Wednesday, August 21, 2013

بين حكم المرشد وحكم العسكر ضاعت الثورة


بين حكم المرشد وحكم العسكر ضاعت الثورة
علي زبيدات – سخنين
مرة اخرى يحتدم الصراع في مصر. ولكن هذه المرة ليست ككل المرات. في هذه المرة يوجد وجبة دسمة من القتل وسفك الدماء والتدمير ذاتي على الطريقة الكلاسيكية التي نعرفها ونبدع فيها كما حصل في الجزائر والعراق وسوريا. في الوقت نفسه يحتدم عندنا صراع من نوع آخر، صراع فكري من باب الترف افرزته الامتيازات الصادرة عن حالة الطمأنينة التي توفرها لنا دولة الاحتلال. جوهر هذا الصراع هو تحديد موقف: مع أو ضد. وكأنه يوجد موقف كهذا. في الحقيقة، اكتب هذه المقالة في حالة اضطرارية بعدما أصبت بنوع من الانهيار العصبي من وطأة الاسئلة التي لا ترحم: هل انت مع الانقلاب أم مع الشرعية؟ هل تؤيد الاخوان المسلمين أم جبهة الانقاذ؟ كيف تنتقد حكم الاخوان المسلمين منذ اليوم الاول بل ومن قبل أن يستلموا الحكم وحاليا تدافع عنهم؟ حدد موقف! هذا هروب!
هل حقا لا يوجد هناك خيار آخر؟ إما الموت تحت أقدام المرشد الحجرية وإما الانسحاق تحت نعال العسكر الفولاذية؟ اليست هذه عملية اغتصاب بشعة؟ بالنسبة لنا هنا هي مجرد عملية اغتصاب فكرية، مجرد تحديد موقف. اما بالنسبة للشعب المصرى فهي عملية اغتصاب حقيقية: الاختيار بين ارهاب الاخوان المسلمين وبين ارهاب الجيش والمؤسسات الامنية الاخرى. طبعا يجري كل ذلك باسم الثورة وباسم الحرية وباسم الشعب.
قلت عندما نزلت الملايين في نهاية شهر يونيو/حزيران الى الميادين والشوارع تهتف بسقوط حكم المرشد أن الشرعية الثورية تلغي الشرعية الانتخابية الناتجة عن شكل من اشكال الديمقراطية الشكلية. وهذا المبدأ لا ينطبق على مصر فحسب بل وعلى جميع البلدان التى تناضل من اجل حريتها واستقلالها. ولكن هذه الشرعية هي الاخرى تفقد شرعيتها عندما يتم استغلالها من قبل فئة غاشمة تلبس العديد من الاقنعة. مما لا شك فيه أن ملايين المصريين يشكلون شرعية ثورية ولكن مؤسسة عسكرية مخترقة من اركان النظام السابق لا تشكل اية شرعية. آسف.
لأول مرة في تاريخ الثورات أسمع عن طلب قوات الامن بوقاحة من جماهير الشعب أن تنزل الى الشوارع لكي تفوضها بممارسة ارهابها من اجل محاربة "ارهاب" آخر. والارهاب الاخر هنا الملايين من المصريين الذين يتظاهرون او يعتصمون او يؤيدون حكم الاخوان المسلمين. هذا هو منطق جورج بوش الابن في حربه العالمية على الارهاب الدولي. لقد أثبت عبدالفتاح السيسي انه من أكبر تلامذة جورج بوش وليس عبدالناصر.
لقد عارضت حكم الاخوان المسلمين لأنه يقوم على ايديولوجية إقصائية جامدة تلغي الآخر وتحتكر الحقيقة وتمزج الدين بالدولة بشكل يفرغ المواطنة من اي مضمون تقدمي. فدولة الاخوان لن تكون معادية لغير المتدينين فحسب بل ايضا وفي الاساس للذين يعتنقون الدين الاسلامي من منظار غير اخواني. ولكن من هنا وحتى اعتبار كل آخواني ارهابي يجب تصفيته المسافة بعيدة جدا. قلت في السابق وما زلت اقول ان فصل الدين عن الدولة هو في نهاية المطاف وبعدما يترسخ في ذهون الناس سوف يكون لمصلحة الطرفين. الدين سوف ينمو ويترعرع بشكل طبيعي عندما يكون بمنأى عن تدخل الدولة وعندما هو لا يتدخل بشؤون الدولة. حرية المعتقدات التي يجب أن تكون مضمونة للجميع سوف تتكبد اضرارا فادحة اذا ما تدخلت في شؤون الدولة أو سمحت للدولة التدخل في شؤونها. هذا هو المعنى الصحيح للعلمانية وهو لا يتناقض مع المفهوم الديني الا على المستوى الفكري المسموح به. لا يوجد هناك حرب بين الدين والعلمانية الا في عقول بعض التنظيمات العلمانية أو الدينية. يوجد هناك حروب طبقية أو قومية يتم فيها استغلال الدين والعلمانية.
الثورة المصرية ولاسباب تاريخية، كنت قد تطرقت الى بعض جوانبها سابقا، كانت منذ البداية ثورة متواضعة من حيث مضامينها وآفاقها، فهي لم تطرح تغييرا جذريا عميقا على البنية الاجتماعية والفكرية والاقتصادية وحتى السياسية. وقد اكتفت بتغيير النخبة الحاكمة التي تراجعت الى صفوف الخلفية ولكنها لم تغادر المسرح وها هي اليوم في ظل حكم العسر تتقدم من جديد. اما التغييرات في المجالات الاخرى فقد كانت تدريجية وفي كثير من الاحيان تكاد لا تذكر ولا تلمس خصوصا في علاقتها الحميمة مع المعسكر الامبريالي – الصهيوني – الرجعي العربي. لذلك كانت الثورة دائما عرضة لعمليات اجهاضية وكان من الضروري الاستمرار بها من أجل انقاذها. اليوم تقف الثورة امام مفترق طرق تاريخي وحسب رأيي فإن حكم العسكر وحكم المرشد يقودا الثورة الى طريق مسدود. من أجل انقاذ الثورة يجب البحث عن خيار ثالث. ولا شك أن الشعب المصري قادر على أن يجد طريقه الثوري من أجل مستقبل أفضل.

No comments: