مصر
بين الثورة والثورة المضادة
علي
زبيدات – سخنين
لم
يحتفل أحد – تقريبا-بالذكرى
الخامسة لثورة ٢٥ ينابر/
كانون الثاني
المصرية. التطورات
اللاحقة للثورة (استفراد
الاخوان المسلمون بالسلطة ومن ثم الانقلاب
العسكري وانتخاب السيسي رئيسا)
جعلت الكثيرين
يتراجعون عن تأييد الثورة حتى وصل الامر
ببعضهم اعتبارها منذ البداية مؤامرة
دولية تديرها امريكا واسرائيل والصهيونية
العالمية بل وحتى الماسونية.
لم يحتفل آخرون
بالذكرى الخامسة للثورة ببساطة لانهم
اصبحوا جزءا من الثورة المضادة التي
يمثلها نظام السيسي وفلول النظام السابق
الذين يعودون الى مواقعهم والى سابق
عهدهم. وآخرون
لم يحتقلوا بهذه الذكرى لانهم استشهدوا
أو زجوا بالسجون أو لزموا بيوتهم خوقا من
اعمال القع والبطش التي تقودها الاجهزة
الامنية.
لن
ادخل هنا في نقاش عقيم مع اصحاب نظرية
المؤامرة الذين يعزون كل ما حدث في البلدان
العربية في السنوات الخمس الاخيرة الى
مؤامرة دولية تمت حياكة خطوطها في سراديب
السي آي ايه ومراكز ابحاثها السرية ويجعلون
عرابها مرة الفرنسي الصهيوني التافه
برنار هنري ليفي ومرة شخص باسم جين شارب
ويعود بعضهم إلى كيسنجر وبرجينسكس
وكوندليسا رايس وغيرهم وتارة إلى قطر
وقناه الجزيرة. يسمونها
مرة سايكس بيكو الجديدة او الشرق اوسط
الجديد وغير ذلك من الاسماء وجميعها تصب
في نزع مشروعية التمرد على الانظمة الرجعية
الجاثمة على صدور الشعوب العربية منذ
قرون والاستهتار بالطاقات الثورية
الكامنة في هذه الشعوب.
ملايين المصريين
الذين نزلوا الى الشوارع من ٢٥ يناير/كانون
الثاني ٢٠١١ إلى ١١ فبراير ٢٠١١ لم ينزلوا
امتثالا لاوامر أو تعليمات تلقوها من
برنار هنري ليفي أو جين شارب أو هيلاري
كلينتون أو قناة الجزيرة.
بل بعد اربعين عاما
من نظام حسني مبارك وزمرته حيث ساد الفساد
والفقر والقمع ومصادرة الحريات والبطالة.
مع
انتصار الثورة المصرية في مرحلتها الاولى
في ١١ قبراير/ شباط
٢٠١١ عندما اضطر حسني مبارك تحت الضغط
الشعبي للتنحي ، نظمنا في سخنين تحت المطر
مهرجانا فنيا ملتزما كان الاول وربما
الوحيد في فلسطين احتفالا برحيل نظام من
اسوأ الانظمة التي عرفتها شعوبنا العربية.
لقد
كانت ثورة وليست مؤامرة.
غير
أن ثوار ربع الساعة الاخيرة ضيقي الافق
يظنون الثورات نزهة على كورنيش الشاطىء
أو سفرة ترفيهية على اوتوسترادة.
لقد كتبت قبل خمس
سنوات (قبل
اختطاف الاخوان المسلمين للثورة وقبل
اغتيالها من قبل العسكر):
اذا لم تستمر الثورة
لتحقيق كامل اهدافها وخصوصا الحرية
والعدالة الاجتماعية فانها ستتلاشى حتى
تتحول الى نقيضها، إلى ثورة مضادة.
وكنت متشائما منذ
البداية في مقدرة الثورة على الاستمرارية
نظرا لغياب القيادة الثورية .
قبل الاطاحة بالنظام
كان التناقض الاساسي بين الجماهير الشعبية
بكافة انتماءاتها الطبقية والفكرية وبين
النظام، ولكن بعد الاطاحة بالنظام تحول
التناقض الرئيسي إلى صراع داخل فئات الشعب
بعدما تسللت اليه فلول النظام السابق.
وهكذا وخلال خمس
سنوات تحولت اعظم ثورة عرفتها مصر الحديثة
إلى ثورة مضادة. ولكن
هذا ليس ولا يمكن أن يكون نهاية التاريخ.
فما هي خمس سنوات
في حياة الشعوب؟ فها هي الثورة الفرنسية
الكبرى، على سبيل المثال لا الحصر، تتفجر
في عام ١٧٨٩ تقتحم سجن الباستيل، تلغي
النظام الملكي الاقطاعي، تعدم الملك
لتتوقف بعد عشر سنوات لتحل مكانها
امبراطورية نابليون بونابرت، ومن بعده
عادت الملكية البائدة لكي تسقط مرة اخرى
في ثورة ١٨٣٠ والتي انتهت بدورها إلى
ملكية دستورية تمت الاطاحة بها بثورة
عام ١٨٤٨ والتي تمخضت عن امبراطورية جديدة
اطاحت بها كومونة باريس عام ١٨٧٠.
بالاضافة
إلى الاطاحة بنظام مبارك واسقاط نظرية
التوريث نهائيا هناك انجازان عظيمان
لثورة يناير/شباط
٢٠١١ المصرية: اولا:
الثورة هي الطريق
الوحيد لاسقاط النظام الفاسد.
ثانيا:
أن هذه الثورة
ممكنة.
عندما
يجعل النظام الرأسمالي العالمي والانظمة
التي تدور في فلكه في البلدان النامية
عملية التحول السلمي مستحيلة تصبح الثورة
حتمية طال النضال أم قصر.
ومن
مثلنا نحن الشعب الفلسطيني يعرف هذه
البديهية؟ خمسون سنة من "الثورة"
الفلسطينية تمخضت
عن سلطة تجسد كل ما هو مضاد للثورة، فلماذا
لم نستسلم للامر الواقع ونكفر بالثورة
وقيمها ومبادئها؟ فاذا كنا بعد نصف قرن
من النضال نكاد نقف في مكاننا فلماذا نلوم
الثورة المصرية على تراجعها بعد خمس سنوات
فقط؟ما حدث في العالم العربي في السنوات
الخمس الاخيرة بالرغم من فظاعته وبالرغم
من وحشيته وفي كثير من الاحيان وفي كثير
من الاماكن بالرغم من عبثيته ليس سوى
البداية. لتتفجر
الثورات في كل مكان حتى ولو فشلت، لا يوجد
هناك فشل مطلق. الهزيمة
ام الانتصار.
لتكن
الذكرى القادمة للثورة المصرية انطلاقة
جديدة على درب الحرية والاستقلال للشعوب
العربية من المحيط إلى الخليج.