يا حيف من بابا عمرو إلى مجدل شمس
علي زبيدات – سخنين
منذ زمن طويل، اتخذت موقفا مبدئيا وقررت ألا أحيد عنه مهما كانت الظروف ومهما كانت الأسباب وهو ألا أدعم بأي شكل من الأشكال، لا قولا ولا فعلا أي نظام عربي بغض النظر كيف يعرف نفسه أو كيف يعرفه ويصنفه الآخرون. نعم، لقد وضعت جميع الأنظمة العربية في سلة واحدة لا فرق عندي بين نظام ملكي أو جمهوري، تقدمي أو رجعي، ديكتاتوري أو ديمقراطي. في نهاية المطاف هو نظام. والنظام، كل نظام هو في رأيي جهاز قمع واستغلال واضطهاد مكون من جيش وشرطة وأجهزة أمن أخرى وبيروقراطية تخدم الطبقة الحاكمة. النظام والمرض سيان. لا يوجد هناك مرض جيد كذلك لا يوجد هناك نظام جيد. صحيح، الأمراض تتفاوت من حيث خطورتها ومن حيث هولها وما تسببه من آلام ومعاناة. ولكن هل يوجد هناك أحد يحب المرض مهما كان خفيفا ولطيفا؟ وقد أعجبتني مقولة لجبران خليل جبران يقول فيها: "أكره المرض ولكني أحب المريض".
عندما رفعت الملايين من جماهير الشعوب العربية شعار:" الشعب يريد إسقاط النظام" شعرت بأن هذا المبدأ الذي تبنيته قد نزل أخيرا من برج النظرية إلى ساحة الممارسة العملية وكان من الطبيعي أن أضم صوتي المتواضع الذي بالكاد يسمع إلى الأصوات الهدارة التي تنادي بإسقاط النظام.
وكنت أتوقع أن النظام لن يرحل بمحض إرادته ولن يرحل بهدوء بل سيقاوم حتى النهاية من باب الدفاع عن النفس. ولكن مقاومة النظام هي الأخرى تتفاوت كالأمراض من نظام إلى آخر. وقد ازداد التفاؤل والأمل بعدما رحل نظام بن علي في تونس ومبارك في مصر بعد مقاومة ضعيفة نسبيا. ولكن الأمور تعقدت في ليبيا وفي سوريا. كان لإستشراس النظامين في هذين البلدين في صراعهما من أجل البقاء نتائج وخيمة. في ليبيا تدخلت قوات حلف الناتو متحالفة مع المعارضة الليبية ومدعومة من قبل الرجعية العربية ممثلة في جامعة الدول العربية. وكان المطلوب من كل واحد أن يختار إما الوقوف إلى جانب النظام البائد وإما الوقوف إلى جانب المعارضة المدعومة امبرياليا ورجعيا. ولكن هذا الموقف الذي يبدو للوهلة الأولى واقعيا ومنطقيا كان مرفوضا. وكان الموقف الشخصي الذي عبرت عنه في بعض المقالات لا يحسد عليه: فالنظام بعد أكثر من 40 عامل قد جاء أجله وكان لا بد أن يسقط. ولكن في الوقت نفسه كان الوقوف إلى جانب قوات أجنبية غازية مرفوض قطعيا ومن المحرمات ولا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال. كنت أتمنى وأحلم أن تقوم قوة ثورية حقيقية تفجر الثورة ضد النظام البائد وفي الوقت نفسه تقف سدا منيعا في وجه كل تدخل خارجي. ولكن للأسف هذا الموقف بالرغم من قناعتي المطلقة بصحته كان موقفا مثاليا ونظريا بحتا. نظام القذافي في ليبيا قد سقط ولكن النظام الجديد الذي فرضته طائرات وصواريخ الناتو لن يكون أفضل منه. ولعل العزاء في أن الصراع لن ينتهي وبالتالي فإن شعار الشعب يريد إسقاط النظام سوف يسري مفعوله ليشمل هذا النظام أيضا.
النموذج الليبي يتكرر في سوريا ولكن بصورة أشرس: نظام دموي، ليس منذ السنة الأخيرة فحسب بل منذ قيامه، هذا من جهة ومن جهة أخرى معارضة مخترقة وتدخل عربي وأجنبي رجعي. مرة أخرى أجد نفسي أمام عملية اغتصاب سياسي لاتخاذ موقف: إما مع النظام وإما مع الدخلاء والمتآمرين. في هذه المعادلة لا وجود للشعب السوري إلا كمادة خام للتضحية مهما ادعى الطرفان الكلام باسمه. مرة أخرى وجدت نفسي أتشبث بالموقف الذي ينادي بإسقاط النظام وفي الوقت نفسه إسقاط المؤامرات الخارجية مهما نظريا ومثاليا محضا.
من استمع للهتافات والخطابات في المهرجان الذي نظمته اللجنة التي تسمي نفسها:"اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب السوري وقيادته الوطنية" في سخنين لا بد وأن يدخل في حالة من الإحباط والكآبة. الاحتفال بالنصر بعد السيطرة على حي بابا عمرو في حمص وكأنه تم تحرير الجولان أمر يثير الاشمئزاز إلى حد التقيؤ. منظر محمد حسن كنعان وهو يلقي خطابا ناريا يمجد هذا النصر ومنظر عبد عنبتاوي وهو يرقص على المنصة معجبا بذاته و بفلذكاته الكلامية ومنظر الشيخ الجولاني الذي يعرف أن النظام لم يحرك ساكنا من أجل تحرير الجولان منذ احتلالها كان منظرا سرياليا بامتياز حقا. وهذا على سبيل المثال لا الحصر. والأقبح من ذلك لم يكن قيام المشاركين بالهتاف: "شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد" فحسب بل محاولتهم تطبيق ذلك على أرض الواقع محاولين كتم الأصوات الناقدة بالتهديد حتى عندما تصدر عن فرد واحد هو أنا خلال نقاشه مع بعض المتواجدين.
هل يعقل اختزال وطن كامل، شعب بأكمله في شخص واحد يسمى رئيس؟ أو في حزب واحد أو في نظام؟ هل جميع الداعين إلى إسقاط النظام هم من المتآمرين والعملاء لأمريكا وإسرائيل وتركيا ودول الخليج؟ أنا مع إسقاط النظام البعثي الفاسد ولست متآمرا مع أحد ولست عميلا لأحد وكم كنت أتمنى أن تقوم حركة شعبية الآن وليس غدا لإسقاط جميع الأنظمة العربية ابتداء من السعودية مرورا بقطر وباقي دول الخليج وحتى المغرب. بل أكثر من ذلك: أتمنى أن يتواصل النضال لإسقاط الأنظمة الجديدة خطفت الثورة في تونس ومصر. لم يبق أمامي سوى أن أضم صوتي إلى صوت الرفيق الفنان الملتزم سميح شقير وأقول: يا حيف
علي زبيدات – سخنين
منذ زمن طويل، اتخذت موقفا مبدئيا وقررت ألا أحيد عنه مهما كانت الظروف ومهما كانت الأسباب وهو ألا أدعم بأي شكل من الأشكال، لا قولا ولا فعلا أي نظام عربي بغض النظر كيف يعرف نفسه أو كيف يعرفه ويصنفه الآخرون. نعم، لقد وضعت جميع الأنظمة العربية في سلة واحدة لا فرق عندي بين نظام ملكي أو جمهوري، تقدمي أو رجعي، ديكتاتوري أو ديمقراطي. في نهاية المطاف هو نظام. والنظام، كل نظام هو في رأيي جهاز قمع واستغلال واضطهاد مكون من جيش وشرطة وأجهزة أمن أخرى وبيروقراطية تخدم الطبقة الحاكمة. النظام والمرض سيان. لا يوجد هناك مرض جيد كذلك لا يوجد هناك نظام جيد. صحيح، الأمراض تتفاوت من حيث خطورتها ومن حيث هولها وما تسببه من آلام ومعاناة. ولكن هل يوجد هناك أحد يحب المرض مهما كان خفيفا ولطيفا؟ وقد أعجبتني مقولة لجبران خليل جبران يقول فيها: "أكره المرض ولكني أحب المريض".
عندما رفعت الملايين من جماهير الشعوب العربية شعار:" الشعب يريد إسقاط النظام" شعرت بأن هذا المبدأ الذي تبنيته قد نزل أخيرا من برج النظرية إلى ساحة الممارسة العملية وكان من الطبيعي أن أضم صوتي المتواضع الذي بالكاد يسمع إلى الأصوات الهدارة التي تنادي بإسقاط النظام.
وكنت أتوقع أن النظام لن يرحل بمحض إرادته ولن يرحل بهدوء بل سيقاوم حتى النهاية من باب الدفاع عن النفس. ولكن مقاومة النظام هي الأخرى تتفاوت كالأمراض من نظام إلى آخر. وقد ازداد التفاؤل والأمل بعدما رحل نظام بن علي في تونس ومبارك في مصر بعد مقاومة ضعيفة نسبيا. ولكن الأمور تعقدت في ليبيا وفي سوريا. كان لإستشراس النظامين في هذين البلدين في صراعهما من أجل البقاء نتائج وخيمة. في ليبيا تدخلت قوات حلف الناتو متحالفة مع المعارضة الليبية ومدعومة من قبل الرجعية العربية ممثلة في جامعة الدول العربية. وكان المطلوب من كل واحد أن يختار إما الوقوف إلى جانب النظام البائد وإما الوقوف إلى جانب المعارضة المدعومة امبرياليا ورجعيا. ولكن هذا الموقف الذي يبدو للوهلة الأولى واقعيا ومنطقيا كان مرفوضا. وكان الموقف الشخصي الذي عبرت عنه في بعض المقالات لا يحسد عليه: فالنظام بعد أكثر من 40 عامل قد جاء أجله وكان لا بد أن يسقط. ولكن في الوقت نفسه كان الوقوف إلى جانب قوات أجنبية غازية مرفوض قطعيا ومن المحرمات ولا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال. كنت أتمنى وأحلم أن تقوم قوة ثورية حقيقية تفجر الثورة ضد النظام البائد وفي الوقت نفسه تقف سدا منيعا في وجه كل تدخل خارجي. ولكن للأسف هذا الموقف بالرغم من قناعتي المطلقة بصحته كان موقفا مثاليا ونظريا بحتا. نظام القذافي في ليبيا قد سقط ولكن النظام الجديد الذي فرضته طائرات وصواريخ الناتو لن يكون أفضل منه. ولعل العزاء في أن الصراع لن ينتهي وبالتالي فإن شعار الشعب يريد إسقاط النظام سوف يسري مفعوله ليشمل هذا النظام أيضا.
النموذج الليبي يتكرر في سوريا ولكن بصورة أشرس: نظام دموي، ليس منذ السنة الأخيرة فحسب بل منذ قيامه، هذا من جهة ومن جهة أخرى معارضة مخترقة وتدخل عربي وأجنبي رجعي. مرة أخرى أجد نفسي أمام عملية اغتصاب سياسي لاتخاذ موقف: إما مع النظام وإما مع الدخلاء والمتآمرين. في هذه المعادلة لا وجود للشعب السوري إلا كمادة خام للتضحية مهما ادعى الطرفان الكلام باسمه. مرة أخرى وجدت نفسي أتشبث بالموقف الذي ينادي بإسقاط النظام وفي الوقت نفسه إسقاط المؤامرات الخارجية مهما نظريا ومثاليا محضا.
من استمع للهتافات والخطابات في المهرجان الذي نظمته اللجنة التي تسمي نفسها:"اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب السوري وقيادته الوطنية" في سخنين لا بد وأن يدخل في حالة من الإحباط والكآبة. الاحتفال بالنصر بعد السيطرة على حي بابا عمرو في حمص وكأنه تم تحرير الجولان أمر يثير الاشمئزاز إلى حد التقيؤ. منظر محمد حسن كنعان وهو يلقي خطابا ناريا يمجد هذا النصر ومنظر عبد عنبتاوي وهو يرقص على المنصة معجبا بذاته و بفلذكاته الكلامية ومنظر الشيخ الجولاني الذي يعرف أن النظام لم يحرك ساكنا من أجل تحرير الجولان منذ احتلالها كان منظرا سرياليا بامتياز حقا. وهذا على سبيل المثال لا الحصر. والأقبح من ذلك لم يكن قيام المشاركين بالهتاف: "شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد" فحسب بل محاولتهم تطبيق ذلك على أرض الواقع محاولين كتم الأصوات الناقدة بالتهديد حتى عندما تصدر عن فرد واحد هو أنا خلال نقاشه مع بعض المتواجدين.
هل يعقل اختزال وطن كامل، شعب بأكمله في شخص واحد يسمى رئيس؟ أو في حزب واحد أو في نظام؟ هل جميع الداعين إلى إسقاط النظام هم من المتآمرين والعملاء لأمريكا وإسرائيل وتركيا ودول الخليج؟ أنا مع إسقاط النظام البعثي الفاسد ولست متآمرا مع أحد ولست عميلا لأحد وكم كنت أتمنى أن تقوم حركة شعبية الآن وليس غدا لإسقاط جميع الأنظمة العربية ابتداء من السعودية مرورا بقطر وباقي دول الخليج وحتى المغرب. بل أكثر من ذلك: أتمنى أن يتواصل النضال لإسقاط الأنظمة الجديدة خطفت الثورة في تونس ومصر. لم يبق أمامي سوى أن أضم صوتي إلى صوت الرفيق الفنان الملتزم سميح شقير وأقول: يا حيف