خارطة
لطريق الضياع
علي
زبيدات – سخنين
تتسارع
الاحداث وتدفق من كل الاتجاهات حتى فقدنا
القدرة على متابعة مجرياتها، ولا اقول
فقدنا القدرة على ادراكها لاننا كنا وما
زلنا عاجزين عن ذلك حتى عندما كانت تجر
قدميها بطيئة متكاسلة أمام اعيننا.
بعد شهرين من اضراب
الاسرى الاداريين قررنا انه حان الاوان
لتنظيم يوم غضب لنصرتهم.
وقبل أن نغضب ونحرق
الاخضر واليابس قرر الاسرى فك اضرابهم
عن الطعام رحمة بنا وعدم احراجنابحمل ما
يفوق طاقاتنا. تذكرت
بمرارة، ما حدث قبل خمسة اعوام عندما قررت
زعاماتنا الرد على العدوان الاسرائيلي
في غزة بعد أن شارف هذا العدوان على نهايته،
كما يقول مثلنا الشعبي:
رايح عالحج والناس
راجعة. ولكن
لنفرض أن اضراب الاسرى استمر الى ما بعد
يوم غضبنا المقرر يوم الجمعة القريب فكيف
سيكون يوم الغضب هذا يا ترى؟ تجمهر بعض
مئات من الاشخاص قد يصلون إلى الف وقد لا
يصلون على مفرق أم الفحم والهتاف ضد
الجرائم الاسرائيلية، هل هذا هو الغضب؟.
ستون يوما والامعاء
الخاوية تصرخ وتستنجد، حشونا الانترنت
وصفحات الفيسبوك بالشعارات والبيانات
وعندما كنا نخرج من هذا العالم الافتراضي
الى العالم الحقيقي كانت تتكشف عوراتنا
ونبدو على حجمنا الطبيعي:
بعض الاشخاص يقفون
حول دوار يرفعون لافتات ويهنفون بعض
الهتافات لمدة نصف ساعة وبعضن المتحمسين
يقفون لمدة ساعة كاملة، وفي النهاية نطلب
جمع الشعارات ونهنئ بعضنا البعض:
بالله يعطيكوا
العافية. ونفترق.
في سخنين، وأظن
الوضع في باقي القرى والمدن العربية
متشابه، كنت شاهدا على اربعة اعتصامات
على الاقل من هذا النوع.
لكل حزب اعتصامه،
وفي بعض الاحيان كان احد الاحزاب ينتقل
الى دوار آخر لأنه علم بأن حزبا آخرا سوف
"يعتصم"
حول هذا الدوار.
وها هي بعد شهرين
تتفق "كافة
مركبات لجنة المتابعة"
أي الاحزاب السياسية
على تنظيم يوم موحد يسمى "يوم
الغضب" لنصرة
الاسرى على مفرق ام الفحم.
وكأن
ذلك لا يكفي، فقد جاءت قضية اختطاف
المستوطنين الثلاثة. حيث
اخرجت السلطات الاسرائيلية من جعبتها ما
كانت تبيته من تنكيل فاجتاحت المدن والقرى
الفلسطينية في الضقة وفرضت على بعضها
حصارا خانقا، اعتقلت المئات وجرحت اعشرات
وسقط شهداء. وجاء
تصريح رئيس السلطة امام وزراء خارجية
الدول الاسلامية، قبل أن يعرف هو أو غيره
ماذا جرى حقيقة، بأن من قام بهذا العمل
هدفه أن يدمرنا ووعد قوات الامن الاسرائيلية
بمساعدتها في البحث عن المختطفين والوصول
الى الخاطفين. ولم
ينتطر طويلا فقد اصدر اوامره الى اجهزته
الامنية بتقديم كل الدعم المطلوب لقوات
الاحتلال التى اجتاحت رام الله نفسها.
فما كان امام شباب
رام الله الا مواجهة هذه الاجهزة كما
يواجهون اجهزة الاحتلال.
هنا ايضا اشبعنا
اسرائيل بالادانات الكلامية ولم نحرك
ساكنا.
وتصل
وقاحة وغطرسة الحكومة الاسرائيلية لأن
تبعث بأمهات المختطفين الثلاثة لعرض
معاناتهن على العالم امام لجنة حقوق
الانسان التابعة للامم المتحدة في جينيف،
وكأن للاسرى الفلسطينيين وللشهداء لا
يوجد امهات واذا وجدن فلا يعانين كالام
"اليهودية"
المشهورة بحرصها
وحنانها. متى
سيكون لدينا مسؤول يتحلى ببعض الوقاحة
والغطرسة ويبعث الى جنيف مثلا والدة
الشهيد محمد دودين ابن ال١٤ ربيعا والذي
قتل بدم بارد؟.
بالاضافة
الى هذا الهم الوطني العام تتسارع وتتدفق
الاحداث على صعيدنا المحلي، وما من حراك
يرتقي الى مستوى هذه الاحداث.
وكل حدث بحاجة الى
ايام غضب وليس الى يوم واحد.
حيث تتواصل سياسة
التهجير وهدم البيوت من النقب مرورا باللد
ويافا وقلنسوة وحتى عكا ورمية وسخنين.
هذا ناهيك عن
القضايا الاخرى التي تعصف بمجتمعنا من
بطالة وفقر وعنف وقتل على خلفية ما يسمى
بشرف العائلة.
الضياع
يكاد أن يكون شاملا ودروبه كثيرة ومتشابكة
ولا بد من رسم خارطة لطريق الضياع هذا.
لا احد يملك حلولا
نهائية أو سحرية لأية من هذه القضايا
المصيرية. ولكن
النجاة من حالة الضياع والتيه هذه تتطلب
تضافر كافة الجهود الفردية والجماعية
الهادفة والواعية.