Friday, October 23, 2015

الانتفاضة التي طال انتظارها ويخافها الجميع



الانتفاضة التي طال انتظارها ويخافها الجميع
علي زبيدات – سخنين

منذ فترة ليست بالقصيرة والعديد من المراقبين والناشطين يتوقعون انفجار انتفاضة جديدة تكون الانتفاضة الثالثة من حيث الترتيب. فكلما تفاقم القمع الاسرائيلي ورافقه أو جاء في اعقابه رد فلسطيني مهما كان متواضعا، سارع الكثيرون بالاعلان عن انتفاضة جديدة قد انطلقت، ولكن سرعان ما يتبين بان الرد كان محدودا وعابرا. الاحداث الاخيرة التي تفجرت في الاقصى وفي القدس وامتدت الى مناطق عديدة في الضفة الغربية وقطاع غزة والاراضي المحتلة عام ١٩٤٨ جعلت معظم الناشطين والمراقبين يجمعون على أن الانتفاضة الثالثة قد بدأت بالفعل وانها استمرار لانتفاضة القدس ولاقصى لعام ٢٠٠٠ من حيث شموليتها وتدفقها وتمددها بالرغم من الاختلافات في ظروف واشكال النضال المتبعة.
توقعات انطلاق الانتقاضة ومن ثم انطلاقها بالفعل لا تعني ان الاطراف الرسمية(وغير الرسمية) من كلا الطرفين قد احتضنتها أو رحبت بها. رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس كان قد صرح مرات عديدة، بمناسبة وغير مناسبة، وتقريبا في كل ظهور اعلامي له منذ تبوئه لرئاسة السلطة بانه لن تكون هناك انتفاضة جديدة طالما بقي رئيسا، والحق يقال انه حتى الان قد بر بوعده. فقد زج باجهزته الامنية لمنعها اما مباشرة واما من خلال التنسيق الامني مع الاحتلال الاسرائيلي. حتى عندما كان هذا الاحتلال يتجاوز كافة الخطوط الحمراء من تصعيد اعمال القمع والقتل بواسطة الجيش والمستوطنين مجتمعين او كل على حدة، وتضطر السلطة لادانة هذا التصعيد كوسيلة لامتصاص نقمة الجماهير، كانت الغاية واضحة: منع انطلاق انتفاضة جديدة بكل ثمن.
إلى جانب هذا الموقف الواضح من قبل اقطاب السلطة رأينا هناك موقفا اكثر خطورة عبر عنه العديد من المفكرين المأجورين والمنظرين الذين يدورون في نهاية المطاف في فلك السلطة. هذا الموقف يقيم عاليا صمود ومقاومة الجماهير الفلسطينية كلاميا ولكنه يؤكد من جهة اخرى على خطورة الانتفاضة في هذا الوقتبالذات وعلى هذا الشكل، فمنهم من يدعي أن الانتفاضة تخدم سياسة نتنياهو، بل أن اللجوء الى الانتفاضة هو فخ نصبه نتنياهر للفلسطينيين للخروج من مأزقه على الصعيد الداخلي ومن عزلته على الصعيد الدولي. ومنهم من يحذر من العواقب الوخيمة لهذه الانتفاضة " العفوية التي تفتقر إلى اجندة او برنامج سياسي وتفتقد إلى قيادة حكيمة ومسؤولة”. ومنهم من يجزم ان هذه الانتفاضة نابعة عن يأس ونقمة وغضب وتخلو من الامل والافق. ومنهم من تصل وقاحته لوصف هذه الانتفاضة بالاعمال الصبيانية المتهورة وغير المسؤولة والمزاودة والتي تضرب وحدة الصف الوطنية. والبعض الاخر يذرف دموع التماسيح على الضحايا الذين يسقطون في هذه المعركة غير المتكافئة. احد الكتاب المحسوبين على التيار "الوطني التقدمي" يقول في احدى تحليلاته: ما نراه هو قرارات فردية بدون توجيه او تنسيق، لاشخاص يحملون سكينا لقتل أول يهودي يلاقونه قبل قتلهم. وكاتب آخر معروف بمواقفة التخاذلية وعلاقاته الحميمة بدوائر الفساد في السلطة يأنف من تسمية ما يجرى حولنا بالانتفاضة، ويخترع مصطلحا جديدا جديرا بأن يسجل براءة اختراع على اسمه هو: الاندلاعة.
قيادتنا المحلية تسير وراء خطوات السلطة الفلسطينية والمنظرين الذين يخدمونها. لم يعد سرا ذلك التنسيق بين الحكومة الاسرائيلية والسلطة الفلسطينية و هذه القيادة المحلية تحت رعاية البيت الابيض وما يسمى بالمجتمع الدولي لتهدئة الخواطر وضبط النفس. وما كان الهدف الحقيقي من مظاهرة سخنين الجبارة سوى محاولة للتهدئة وامتصاص الغضب الشعبي من جهة ومحاصرة المظاهرات الشبابية الداعمة للانتفاضة والتي تهدد بالخروج عن السيطرة من جهة اخرى.
على عكس تحليلات مفكرينا العباقرة الذين يدعون بأن انتفاضة جديدة تخدم نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة أظن ان الواقع يشير إلى عكس ذلك تماما. تصرفات نتنياهو وباعتراف اوساط مقربة له وغير محسوبة على المعارضة الاسرائيلية تنم عن هستيريا لا مثيل لها في السابق. فهو يتهم الجميع في اندلاع الانتفاضة: محمود عباس والسلطة الفلسطينية، حماس، الحركة الاسلامية اعضاء الكنيست العرب. وهذه الهستيريا لا تقتصر على اتهام المذكورين بل يترجمها عمليا إلى قوانين عنصرية وقرارات تعسفية مثل توسيع تعليمات الفتح بالنار، رفع العقوبات على رماة الحجارة بدون اي تناسب حتى تصل إلى عشرين سنة سجن، لان الحجر هو سلاح قاتل، بينما السلاح الناري في يد الجندي او المستوطن سلاح لطيف ينال صاحبه وسام شرف عندما تكون الضحية فلسطيني. ومؤخرا وصلت هستيريته اوجها مما اقلق اكثر المقربين اليه عندما صرح بان هتلر لم يرد ايادة اليهود واراد فقط تهجيرهم وأن الذي اقنعه بالمحرقة هو أمين الحسيني، وبذلك يهز اسس الرواية الاسرائيلية حول المحرقة التي طالما استعملت لابتزاز المانيا والعالم. هذه الهستيريا طالت إلى هذه الدرجة وتلك معظم اوساط المجتمع الاسرائيلي.
واخيرا استغرب من الاطلاق على هذه الانتفاضة، عن حسن أو سوء نية، تسمية انتفاضة السكاكين. السكين كالحجر والزجاجة الحارقة وعمليات الدهس، جميعها اسلحة الشعب الاعزل وجميعها مستعملة في هذا الصراع الشرس الذي لا يعرف الرحمة. من الغريب جدا التركيز على السكاكين وتجاهل آلة الحرب الاسرائيلية الفتاكة التي تستخدم اعتى الاسلحة واكثرهاتطورا. هل يوجد لدى دعاة النضال المدني السلمي سلاحا سحريا لمواجه آلة القتل الاسرائيلية المكونة من الدبابة والطائرة الحربية والصواريخ والقنابل الفسفورية وغيرها من الاسلحة الجهنمية؟
قد لا يكون مصير هذه الانتفاضة الجديدة افضل من مصير الانتفاضات التي سبقتها ولكنها جاءت لتؤكد المبدأ الخالد الذي يقول: الوجود مقاومة.


No comments: