ومن اجل حل ازمة السكن
المستعصية، موجودة تحت نفوذ (حراسة)
المجلس الاقليمي
مسغاف. وبدلا
من مواجه هذا المجلس ومقاطعته تقوم سلطات
هذه القرى وبعضها يسمى مجازا مدن بالحرص
على التعاون وحسن الجوار معه.
سوف
يتم، عما قريب، احياء الذكرى الاربعين
ليوم الارض. وحسب
قرارات لجنة المتابعة العليا سيكون هناك
اضراب عام، ولكن رجاء لا تقارنوا هذا
الاضراب باضراب يوم الارض الاول.
وسوف تكون هناك
مسيرات يشارك بها الالاف من المثلث وحتى
النقب. ولكن
الرجاء المحفاظة على الهدوء والاستماع
إلى خطابات زعامتكم الحكيمة.
لا
تقلقوا، سوف نستمر بالمطالبة بتوسيع
مناطق النفوذ، وسوف نحتج على هدم البيوت
وهدم القرى في النقب، وسوف ندين ونستنكر
العنصرية وسياسة التمييز، فالذكرى الواحد
واربعين ليوم الارض ليست بعيدة.