نسينا
وغفرنا
علي
زبيدات – سخنين
عندما
نقول: ل"ن
ننسى ولن نغفر" ماذا
نعني بالضبط؟ هل نعني حقا كل ما نقوله؟
اليست وظيفة الزمن انتاج النسيان ووظيفة
الانسان استهلاك هذا الانتاج؟ وهل من
الممكن مواصلة الحياة بشكل طبيعي نسبيا
بدون أن ننسى ولو قليلا المصائب التي حلت
بنا؟ وبدون أن نغفر ولو قليلا للذين انزلوا
هذه المصائب على رؤوسنا؟ هذه التساؤلات
غيرها الكثير تتصارع في مخيلتي كلما وقفت
أمام ذكرى من الماضي ما زالت تجري وتتشعب
في شرايين الحاضر. عدم
النسيان هو أولا وقبل كل شيء عملية تحدي
للزمن وفي الوقت نفسه عملية تحدي للضعف
الانساني. وهي
عملية واعية ومدروسة ولا تأتي أو تستمر
من تلقاء نفسها. اذا
قررت ان تنسى مصيبة، مهما عظمت، فسوف
تنساها. الزمن
بمساعدة امور اخرى سوف يساعدك على ذلك
حتى تصبح تصبح الذكرى الاليمة في كثير
من الحالات كالقطة الاليفة.
ومع النسيان يأتي
عادة الغفران. ولكن
اذا قررت عدم النسيان فلا بد من أن تتحدى
الزمن وتشحن نفسك بمزيد من الغضب والحقد
على مسببي هذه الذكرى.
في
هذه الايام وفي غضون شهر من الزمن يحي
شعبنا ذكرى مجزرتين رهيبتين طبعتا خاتما
عميقا لا يمحى في ذاكرتنا الجمعية بالرغم
من كل محاولات النسيان الذاتية والمفروضة
علينا: مجزرة
تل الزعتر التي صادفت قبل ايام (حدثت
في منتصف شهر آب ١٩٦٧)
ومجزرة صبرا وشاتيلا
الشهر القادم (حدثت
في منتصف شهر أيلول ١٩٨٢).
لست
بصدد سرد تاريخي لهاتين المجزرتين فقد
كتب تاريخها وأعيد كتابته عشرات بل مئات
المرات وكل مرة بشكل مختلف.
وقد كانت النتيجة
النهائية التى اتفق عليها الجميع:
"ثمة جريمة ولكن
لا يوجد هناك مجرمون".
وهكذا سجلت ضد
مجهولين يعرفهم الجميع.
هل
شعر احدكم باحياء ذكرى مجزرة تل الزعتر
التي واجهناها في حينه بشعر "لن
ننسى ولن نغفر"؟
أنا لم أشعر بشيء اللهم سوى بعض الشهادات
من الماضي البعيد تناقلتها بعض المواقع
الاخبارية. وقد
يستاء البعض من نبش الدفاتر القديمة الان
خصوصا وان احد الاطراف التي شاركت في
المجزرة هو حليف اليوم، بل هو النظام
العربي الوحيد الذي ما زال متمسكا بخيار
المقاومة والممانعة ويتعرض اليوم لمؤامرة
عالمية لم يسبق لها مثيل، فهل هذا هو الوقت
الملائم لنبش ما حدث قبل اكثر من ٣٧ سنة؟
استبق
الاحداث واقول: احياء
دكرى مجزرة صبرا وشاتيلا في الشهر القادم،
بناء على السنوات الماضية، سيكون هو الاخر
على نفس الموال: نسيان
وغفران. وكما
تجد من يدافع عن الجيش السوري في تل الزعتر
تجد من يدافع عن الجيش الاسرائيلي في صبرا
وشاتيلا وتذهل من تشابه الدفاع.
فالجيش السوري لم
يقتحم مخيم تل الزعتر ولم يقتل مواطنين
عزل. هو
فقط قام باحكام الحصار وتوفير الفرصة
لحلفائه من حزب الكتائب وباقي المليشيات
المسيحية للدخول وتنفيذ المهمة.
وهذا ما فعله الجيش
الاسرائيلي في صبرا وشاتيلا، هو فقط فرض
الحصار وأضاء شوارع المخيمين وترك لحلفائه
في القوات اللبنانية أن تتكفل بالامور
الاخرى. وعندما
سئل مناحيم بيغن عن ذلك أجاب ببراءة
الذئب:" عرب
يقتلون عربا ويتهمون الدولة اليهودية".
هذا الدفاع يصب في
نهاية المطاف لتبرير المفاوضات التي لا
تنتهي مع هذا الكيان.
حسب
القانون الدولي، لا تخضع الجرائم ضد
الانسانية لقانون التقادم.
لم تكن الجرائم
التي ارتكبت في تل الزعتر وفي مخيمي صبرا
وشاتيلا ضد الفلسطينيين فحسب بل هي اولا
واخيرا جرائم ضد الانسانية ويجب على
مرتكبيها مهما طال الزمن وحتى بعد رحيلهم
عن هذا العالم أن يمثلوا أمام القضاء
الدولي. انه
وصمة عار في جبين الانسانية أن تقترف مثل
هذه الجرائم ويبقى المجرم حرا طليقا بل
وفي كثير من الحالات يصبح بطلا قوميا مما
يمنحه الرخصة لاقتراف المزيد من الجرائم.
انا
لست من مؤيدي شعار"لن
ننسى ولن نغفر" بشكل
مطلق. يوجد
أمور يجب نسيانها والا اصبحت الحياة لا
تطاق. ويوجد
جرائم يجب منح مرتكبيها الغفران.
ولكن كيف تستطيع
أن تنسى شيئا ما زال يتكرر؟ فالمجازر في
حق الشعب الفلسطيني حدثت قبل تل الزعتز
وصبرا وشاتيلا وما زالت تحدث بعدها.
وكيف يمكن أن تغفر
لمجرم لم ينل عقابه بل لم يقدم للمحاكمة
أصلا بل حتى أنه لم يعترف بمسؤوليته عنها.
نعم، حتى ذلك الحين
يجب أن يبقى شعارنا: "لن
ننسى ولن نغفر".
No comments:
Post a Comment