Wednesday, October 05, 2011

نستنكر بشدة !! وماذا بعد؟

نستنكر بشدة !! وماذا بعد؟
علي زبيدات – سخنين

بعد جريمة إحراق مسجد النور في طوبا الزنغرية انهالت الاستنكارات من حدب وصوب كل حسب أسلوبه وطريقته وكلماته الإنشائية. من رئيس الدولة الذي هرول لزيارة المسجد طالبا من مسلمي العالم السماح، إلى رئيس الحكومة الذي عبر عن صدمته، إلى وزير التربية والتعليم والراب الرئيسي لدولة إسرائيل وباقي زعماء الطوائف الدينية وحتى لجنة المتابعة العليا وأعضاء الكنيست العرب والأحزاب السياسية وباقي مؤسسات المجتمع المدني، والقائمة تطول. سيل جارف من الاستنكارات شديدة اللهجة منها من يحمل الحكومة والشرطة والعنصرية المتفشية مسؤولية ما يحصل.
كل هذا جيد. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: وماذا بعد الاستنكار؟ قريبا سوف تهدأ الأمور وتعود المياه إلى مجاريها لنغط في سبات عميق حتى نستفيق على عملية الحرق القادمة.
في الحقيقة، ما يهم في هذه الحادثة ويتجاهله جميع المستنكرين العرب مع علمهم واستيعابهم لهذا الواقع الخطير هو أن دولة إسرائيل قد نجحت في تمزيق وتفريق مجتمعنا الفلسطيني إلى طوائف، قد تلتقي في عملية استنكار ولكنها تختلف في باقي الأمور. انه لمن المحزن حقا بل من المخجل أن نقرأ، في وسائل الإعلام العربية وكأن الأمر طبيعي جدا، بيانا صادرا عن اللجنة القطرية لرؤساء المجالس المحلية العربية في إسرائيل وآخر عن منتدى مجالس القرى البدوية وآخر عن منتدى مجالس القرى الدرزية. وكأن القرى البدوية والقرى الدرزية ليست عربية أو أن عروبتها ناقصة.
لم تقم دولة إسرائيل باختراع سياسة "فرق تسد". وقد تكون قد تعلمتها وورثتها من الاستعمار الانجليزي الذي زرع بذور النزاع في كل مكان كان يستعمره ورحل عنه: في الهند والباكستان والعالم العربي ومعظم دول أفريقيا. هذه السياسة الاستعمارية الانجليزية معروفة جدا حتى أصبحت نموذجا كلاسيكيا. حتى جاءت دولة إسرائيل وطورت هذه السياسة إلى أقصى درجة: أولا فرقت بين اليهود وباقي الأغيار في العالم. شعب الله المختار من جهة مقابل جميع شعوب العالم "الغوييم" من جهة أخرى. ولم تكتف بذلك فبعد إقامة الدولة قامت بالتمييز بين الشعب اليهودي وبين أبناء الأقليات "بني ميعوطيم". ومن ثم قامت بتمزيق الشعب الفلسطيني الممزق أصلا إلى طوائف متنافرة. لا يوجد هنا بقايا شعب عربي فلسطيني تم تشريده قسر اعن وطنه بل يوجد بعض الطوائف من مسلمين ومسيحيين ودروز وشركس وبدو لا تربطهم أية هوية وطنية مشتركة. وقد استفردت مؤسسات الدولة بكل طائفة على حدة بينما نقف نحن وقفة المتفرج ومن حين لآخر نقول كلمة استنكار ردا على جريمة مقترفة.
لقد استفردت الدولة أولا بالطائفة الدرزية وفرضت على الشباب الدروز التجنيد الإجباري وبدأت تروج لهوية قومية درزية وتراث درزي وحلف دم وهمي يربط هذه الطائفة بالدولة. وقد تمت التضحية بحقيقة أن الدروز هم من صلب العروبة قلبا وقالبا على مذبح المصالح الشخصية. فإذا كان دروز هذه البلاد ليسوا عربا فلا وجود لعروبة في هذه البلاد. الدولة التي استفردت بهذه الطائفة وبشكل متناقض هي أول من تؤكد هذه الحقيقة من خلال معاملتها لهذه الطائفة على أرض الواقع: التمييز العنصري، مصادرة الأراضي، طمس الهوية والانتماء.
الأمر نفسه قامت به على مر السنين مع البدو. وبقدرة قادر فقد البدو عروبتهم وتم سلخهم بشكل منهجي عن تاريخهم وتراثهم. بينما من ناحية الأخرى يعاملون من قبل الدولة ومؤسساتها معاملة العبيد. ما يجري في النقب حاليا خير دليل على ذلك.
طبعا لدولة إسرائيل مصلحة في التفريق الطائفي لكي تسود. ولكن ما هي مصلحتنا نحن كشعب فلسطيني للرضوخ وقبول هذه السياسة الغاشمة؟
لماذا لا تقوم اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية بحل نفسها فورا وتعلن: لن تكون هناك لجنة قطرية للسلطات المحلية العربية بدون القرى البدوية والدرزية؟. متى قامت هذه اللجنة أصلا بحراك جدي تتحدى به السياسة الإسرائيلية وتوحد الصفوف؟ لماذا لا تقوم لجنة المتابعة العليا وباقي المؤسسات المدنية بعملية تواصل جدية لرأب التصدع القومي الذي سببته سياسة "فرق تسد". ماذا يفيدنا الاستنكار شريد اللهجة؟ ماذا تفيدنا زيارات المجاملات والنفاق؟ لا شيء.
وأين دور الأحزاب الوطنية والقومية والدينية والتقدمية في التصدي لهذه السياسة الغاشمة؟ لماذا لا يتم مثلا تنظيم يوم الأرض ولو لمرة واحدة في عسفيا أو بيت جن أو في النقب؟ أليست أراضي هذه القرى هي أراضي عربية؟ لماذا لا يكون هناك تحرك جماهيري لنصرة طوبا الزنغرية والقرى البدوية المهددة بالاقتلاع في النقب والاكتفاء بالزيارات النخبوية لبعض الزعامات والاستنكارات شديدة اللهجة؟ يناشدون الجماهير للوقوف إلى جانب إخواننا البدو في النقب ولكنهم يعجزون عن تنظيم حافلة واحدة تنقل المتضامنين من الجليل والمثلث، بينما يتنقلون هم بسياراتهم الفخمة الممولة من الكنيست الصهيوني أو من قبل أحزابهم وجمعياتهم.
لنجعل من جريمة حرق المسجد في طوبا الزنغرية حافزا للقيام بتواصل حقيقي يعيد اللحمة إلى الجسم الفلسطيني الواحد الممزق

No comments: