عودة إلى نقطة البداية
علي زبيدات – سخنين
عبر الكثيرون من المهتمين بالتغيرات السياسية التي تعصف
بالعالم العربي عن صدمتهم من نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية. كيف يعقل بعد كل
هذه التحركات الشعبية المليونية في ميدان التحرير وفي شتى نواحي البلد أن تتمخض
الثورة عن خيار تعيس بين مرشح فلول النظام من جهة ومرشح حركة إصلاحية محافظة اقل
ما يقال عنها إنها شاركت بالثورة بشكل انتقائي وانتهازي ولم تكن يوما في مقدمة
التحرك نحو التغيير من جهة أخرى؟ أين الملايين؟ أين شباب الثورة؟. يقول "المفكر
العربي" عزمي بشارة: "الثورة لم تختطف، و23% لمؤيدي النظام السابق ليس بكثير.
الثورة بمصر قامت من أجل الديمقراطية وليس من أجل أن ينتصر هذا المرشح أو ذاك،
ولذلك حققت أول انجازاتها. فمصر بخير". أنا لست شريكا في هذا التفاؤل الفج
الذي يعبر عن فكر إصلاحي وموقف توفيقي. مصر ليست بخير. الثورة المصرية ليست بخير
وبالتالي حتى الديمقراطية التي يتكلم عنها المفكر هي أيضا ليست بخير. وكان بشارة قد
عبر عن موقف مشابه في حضرة الثنائي التونسي المرزوقي – الغنوشي اللذين قطفا ثمار
الثورة التونسية في محاضرة حول العلمانية وكأن ما آلت إليه الثورة التونسية
والثورة المصرية هو أكثر ما يمكن أن نحلم به. مع إني أتفق مع بعض تحليلات الدكتور
بشارة بأن الذي حقق أفضل النتائج في الانتخابات هما مرشحا أقوى قوتين منظمتين:
أجهزة الدولة القديمة من جهة وجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى. ولكن هذا ليس
السبب الوحيد في رأيي.
قلت في السابق وما زلت أقول إن استمرارية الثورة وتعميقها
هو الضمان الوحيد لانتصارها وتحقيق أهدافها. الثورة في تونس وفي مصر لم تحافظ على
استمراريتها وأحجمت عن تعميق مطالبها لذلك
كانت انجازاتها متواضعة. طبعا يوجد هناك ظروف موضوعية وأخرى ذاتية لهذه النهاية.
تراجعت الثورة المصرية منذ اللحظة الأولى لقبول المجلس
العسكري وعدم تسديد ضربة قاضية لفلول النظام البائد. هذا التراجع استمر حتى التوقف
التام. وما نشهده الآن هو بداية الهجوم المضاد لقوى الثورة المضادة. هذه النهاية
المخيبة للآمال لا تقلل من أهمية التحولات التي حصلت، ولا تقلل من أهمية التحرك
الجماهيري الذي لم يعرفه العالم العربي منذ قرون. ما حدث حسب رأيي لا يعدو كونه
سوى جولة أولى في مسيرة طويلة وشاقة. لا يوجد ثورة في العالم حققت كافة أهدافها من
الجولة الأولى: الثورة الفرنسية العظمى في عام 1979 وبعد مرور عشر سنوات على
اندلاعها تراجعت وتحولت إلى إمبراطورية محافظة ومن ثم إلى عودة الملكية فكان لا بد
من جولة أخرى تمثلت في ثورة 1830 وعادت الملكية مرة أخرى وجاءت ثورة 1848 لتكنسها
وما لبثت حتى عادت الملكية من جديد إلى أن جاءت كومونة باريس عام 1871 لتكنسها مرة
أخرى. الثورات الروسية والصينية والفيتنامية هي الأخرى مرت بمراحل مشابهة. ما
تحتاجه مصر الآن على خلاف ما ينظر له عزمي بشارة من أن "المعارك الديمقراطية
القادمة كثيرة تبدأ بالدفاع عن حقوق المواطن الاجتماعية والسياسية وتنتهي في
التنظيم السياسي للانتخابات القادمة" بل تحتاج إلى تنظيم سياسي ثوري من أجل خوض
الجولة القادمة، من أجل الثورة القادمة.
من يستغرب نتائج الانتخابات المصرية من أبناء الشعب
الفلسطيني ألفت نظره لكي يتمعن بما حصل في فلسطين. حيث تسود الفكرة (الخاطئة!!) أن
الشعب الفلسطيني الواعي سياسيا بعد المواجهة الطويلة والصراع المستمر مع الكيان
الصهيوني تمخضت انتخابات رئاسة السلطة عن قيادة كل علاقة لها بالنضال الثوري هو من
باب الصدفة. فقبل أن نستغرب نجاح أحمد شفيق وهو من رموز النظام البائد في مصر
علينا أن نستغرب قبول الشعب الفلسطيني بمحمود عباس رئيسا لسلطة أوسلو كل هذه
الفترة التي تقارب 8 سنوات نصفها تقريبا غير دستورية حتى حسب قوانين سلطة أوسلو
نفسها (بعد أن انتهت ولايته عام 2009).
أظن هنا لا بد من العودة إلى النظرية اللينينة التي تقول
أن الشعوب ليست ثورية بطبيعتها ولكنها تمتلك قوة ثورية كامنة. ويمكن تفجير هذه
القوة الثورية من خلال إدخال الوعي الثوري إليها من خارج صفوفها وبالتحديد من قبل
الطليعة الثورة الواعية. لذلك لا مفر من تربية الجماهير على النظريات الثورية
وتنظيمها وتعبئتها حتى خوض النضال في ظل قيادة ثورية مخلصة. طبعا يوجد هناك دائما
خطر انحراف القيادة الثورية ولكن لا يوجد هناك بديل آخر لها. ما زالت مقولة لينين
في هذا الصدد سارية المفعول: " لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية". أين
النظريات الثورية في العالم العربي؟ وأضيف هنا مسبقا أن النظرية الثورية ستكون
عاجزة تماما إذا لم ترافقها ممارسة ثورية. هل يحق لنا أن نحلم بقيادة من طراز جديد
تستوعب العلاقة الجدلية بين النظرية والممارسة الثوريتين؟
في مصر كما في تونس وكما في فلسطين وفي كافة البلدان
العربية تضافر النظرية الثورية والممارسة الثورية هي الضمان الوحيد للسير بالثورة
العربية حتى النهاية.