الحروب
الصليبية في العصر الحديث
علي
زبيدات – سخنين
هذه
المقالة القصيرة المتواضعة ليست عودة
للخوض بالحروب المعروفة بهذا الاسم والتي
شنتها بعض الدول الاوروبية على بلدان
المشرق العربي منذ نهاية القرن الحادي
عشر وحتى نهاية القرن الثالث عشر.
وهي ليست بالضرورة
بصدد مقارنة بين تلك الحروب وبين الحروب
الدائرة اليوم من قبل تلك البلدان وعلى
بقعة الارض ذاتها كما قد يوحي العنوان.
لقد كتب عن الحروب
الصليبية عشرات وربما مئات الكتب التي
تناولتها بالوصف والتحليل من كافة جوانبها،
تعبر عن توجهات عديدة مختلفة وفي كثير من
الاحيان متناقضة ونشرت في معظم لغات
العالم. من
هنا فإن مقالة صحفية كهذه لن تقدم أو تأخر
شيئا في فهم هذه الحروب ولا أظن انها ستأتي
بأي جديد في هذا الشأن.
كنت
وما زلت أؤمن بأن جميع الحروب القديمة
والحديثة التي اتخذت اشكالا دينية،
عقائدية أو ايديولوجية جوهرها واحد وهو
مادي اقتصادي. وما
زلت أؤمن بأن العلاقة بين الشكل والجوهر
هي علاقة جدلية لا يمكن فصمها تقوم على
الوحدة والصراع بين قطبيه.ا
فلا الشكل يوجد من غير جوهر ولا الجوهر
يوجد من غير الشكل. كل
ما هنالك قد يطغى أو يهيمن احد الفطبين
على الاخر حسب الملموسة والحالة التاريخية
وحسب الادراك الذاتي للفرد.
وهذه النظرة حسب
رأيي تنطبق على كافة الحروب.
ربما كان الشكل
الديني في الحروب الاسلامية الاولى،
والتي سميت فتوحات، هو الغالب ولكن سرعان
ما برز الجوهر المادي الاقتصادي وغير
مسار التاريخ. على
سبيل المثال لا الحصر، باعتراف العديد
من المؤرخين المسلمين، النزاع على الغنائم
في معركة بواتييه- بلاط
الشهداء الذي كان احد اسباب الهزيمة.
الثراء الفاحش
نتيجة لهذه الحروبات كان سببا في نهوض
وتطور الحضارة الاسلامية وفي الوقت نفسه
كان سببا في انحطاطها.
اليوم يتفق معظم
المؤرخين على ان الحروب الصليبية القديمة
التي شنت تحت شعارات دينية تتعلق بتأمين
طريق الحج للاراضي المقدسة وحماية المؤمنين
والاماكن المقدسة كانت شكلا شفافا لم
يستطع حجب الجوهر الذي اساسه النهب والسلب
واحتكار الثروات.
اكثر
من سبعة قرون تفصلنا عن الحروب الصليبية
تلك، ولكن يأبى امراء الحرب الجدد إلا أن
يذكروننا بها في كل حروباتهم.
فها هو الجنرال
الانجليزي اللنبي يقول بعد احتلال القدس
في اعقاب الحرب العالمية الاولى:”الان
انتهت الحروب الصليبية".
اما الجنرال الفرنسي
جورو الذي دخل دمشق بعد الحرب ذاتها فقد
قال:” ها
قد عدنا يا صلاح الدين".
وقبل هذين التصريحين
كانت الدول الاوروبية الاستعمارية تنهش
بشراسة في جسد الرجل المريض (تركيا)
مستخدمة مصطلحات
دينية لكي تغطي على مصالحها الدنيوية.
فقد اخترعت بدعة
حماية الاقليات الدينية لكي تزيد من نفوذها
وهيمنتها، فنرى القيصر الروسي بطالب
ويحصل على حماية الارثوذكس في الشرق،
وفرنسا تسوق نفسها كحامية للكاثوليك
(الموارنة)
ووصلت السخرية بأن
تطالب بريطانيا بحماية دروز لبنان، ولا
ادري أو احد يدري ماهي نوع القرابة بينها
وبين الدروز، هذا بالاضافة الى حماية
اليهود ومنحهم من خلال وعد بلفور الحق في
اقامة دولة لهم.
وما
كاد هذا الفصل ينتهي حتى جاء الرئيس
الامريكي بوش (الاب
والابن) لاحياء
هذا المصطلح واستعماله خصوصا في اعقاب
اعلان الحرب على "الارهاب
الدولي". وتحت
راية الصليبية الحديثة شن حربا الامبريالية
على افغانستان والعراق.
مع ان جوهر هذه
الحروب كان واضحا لكل من يريد أن يرى وهو
فرض الهيمنة على مصادر النفط والغاز.
واليوم يقف الجيش
الروسي على خط الحرب الصليبية في تدخله
العسكري المباشر في سوريا حيث باركت
الكنيسة الروسية الجيش المدجج باحدث
الاسلحة الفتاكة الذي سوف يقدم الحماية
للنصارى الارثوذكس في سوريا.
من
هنا تصبح الطريق قصيرة للاعتقاد بأن الحرب
الصليبية يجب أن تواجه بحرب جهادية.
واذا اضفنا إلى
هذه الصورة ما تقوم به دولة اسرائيل في
القدس والاقصى وما يقوم به قطعان المستوطنين
المتدينين تصبح الصورة على شكل حرب دينية
عالمية. والحالة
هذه من يعد يهتم بجوهر الحرب أو بطبيعتها؟
من يستطيع ان يخترق ببصره هذا الضباب ويرى
الحقيقة؟ ومن الذي يستطيع ان ينفض هذا
الغبار الغيبي الذي يغطيه من رأسه إلى
اخمص قدمية ويلامس شغاف قلبه؟.
الحروب
التىي تشنها الدول الرأسمالية العظمى،
من غير استثناء، هي حروب امبريالية هدفها
الهيمنة ونهب خيرات الشعوب وهي من أجل
ذلك مستعدة لاستخدام كافة انواع القتل
والعنف والجرائم وتستعمل اعتى الاسلحة
الحديثة من غير أي وازع اخلاقي.
والحروب التي تشنها
الانظمة والقوى الرجعية هي حروب رجعية
هدفها الحفاظ على سلطتها وامتيازاتها
ولو كانثمن ذلك التحالف مع القوى الامبريالية
ولو ادى الى قتل الشعب وابادته.
الحروب الوحيدة
العادلة هي الحروب التي تشنها الطبقات
الكادحة والشعوب المضطهدة من اجل حريتها
واستقلالها. وهي
الجهات الوحيدة القادرة على اخضاع شكل
الحرب لجوهرها. فعندما
يكون الجوهر هو الحرية والاستقلال فإن
الشكل لا بد الا أن يكون تقدميا وانسانيا
بل سيكون رومنسيا ثوريا.
No comments:
Post a Comment