قلقيلية،
الجدار ونحن
على
زبيدات
أمضيت
معظم الاسبوع الاخير في مدينة قلقيلية
وفي بعض القرى التابعة لها برفقة صحفية
هولندية جاءت لكي تحضر تصوير فلم وثائقي
عن الجدار يبث في احدى القنوات الهولندية
الرئيسية. وبينما
كنا جالسين مع رئيس قسم العلاقات العامة
في بلدية قلقيلية وبعض الموظفين وصل
صحفيان قادمان من كندا للغاية نفسها وقد
انضما الينا في جلسة نقاش وحوار عن الجدار
استمرت بضع ساعات. وقد
علمنا أنه في السنة الاخيرة قد زار قلقيلية
ومحافظتها وفود من بلجيكا، الدنمارك
وفرنسا برفقة طواقم تصوير.
طبعا هذه الوفود
والطواقم التلفزيونية والصحفية الاجنبية
لن توقف جدار الفصل العنصري ولن تزحزحه
من مكانه قيد انملة ولكن ذلك يعكس اهتمام
العالم بالجدار الذي بدأ بناءه في هذه
المنطقة بالذات منذ أكثر من ١٠ سنوات.
بصفتي
متابع لوسائل الاعلام العربية المحلية
لا أظلم احدا اذا قلت أن موقفنا من هذا
الجدار مخزي للغاية يتراوح بين اللامبالة
المطلقة وبين التجاهل المقصود.
ولا انكر أنني شعرت
بالخجل وانا اتكلم مع الصحفيين الاجانب
عن مدى اهتمامهم بالقضية الفلسطينية بشكل
عام وبقضية الجدار بشكل خاص.
في الحقيقة شعرت
أيضا ببعض الخجل من نفسي حيث كنت اعتبر
نفسي من المطلعين والمهتمين بقضايا جدار
الفصل العنصري، وحتى هذه التسمية لا
توافيه حقه، وتبين بعد أن تكلمت مع العديد
من المزارعين والعمال والموظفين والطلاب
والشباب بإني أكاد لا اعرف شيئا.
لن
اتوقف هنا عند المعلومات العامة عن الجدار
والتي يمكن معرفتها في العديد من المواقع
الاعلامية، هذه المعلومات التي طالما
استعملناها في دعايتنا المتحجرة ضد الجدار
والتي تكاد لا تصل الى قلوب ومشاعر احد:
حول آلاف الدونمات
المصادرة لاقامة الجدار نفسه والطرق
الالتفافية وحول الاف الدونمات الزاعية
التي بقيت خلف الجدار واصبح مجرد الوصول
اليها قضية قائمة بذاتها وحول آلاف الاشجار
التي اقتلعت وشبكات الري التي دمرت.
ولكني سأكتفي هنا
ببعض الحالات التي تخترق الحيز الوطني
على اهميته لكي تصبح حالات انسانية صرفة.
الجدار
المتعرج الذي يحاصر قلقيلية وبعض قراها
كان، من ضمن اهدافه، تأمين حياة سعيدة
لمستوطنة الفي منشيه والتي تعتبر ثالث
أكبر مستوطنة في الضفة الغربية.
وقد ابقى هذا الجدار
بعض القرى الفلسطينية في الجانب الاسرائيلي
من بينها تجمعين بدويين هما عرب ابو فردة
وعرب الرمادين. الوضع
في هذين التجمعين لا يوصف:
لا ماء، لا كهرباء
ولا مدارس أو خدمات طبية.
يكفي أن تقف على
ارض عرب ابو فردة وتلقي نظرة على الفي
منشيه لكي تجد نفسك امام منظر سوريالي لا
يمكن فهمه. جمعية
الاغاثة الطبية في قلقيلية تقوم مرة كل
اسبوعين بزيارة هاتين القريتين وتقدم
بعض الخدمات الطبية للسكان بواسطة عيادة
متنقلة تقدم ابسط الخدمات.
انضممنا، أنا
والصحفيين الاجانب الى هذه الزيارة.
للوصول الى هاتين
القريتين لا بد من المرور عبر الحاجز.
إحدى المجندات
على الحاجز طلبت بأدب جوازات السفر من
الصحفيين الاجانب، في المقعد الخلفي من
السيارة كانت تجلس سيدة عربية من قلقيلية،
هي التي تدير اعمال جمعية الاغاثة الطبية،
وحاصلة على تصريح لعبور الحاجز.
فما كان من المجندة
الا الصراخ في وجهها:"افتح
الشباك، أين التصريح؟"
فأجابت السيدة:
"لماذا تصرخين
هكذا؟بامكانك الطلب من غير صراخ، ها هو
التصريح".أمام
هذا الموقف لم استطع السكوت فقلت للمجندة
باللغة العبرية: ألا
تخجلين؟ انها في سن أمك".
فأجابت بكل وقاحة:
"ولكن أمي ليست
عربية". وكان
ثمن تدخلي التوقف جانبا والتعرض لتفتيش
دقيق وشامل. لقد
مررنا عبر هذا الحاجز ثلاث مرات وفي كل
مرة كانت هناك حادثة لا علاقة لها بالامن
كما يدعون ولكن اهانة من أجل الاهانة لا
غير. تصوروا
حياة من يضطر لعبور هذا الحاجز يوميا.
زرنا
قرية تدعى عزون عتمة أو بالاحرى اردنا
زيارتها لتوصيل طالب يتعلم في قلقيلية
الى بيته. وصلنا
مدخل القرية الذي هو عبارة عن بوابة مغلقة
يحرسها مجموعة من الجنود.
توقفنا للفحص.
فقال الجندي
المسؤول: "انت
تملك هوية اسرائيلية ممنوع الدخول بتاتا،
وانتم الصحفيين الاجانب يجب أن تحصلوا
على تصريح من الادارة المدنية، فقط سكان
هذه القرية يستطيعون الدخول".
للمعلومات فقط
قرية عزون عتمة مغلقة من جميع النواحي
بالجدار والمخرج الوحيد هو تلك البوابة.
زرنا
قرى أخرى: حبلة،
راس عطية، كفر ثلث، النبي الياس، عزبة
طبيب، جيوس وقرى أخرى لم نستطع زيارتها
اما لضيق الوقت واما بسبب الحواجز.
وفي كل قرية يوجد
هناك حكاية بل حكايات.
تكلمنا مع الكثيرين
وكل واحد كان يحكي لن اعن تجربته الخاصة
مع الجدار ومع الحواجز ومع المستوطنين.
السلطة الفلسطينية
لا تحرك ساكنا وتكتفي بالشجب والادانة
اللفظية نهارا والتنسيق الامني ومطاردة
المقاومين ليلا. ما
يسمى بالمجتمع الدولي هو الآخر يقتصر على
ترديد بعض عبارات اللوم اللطيف حول لا
شرعية الجدار وعرقلته لل"عملية
السلمية". ونحن
هنا نغط في بحر من اللامبالاة.
لماذا لا نتحرك
ابتداء من الطيبة والطيرة وجلجولية وكفر
قاسم التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة
عن قلقيلية وقراها وانتهاء بالناصرة
وسخنين وباقي المدن والقرى العربية؟.