مؤتمر تطبيعي جديد
علي زبيدات – سخنين
المؤتمر المزمع عقده في نهاية هذا الأسبوع وبالتحديد في
28 تشرين أول 2012 في الناصرة بمبادرة مركز مساواة تحت عنوان:"مكانة الأقلية
العربية الفلسطينية القانونية" هو مؤتمر تطبيعي بامتياز. كان هذا المركز قد
بدأ نشاطاته التطبيعية منذ عدة سنوات عندما كانت "التصورات المستقبلية"
في الموضة بحجة تحديد العلاقة بين المواطنين الفلسطينيين والدولة العبرية. هكذا
صدر في حينه "التصور المستقبلي" عن لجنة المتابعة العليا والدستور
"الديمقراطي" عن مركز عدالة و"وثيقة حيفا عن مركز مدى الكرمل. وبالرغم
من محاولات حزب التجمع الوطني نقل هذه الوثائق النظرية إلى الملعب السياسي من خلال
مطالبته بدولة "المواطنين" و"دولة لجميع مواطنيها وبالأساس من خلال
شعاره المتناقض :"هوية قومية ومواطنة كاملة" إلا أن جميع هذه المبادرات،
النظرية منها والعملية، قد باءت بالفشل حيث نبذتها الجماهير الفلسطينية كل على
طريقته حتى وجدت بالتالي طريقها إلى طي النسيان. كنت قدلمؤتمر المزمع عقده إحياء
هذه المبادرات ويضيف عليها "صبغة قانونية" لذلك فهو موجه مسبقا من حيث الأساس
إلى الحقوقيين والسياسيين المحترفين في الأحزاب العربية وليس للجماهير التي يدعي
المنظمون الكلام باسمها وعنها. كنت قد
تعرضت في وقته لهذه الوثائق بالنقد ولست الآن بصدد تكرار ما كتبته في حقها حينذاك.
كان من الممكن في الماضي التغاضي عن بعض نشاطات مركز
مساواة عندما كان يدعي أن الهدف من هذه النشاطات هو الدفاع عن الحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية للمواطنين العرب والعمل على تحصيلها حتى تحصيل المساواة
المدنية، ولكن عندما يصل الأمر إلى التلاعب بالهوية الوطنية فلم يعد هناك مجال
للتغاضي أو للصمت. وكل التبريرات حول ضرورة عقد مثل هذا المؤتمر على خلفية تصاعد
العنصرية في المجتمع الإسرائيلي وخلفية الدعوة إلى يهودية الدولة لن تغير من
الطبيعة التطبيعية لهذا المؤتمر بشيء.
لماذا الإصرار على مصطلح "الأقلية القومية"
المشترك لكافة الوثائق المذكورة؟ حسب رأيي القصد من ذلك هو تبرير الاعتراف ب"الأغلبية
القومية" للمستوطنين الذين اغتصبوا فلسطين عام 1948لأنه لا معنى لكلمة أقلية
بمعزل عن الأغلبية. وهذا بدوره يعني
الاعتراف بالمبدأ الصهيوني الأول وهو اعتبار اليهود بغض النظر من أين جاؤوا يشكلون
قومية واحدة الأمر الذي يرفضه الكثيرون من اليهود أنفسهم. الكلام عن أقلية قومية
يحمل في طياته أيضا الاعتراف بكل ما حدث منذ عام 1948 وحتى اليوم. ولا يغير من هذه
الحقيقة كل الشعارات التي تقول بأننا جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني ومن الأمة
العربية. فلو كان هذا الكلام صحيحا ومن يرددونه يعنونه بالفعل فكيف يعقل أن تكون
أقلية وأنت تنتمي إلى أمة تعدادها أكثر من 300 مليون وتنتمي إلى شعب يزيد على 11
مليونا؟ إذن النتيجة إننا جزء يتجزأ من هذا الشعب ومن هذه الأمة وهو الجزء الذي
يقبع تحت الاحتلال الصهيوني منذ عام 1948 ولا يغير من هذه الحقيقة الكلمات
التجميلية حول الجزء المتشبث بأرضه
و"الأقلية الاصلانية" . حتى لو اعتبرنا أن دولة إسرائيل وجدت لتبقى على
حد تعبير أبي مازن، تبقى الجماهير العربية الفلسطينية هي الأغلبية القومية وباقي
السكان يشكلون أقليات قادمة من خمسين دولة على الأقل. كنت أتفهم القائمين على هذا
المؤتمر لو تحلوا ببعض الجرأة على غرار زملائهم اليهود الذين ينتمون إلى تيار
"ما بعد الصهيونية" وقالوا: هناك قومية جديدة قد وجدت وهي القومية الإسرائيلية
والتي تضم تاريخيا أقليات مختلفة انصهرت في قومية واحدة. وكما يحافظ اليهود المغاربة
أو اليمنيين أو الروس على العديد من تقاليدهم وتراثهم يحق لل"أقلية
الفلسطينية" هي أيضا الحفاظ على بعض تقاليدها وتراثها. وهذا هو أصلا جوهر
جميع مؤتمراتهم السابقة واللاحقة. إلا أن
الواقع على العكس من ذلك تماما: دولة إسرائيل لم ولن تستطيع التخلص من صهيونيتها
وبالتالي لن تستطيع أن تشكل "قومية إسرائيلية" تشمل جميع المواطنين.
في النقاط العشرة التي ذكرها مركز مساواة لتشكل محاور في
المؤتمر تبدو هذه الإستراتيجية واضحة: من جهة الانخراط في الهيئات والمؤسسات
الحكومية، إعادة تقسيم الموارد المادية وتعبير معين في رموز الدولة ك"العلم
والنشيد الوطني" ومن جهة أخرى: إدارة ذاتية للمؤسسات الثقافية والدينية،
الحفاظ على اللغة والحفاظ على العلاقة التاريخية بالشعب الفلسطيني والأمة العربية.
مكانة الجماهير الفلسطينية لا يحددها القانون الإسرائيلي
ولا حتى القانون الدولي بل يحددها القانون الطبيعي المنبثق من صلب التاريخ
والجغرافيا والقيم الإنسانية ولا مكان للمساومة في هذا المجال.