Wednesday, March 04, 2015

من الكنيست إلى الكونغرس وبالعكس



من الكنيست إلى الكونغرس وبالعكس
علي زبيدات – سخنين

مشاهد احتفاء اعضاء الكونغرس في واشنطن برئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو لا تثير القرف والغثيان فحسب بل تحتم أيضا اعادة النظر في جوهر الديمقراطية الغربية التي يقدسها غالبية المثقين العرب وينافقها رجال السياسة. هل الكونغرس حقا اكثر المؤسسات الديمقراطية عراقة في العالم؟ وهل هؤلاء الذين وقفوا مصفقين لنتنياهو وكأنه حل عليهم من كوكب آخر يمثلون اقوى دولة في العصر الحديث والتي تسمى مجازا زعيمة العالم الحر؟
لست هنا بصدد الخوض في مساوئ وسلبيات هذه الديمقراطية التي يعترف بها ويروج لها من يسمون انفسهم دبمقراطيين مرددين، في احسن الحالات، ما قاله احد اكبر زعماء الديمقراطية اللاديمقراطيين ونستون تشرتشل:" الديمقراطية اسوأ النظم السياسية ولكن لا يوجد نظام آخر افضل منها". فهذا الموضوع تعج به الدراسات والكتب السياسية على انواعها وغاياتها. ما يهمني هنا هو اثارة مشكل الديمقراطية كقيمة اخلاقية قبل ان تكون مصطلحا سياسيا واجتماعيا تتناقض ممارستها مع نظريتها.
تنبع مشكلتي مع الديمقراطية من إن جميع مفكريها ومنظريها عرضوها علينا عالميا وعربيا بانها النقيض للديكتاتورية ومن ثم البديل لها وليس كما هي في الواقع: شكل آخر من اشكال الديكتاتورية. للتوضيح فقط: انظمة الحكم تختلف فيما بينها كثيرا أو قليلا ولكنها لا تصل إلى درج تتناقض. النقيض لنظام الحكم (بغض النظر عن شكله) هو نفيه، الغائه وليس تغيير شكله. الديمقراطية كما هو متعارف عليها هي شكل من اشكال الحكم كما أن الديكتاتورية، الارستقراطية، الثيوقراطية وغيرها هي الاخرى شكل من اشكال الحكم. طبعا، من الشرعي جدا المقارنة بينها وبين باقي الاشكال وتفضيلها على غيرها ولكن هذا لا يجعلها النظام الامثل والدليل على ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، ما اتحفنا به الكونغرس الامريكي مؤخرا وما نعرفه ونلمسه من سياسات الاخ الاصغر٬ الكنيست الاسرائيلي.
الديمقراطية هي ديكتاتورية الاغلبية. وهذه الاغلبية هي في جميع الحالات اغلبية نسبية وفي معظم الحالات هي اغلبية وهمية أو مزيفة. لنأخذ انتخاب الرئيس الامريكي مثلا: لا يشارك نصف السكان تقريبا في هذه الانتخابات. ينال المرشح الفائز عادة اكثر بقليل من نصف الاصوات. والنتيجة هي أن الرئيس المنتخب لا يمثل اكثر من ربع السكان الا قليلا. طبعا هذا بدون أن نأخذ عوامل اخرى بالحسبان مثل غياب الوعي والجهل وصرف الاموال الطائلة على الرشوات والفساد والوعود وغيرها. الامر نفسه ينطبق على اعضاء الكونغرس المصفقين. وبالتالي يقولون لنا هذه ارادة الاغلبية أو هذه ارادة الشعب. العملية نفسها سارية المفعول في الديمقراطية الاسرائيلية في انتخابات الكنيست: الحزب الاكبر عادة لا يتجاوز نسبة ٢٠٪ من المصوتين (٢٤ عضو من مجموع ١٢٠) الذين تتراوح نسبتهم من السكان ٥٠-٦٠٪ فقط. وتشكيل إئتلاف من نصف النواب أو اكثر قليلا لا يكون سوى أغلبية مزيفة ليس فقط بسبب اسقاط غير المصوتين من الحساب بل لأن الائتلاف الحكومي بقوم على تقاسم الغنائم فقط ولا يشكل جسما واحدا.
مع كل الاحترام والتقدير للديمقراطية اليونانية القديمة (التي استثنت اكثر من نصف المجتمع: العبيد والنساء) ولمفكري عصر النهضة والثورات البرجوازية في اوروبا من امثال جون لوك، جان جاك روسو،مونتسكيه وغيرهم الذين شرعوا من حيث يدرون او لا يدرون اضطهاد طبقة لطبقة اخرى واضطهاد شعب لشعب آخر، فإن الديمقراطية قد تكون افضل النظم السياسية الموجودة ولكنها ليست جيدة بما فيه الكفاية لدرجة الفبول بها والتوقف عن السعي للتحقيق اقضل منها. ما دامت الانتخابات كما نعرفها تشكل العمود الفقري لهذه الديمقراطية، هذه الانتخابات التي تسفر عن انتخاب اشخاص مثل هتلر وموسيليني وتشرشل وبوش ونتنياهو ومن هم على شاكلتهم فمن الضروري اعادة النظر بكل ما يمت اليها بصلة.
مع الاعتذار لجورج برنارد شو الذي قال:" من عيوب الديمقراطية انها تجبرك على الاستماع إلى رأي الحمقى"، لن استمع لرأي الحمقى الذين يصفقون لمجرم حرب بل هم انفسهم مجرمو حرب في افغانستان والعراق وسوريا وفلسطين وغيرها من بلدان العالم. ولن استمع لرأي حمقى الكنيست المهووسين بارتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني وضد الانسانية.
ديمقراطية الكنيست وديمقراطية الكونغرس التي تقوم عى اثارة الحروب والصراعات والفتن الدينية والطائفية لا تمثلني. الديمقراطية التي تقوم على العنصرية والتمييز والاستغلال والقمع باسم القانون الذي سنه الحمقى لا تمثلني. انتخابات الكنيست التي تعطي بعض الفلسطينيين الحق في اختيار من من الطبقة الصهيونية السائدة سوف يستمر في تشريد وقمع باقي الشعب الفلسطيني لا تمثلني ويجب مقاطعتها.

No comments: