الخيط
الرفيع بين وعد بلفور وبين وعود اقامة
الدولة الفلسطينية
علي
زبيدات – سخنين
نص
تصريح بلفور:
"وزارة
الخارجية
في
الثاني من نوفمبر/تشرين
الثاني سنة ١٩١٧
عزيزي
الامير فيصل
يسرني
جدا أن ابلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته،
التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على
أماني العرب والفلسطينيين،
وقد عرض على الوزارة واقرته:
ان
حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى
تأسيس وطن قومي للشعب الفلسطيني في
فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل
تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا انه
لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق
المدنية والدينية التي تتمتع بها
الطوائف غير العربية المقيمة الآن
في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي
الذي يتمتع به العرب في البلدان الاخرى
وسأكون
ممتنا إذا ما احطم القيادة العربية
علما بهذا التصريح
المخلص
ارثر
جيمس بلفور"
طبعا،
لا شك انكم لاحظتم،ك من تحفظون تصريج
بلفور عن ظهر قلب، أن هذا النص لا يمت بصلة
للنص الاصلي الحقيقي. انه
مجرد نص خيالي وهمي، ولكن لا ضير، بصفتنا
شعب قد اكتسب اعترافا دوليا بالخيال
الشرقي الجامح وباللهث وراء الاوهام في
كل واد وصحراء. لنطلق
عنان خيالنا للحظة واحدة ونتصور ان هذا
النص هو النص الاصلي ونحاول ان نجيب:
هل كانت ستقوم دولة
فلسطينية في فلسطين التاريخية؟
لا
ادري اصلا لماذا يستعمل جميع المؤرخين
والسياسيين والكتاب العرب كلمة وعد كترجمة
للكلمة الانجليزية declaration
، أي تصريح المستعملة
في كافة اللغات الاخرى، هل هي صدفة أم
هناك غاية ما لا نعرفها؟ حسب رأيي المتواضع،
كلمة تصريح افضل بكثير من كلمة وعد لأن
كلمة وعد تحمل مشحونا عاطفيا وتوحي بموقف
شخصي يحتمل الايفاء به ويحتمل نكثه.
اما التصريح فيعبر
عن موقف سياسي مدروس بغض النظر عن الشخص
الذي صرح به مهما كان منصبه الرسمي.
كلمة وعد تتيح
لمستعمليها اضافة الصفات التي يريدونها
ككلمة مشؤؤم التي اصبحت صفة ملازمة لوعد
بلفور، وكأن باقي القرارات ليست مشؤومة،
ولكنها لا تبرز مسؤولية الحكومة البريطانيية
كما لو استعملنا كلمة تصريح.
لذلك سوف اخرج عن
السرب واستعمل كلمة تصريح.
صدر
تصريح بلفور، وزير الخارجية البريطاني
حينذاك، في الثاني من نوفمبر سنة ١٩١٧ أي
قبل ما يقارب القرن، ولكن الاعداد له بدأ
قبل ذلك بسنوات. وجاء
الاعلان عنه كخلاصة للسياسة الاستعمارية
البريطانية في المنطقة، سبقته الاتصالات
مع الشريف الحسين واحتواء الموقف العربي
الرسمي، ومعاهدة سايكس – بيكو حول تقسيم
الورثة العثمانية. لم
يكن الدور الحاسم في اصدار هذا التصريح
للحركة الصهيونية، كما يزعم يروج له
العديد من المؤرخين، من خلال ممارستها
للضغط على الحكومة البريطانية، فقد كانت
هذه الحركة في ذلك الوقت أضعف من أن تمارس
اي ضغط. ولم
يكن السبب رغبة بريطانيا في كسب رضا يهود
اوروبا في الحرب ضد المانيا او استغلال
النفوذ اليهودي في امريكا للضغط عليها
لدخول الحرب أو مكافأة لوايزمن على
اختراعاته التي استعملتها بريطانيا في
الحرب، أو تعاطفا مع يهود اوروبا لما
لاقوه من اضطهاد وملاحقة.
خصوصا وان بلفور
نفسه ورئيس حكومته لويد جورج لم يكونا
معروفيين بحبهما لليهود بشكل عام وليهود
بريطانيا بشكل خاص. حسب
رأيي كان هناك سببان اساسيان للاعلان عن
هذا التصريح: الاول،
منع تدفق هجرة يهود روسيا واوروبا الشرقية
إلى بريطانيا قبل، اثناء، وبعد الحرب
وتحويلهم إلى اي مكان آخر.
الثاني، ملأ الفراغ
الذي خلفته تركيا في المنطقة بكيان
كولونيالي يحمل كافة صفات الاستعمار
البريطاني. من
هنا عملت بريطانيا بسرعة وبجد لجعل مضمون
هذا التصريح سياسيتها الرسمية في فلسطين
عن طريق كسب موافقة فرنسا وايطاليا
وامريكا، ومن ثم في مؤتمر سان ريمو واخيرا
بواسطة عصبة الامم المتحدة باتخاذ قرار
الانتداب عام ١٩٢٢.
منذ
صدور قرار الانتداب عام ١٩٢٢ وحتى الاعلان
عن اقامة دولة اسرائيل عام ١٩٤٨، عملت
بريطانيا كل ما تستطيعه لتحقيق سياسيتها
التي تضمنها تصريج بلفور.
المأساة أن الزعامة
العربية والزعامة الفلسطينية المحلية
قد صدقت كذبة بريطانيا بأن الانتداب ليس
احتلالا بل هو عبارة عن وصاية حتى يصبح
شعب البلاد قادرا على الاستقلال، واكثر
من ذك، فقد حاولت هذه الزعامة ان تقنع
بريطانيا بانها سوف تخدم مصالحها افضل
من الحركة الصهيونية. ولكن
بريطانيا التي كانت تعلم مدى تخلف وضعف
هذه الزعامة لم تقتنع، وتمسكت اكثر واكثر
بالحركة الصهيونية، بقيت هذه النظرة هي
السائدة حتى ظهرت حركة الشيخ عزالدين
القسام والتي قلبت المعادلة بأن قالت بكل
بساطة: لا
يمكن محاربة الصهيونية من غير محاربة
الاحتلال البريطاني. لقد
كان من الممكن اسقاط السياسة البريطانية
لو تم التعامل معهامنذ البداية كقوة
احتلال. واكبر
دليل على ذلك اضطرارها لبعض التراجع كلما
ازداد منسوب المقاومة الشعبية منذ السنة
الاولى للانتداب اضطر تشرشل وزير المستعمرات
حين ذاك إلى اصدار ما يسمى الكتاب الابيض
الاول لطمأنة المواطنين، وفي نهاية
العشرينات وبداية العشرينات اضطرت
بريطانيا للتراجع بعض الشيء عن سياستها
لامتصاص نقمة الجماهير قبيل وبعد ثورة
البراق. كما
فرضت ثورة ١٩٣٦-١٩٣٩
مرة اخرى على بريطانيا التراجع.
ولكن غياب القيادة
الوطنية الثورية وخيانة الانظمة العربية
الرجعية أو تواطؤها فتحت الابواب امامها
على مصراعيها لتواصل سياستها وتحقيق
غاياتها الاستعمارية.
الطريق
كان واضحا امام كل من يريد أن يرى:
كلما تصاعدت
المقاومة كلما تقهقر الاحتلال.
والعكس صحيح، كلما
تراجعت المقاومة كلما استشرس الاحتلال.
كان
هذا الطريق صحيحا في ظل الاحتلال البريطاني
وما زال صحيحا في ظل الاحتلال الاسرائيلي.
لن يكون هناك وعد
بلفور فلسطيني من أي طرف كان في العالم،
ليس من قبل الامم المتحدة ولا من قبل
امريكا والاتحاد الاوروبي ولا من قبل
الاحتلال الاسرائيلي.
ولكن يوجد هناك
طريق المقاومة الفلسطينية.