الايدي
الملطخة بالدماء الزرقاء
علي
زبيدات – سخنين
أليس
من سخرية الاقدار أن يتم اطلاق سراح٢٦
أسيرا فلسطينيا، "ملطخة
أيديهم بالدماء" حسب
القاموس الاسرائيلي، بينما تحيي الجماهير
الفلسطينية ذكرى مجزرة كفر قاسم؟ لم تكن
هذه المجزرة كما يعرف الجميع الاولى في
تاريخ الشعب الفلسطيني المعاصر التي
ارتكبتها العصابات الصهيونية التى تحولت
الى دولة محترمة يطلب ودها القاصي والداني،
بل سبقتها مجازر عديدة، ولم تكن الاخيرة
فقد أعقبتها مجازر عديدة وكل الدلائل
تشير إلى انها لن تتوقف مستقبلا أيضا.
علي كل حال، لست
هنا بصدد ذكر كافة هذه المجازر إو قياس
كمية الدماء المسفوكة من الشعب الفلسطيني
ولكن الخلاصة التي لا بد أن يتوصل اليها
كل مراقب يتحلى بالقليل من الموضوعية:
إذا كانت أيدي
هؤلاء الاسرى المحررين ملطخة بالدماء
فإن أجسام آسريهم من قمة رؤوسهم إلى أخمص
أقدامهم تقطر بالدماء.
ولكن يبدو أن دماء
الاسرائيليين على غرار دماء ملوك ونبلاء
القرون الوسطى هي دماء زرقاء، كيف لا وهم
يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار؟ بينما
دماء الفلسطينيين ليست حتى حمراء كباقي
دماء البشر بل هي أشبه ما تكون بالمياة
المسكوبة سدى على جوانب الطرقات.
هذا بالطبع من غير
التطرق الى أسباب سفك الدماء من كلا
الطرفين إذ لا يعقل المقارنة بين من يدافع
عن نفسه وبيته وأرضه وبين من يغزو ويشرد
الآخرين ويحتل وطنه.
بما
أن هذه المسألة حساسة جدا بالنسبة للجميع،
أقترح مد خط فاصل بين إطلاق سراح الاسرى
على الصعيد الشخصي وبين تجارة الاسرى أو
عملية التبادل التجاري بالاسرى بين السلطة
الفلسطينية ودولة إسرائيل.
على الصعيد الشخصي،
إطلاق سراح كافة الاسرى من غير قيد أو شرط
هو حق تكفله كافة القوانين الدولية التي
تعترف بشرعية النضال من أجل الحرية
والاستقلال والعودة، وتحمل الجانب المعتدي
وليس المعتدى عليه المسؤولية الاولى
والاخيرة عن سفك الدماء.
تبدأ المشكلة
عندما يتحول هذا الحق إلى تجارة بين فرقاء
يتحركون وفق المبدأ الرأسمالي حول الربح
والخسارة.
الدفعة
الثانية من الاسرى المحررين بعد تجديد
المفاوضات لا تشير إلى أي تقدم في المفاوضات
نفسها، على العكس من ذلك تماما فكلا
الطرفين يؤكدان بأن المفاوضات لم تتقدم
قيد أنملة. وربما
هذا الوضع بالذات هو السبب الرئيسي وراء
اطلاق سراح هذه الدفعة في هذا الوقت
بالذات. بالنسبة
للسلطة الفلسطينية التي تعرف تمام المعرفة
أكثر من غيرها عبثية هذه المفاوضات وطريقها
المسدود من قبل أن تخوضها، هذا بالرغم من
كل التنازلات التي قدمتها، فلم يعد
لديهاشيء تلوح به أمام جمهورها سوى اطلاق
سراح ٢٦ أسيرا مما يتيح الفرصة أمام رئيسها
ليقول إنه سوف يستمر بالمفاوضات حتى اطلاق
سراح كافة الاسرى. بالنسبة
للطرف الاسرائيلي، وبعيدا عن ضجة التي
يثيرها اليمين الصهيوني المتطرف حول
الايدي الملطخة بالدماء، فهو يضرب عصفورين
بحجر واحد: من
جهة يظهر لما يسمى بالمجتمع الدولي وخصوصا
أمريكا وأوروبا بأنه ملتزم ب"العملية
السلمية" ويقدم
ثمنا باهضا لهذا الالتزام، ومن أخرى يستمر
في سياستة الرامية الى تهويد ما تبقى من
القدس العربية والاراضي الفلسطينية
المحتلة. فقبل
أن يستنشق الاسرى النفس الاول من نسيم
الحرية كانت الحكومة الاسرائيلية تبادر
إلى بناء ١٥٠٠ شقة جديدة في القدس بالاضافة
الى مشاريع أخرى هدفها محو المعالم
الفلسطينية من المدينة، وهذا ما فعلته
خلال اطلاق سراح الدفعة الاولى قبل عدة
أشهر وهذا ما ستفعله خلال في الدفعة
الثالثة والرابعة أيضا.
هل هذه هي الصفقة
التي لا يريد الطرفان الاعتراف بها رسميا:
٦٠ شقة استيطانية
مقابل كل أسير محرر؟
حسب
اتفاقيات أوسلو من قبل عشرين سنة كان من
المفروض أن يتم إطلاق سراح جميع الاسرى
بالاضافة الى قيام دولة فلسطينية مستقلة
والاعلان عن نهاية الصراع العربي
الاسرائيلي. ولكن
شيء من هذا لم يحصل. اختطاف
جندي اسرائيلي واحد أمن اطلاق سراح أسرى
أكثر مما أمنته مفاوضات على مدار عشرين
سنة. أقترح
هنا ألا نحمل رئيس السلطة أكثر مما يستطيع
أن يحمل، وفي كل مرة يطلق سراح بعض الاسرى
نصرخ: وماذا
مع أسرى الداخل؟ وماذا مع أسرى القدس؟
فالرجل يصرح بكل مناسبة ومن غير مناسبة
انه ضد اعمال المقاومة التى يقوم بها
هؤلاء الاسرى فكيف ترجون منه أن يعمل على
تحريرهم بدون صفقات تعود عليه ببعض الفوائد
السياسية على الاقل؟ من يؤمن بأن المفاوضات
سوف تتمخض في نهاية المطاف عن حل عادل
للقضية الفلسطينية فمن حقه أن يؤمن بأنها
سوف تكفل اطلاق سراح كافة الاسرى.
ومن يؤمن بأن حل
القضية لا يمكن انجازه الا من خلال
الاستمرار بالنضال التحرري الثوري فإن
قضية الاسرى تبقى عنصرا أساسيا من هذا
النضال.