من نقد الأنظمة إلى نقد الثورات
علي زبيدات – سخنين
منذ أن وعينا على هذه الدنيا ونحن ننتقد الأنظمة العربية ونحملها مسئولية تخلف الشعوب العربية عن ركب الحضارة ونحملها كل ما هو سلبي في مجتمعاتنا العربية في جميع المجالات وعلى كافة الأصعدة. أنا شخصيا توصلت منذ زمن طويل إلى نتيجة مفادها أن الأنظمة العربية ذات جوهر واحد بغض النظر عن تسميتها لنفسها: ملكية أم جمهورية، متطرفة أو معتدلة، دينية أو علمانية، رأسمالية أم اشتراكية، دولة رفض أو قبول، إلى ما هنالك من تصنيفات. جميعها تشكل حالة تخلف بنيوي وحضاري في المنطقة. وبالتالي فإن جميع هذه الأنظمة تستحق السقوط أو الإسقاط.
لا أستطيع أن أتصور نفسي في موقع المدافع عن هذا النظام أو ذاك مهما كانت الظروف ومهما كانت التبريرات.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، بعد مرور أكثر من نصف سنة على هبوب رياح التغيير والثورة على العالم العربي من المحيط إلى الخليج، هو: هل هذه الثورات هي البديل التاريخي الأفضل لهذه الأنظمة؟
بالرغم من قصر الفترة الثورية في العالم العربي إلا أن المحللين والدارسين لها قد سارعوا إلى تصنيفها إلى صنفين رئيسيين: الأول، ثورات نجحت في إسقاط النظام وتحقيق معظم مطالبها أو البدء في تحقيقها على الأقل وهي تونس ومصر. والثاني ثورات تعثرت فيها الثورة بشكل أو آخر وما زال الصراع دائرا لم يحسم بعد كما في ليبيا، اليمن، البحرين وسوريا.
المقصود من هذه المقالة ليس الحكم على هذه الثورة أو تلك بالفشل أو النجاح، وحتى ليس تقييما لهذه الثورات من منطلق الانجازات التي حققتها أو الإخفاقات التي كانت من نصيبها، بل هي مجرد ملاحظات نقدية قد يتقبلها البعض وقد يرفضها آخرون. ولكن سلاح النقد يبقى ضروريا ولا بد منه من أجل دفع عجلة النضال الثوري إلى الأمام.
حسب رأيي، كانت انجازات الثورة في البلدان التي انتصرت فيها أي في تونس ومصر متواضعة جدا. وذلك لأسباب عديدة لا مجال لسردها وتفصيلها هنا ولكني سوف أتوقف عند عاملين على غاية الأهمية تم تجاهلهما من قبل جميع المحللين والدارسين عن قصد أو عن غير قصد.
الأول: غياب الثورة الثقافية الفكرية. في أوروبا مثلا، لو لم تسبق الثورة السياسية التي نقلت القارة من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة ثورة ثقافية فكرية حطمت القيود التي فرضتها الأفكار الكنسية المتحجرة البالية، لما استطاعت الثورة السياسية الانتصار وإن انتصرت لأخفقت في تحقيق تحولات جذرية عميقة في مجتمعاتها. في أوروبا سمي ذلك عصر التنوير ابتداء من عيمانوئيل كانت، مرورا بجان جاك روسو وفولتير وهيغل وحتى ماركس وباقي المفكرين العمالقة. الثورات العربية جرت، تحت وطأة الاستبداد السياسي والركود الاقتصادي والفساد الإداري فحسب، ولكن بمفاهيم وأفكار قديمة وفي أغلب الأحيان عقيمة. الأحزاب السياسية التي من المفروض أن تقود النضال الثوري كانت هامشية أو شكلت دعامة للنظام البائد. لذلك بعد سقوط النظام تسارعت الخطوات لتحويل الثورة إلى نظام. وكانت التحولات الجذرية متواضعة وسطحية برزت في أفضل الحالات في التخلص من رموز النظام السابق ومحاكمة بعضهم. لو كانت هناك تحولات ثورية في الثقافة والفكر لمهدت الطريق أمام الثورة السياسية ولدفعت التحولات السياسية والاجتماعية إلى المزيد من التحولات الجذرية. لا يستطيع جيل الثورة أن ينتصر على النظام القائم بواسطة استخدام أفكار النظام القائم.
العامل الثاني هو التخلف الصناعي والاقتصادي للبلدان العربية: مرة أخرى نلجأ إلى أوروبا كنموذج: بالإضافة للثورة الفكرية، سبقت الثورة السياسية ثورة صناعية دكت أسس النظام الإقطاعي المنهار مما جعل الثورة السياسية حتمية تاريخية. وقد جرت محاولات لتحقيق الثورة الصناعية بعد انتصار الثورة السياسية ولكنها فشلت، وأكبر مثال على ذلك فشل الثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي السابق. حيث كان العامل الاقتصادي نقطة ضعف في هذه الثورة حتى زوالها بعد سبعين عاما من الثورة. العالم العربي بالرغم من الغنى الفاحش لبعض أجزائه بالنفط والأموال ومواد الخام، حافظ على تخلفه الاقتصادي وخصوصا الصناعي. كان النظام الإقطاعي سائدا حتى في البلدان التي لم تعرف الزراعة كدول الخليج التي أقامت ما أسميه بنظام الإقطاع المالي. في هذه الأيام، لا يمكن الحديث عن تقدم حضاري بدون الحديث عن ثورة صناعية. العالم العربي هو من حيث الأساس عالم مستهلك وليس عالما منتجا.
يجب العمل على إنقاذ الثورة في تونس ومصر من أن تتحولا بسرعة إلى نظام وبالتالي إلى ضرورة اللجوء إلى ثورة جديدة.
قلت في مناسبات عديدة أن الثورة تقاس بمقياسين، الأول: درجة التحولات الجذرية التي تحدثه في المجتمع في كافة المجالات. والثاني درجة عدائها للنظام الامبريالي العالمي. من هذا المنطلق لا نستطيع أن نصف المعارضة الليبية المتحالفة مع القوة الامبريالية بالثورة. ومن هذا المنطلق أيضا لا يمكن أن نعتبر السلطة الفلسطينية التي تلهث وراء الحلول الأمريكية سلطة ثورية أو وطنية. ومن هذا المنطلق نحذر من خطورة انزلاق المعارضة السورية للتحالف مع القوى الامبريالية. الشعب الذي لا يستطيع انتزاع حريته بالاعتماد على قواه الذاتية وعلى أبنائه فهو لا يستحق الحرية. بطش النظام لا يبرر اللجوء إلى قوى أجنبية دخيلة مهما كانت التسميات. من أجل إنقاذ الثورة في تونس وفي مصر ومن أجل انتصار الثورة في باقي البلدان العربية ينبغي المحافظة على نقاء الثورة وتنظيفها من الشوائب العالقة، الاستمرار بها وتعميقها وتوسيعها حتى تشمل كافة المجالات وأن تصعد العداء للنظام الامبريالي العالمي لأنه الداعم الأول للنظام المحلي الرجعي.
علي زبيدات – سخنين
منذ أن وعينا على هذه الدنيا ونحن ننتقد الأنظمة العربية ونحملها مسئولية تخلف الشعوب العربية عن ركب الحضارة ونحملها كل ما هو سلبي في مجتمعاتنا العربية في جميع المجالات وعلى كافة الأصعدة. أنا شخصيا توصلت منذ زمن طويل إلى نتيجة مفادها أن الأنظمة العربية ذات جوهر واحد بغض النظر عن تسميتها لنفسها: ملكية أم جمهورية، متطرفة أو معتدلة، دينية أو علمانية، رأسمالية أم اشتراكية، دولة رفض أو قبول، إلى ما هنالك من تصنيفات. جميعها تشكل حالة تخلف بنيوي وحضاري في المنطقة. وبالتالي فإن جميع هذه الأنظمة تستحق السقوط أو الإسقاط.
لا أستطيع أن أتصور نفسي في موقع المدافع عن هذا النظام أو ذاك مهما كانت الظروف ومهما كانت التبريرات.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، بعد مرور أكثر من نصف سنة على هبوب رياح التغيير والثورة على العالم العربي من المحيط إلى الخليج، هو: هل هذه الثورات هي البديل التاريخي الأفضل لهذه الأنظمة؟
بالرغم من قصر الفترة الثورية في العالم العربي إلا أن المحللين والدارسين لها قد سارعوا إلى تصنيفها إلى صنفين رئيسيين: الأول، ثورات نجحت في إسقاط النظام وتحقيق معظم مطالبها أو البدء في تحقيقها على الأقل وهي تونس ومصر. والثاني ثورات تعثرت فيها الثورة بشكل أو آخر وما زال الصراع دائرا لم يحسم بعد كما في ليبيا، اليمن، البحرين وسوريا.
المقصود من هذه المقالة ليس الحكم على هذه الثورة أو تلك بالفشل أو النجاح، وحتى ليس تقييما لهذه الثورات من منطلق الانجازات التي حققتها أو الإخفاقات التي كانت من نصيبها، بل هي مجرد ملاحظات نقدية قد يتقبلها البعض وقد يرفضها آخرون. ولكن سلاح النقد يبقى ضروريا ولا بد منه من أجل دفع عجلة النضال الثوري إلى الأمام.
حسب رأيي، كانت انجازات الثورة في البلدان التي انتصرت فيها أي في تونس ومصر متواضعة جدا. وذلك لأسباب عديدة لا مجال لسردها وتفصيلها هنا ولكني سوف أتوقف عند عاملين على غاية الأهمية تم تجاهلهما من قبل جميع المحللين والدارسين عن قصد أو عن غير قصد.
الأول: غياب الثورة الثقافية الفكرية. في أوروبا مثلا، لو لم تسبق الثورة السياسية التي نقلت القارة من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة ثورة ثقافية فكرية حطمت القيود التي فرضتها الأفكار الكنسية المتحجرة البالية، لما استطاعت الثورة السياسية الانتصار وإن انتصرت لأخفقت في تحقيق تحولات جذرية عميقة في مجتمعاتها. في أوروبا سمي ذلك عصر التنوير ابتداء من عيمانوئيل كانت، مرورا بجان جاك روسو وفولتير وهيغل وحتى ماركس وباقي المفكرين العمالقة. الثورات العربية جرت، تحت وطأة الاستبداد السياسي والركود الاقتصادي والفساد الإداري فحسب، ولكن بمفاهيم وأفكار قديمة وفي أغلب الأحيان عقيمة. الأحزاب السياسية التي من المفروض أن تقود النضال الثوري كانت هامشية أو شكلت دعامة للنظام البائد. لذلك بعد سقوط النظام تسارعت الخطوات لتحويل الثورة إلى نظام. وكانت التحولات الجذرية متواضعة وسطحية برزت في أفضل الحالات في التخلص من رموز النظام السابق ومحاكمة بعضهم. لو كانت هناك تحولات ثورية في الثقافة والفكر لمهدت الطريق أمام الثورة السياسية ولدفعت التحولات السياسية والاجتماعية إلى المزيد من التحولات الجذرية. لا يستطيع جيل الثورة أن ينتصر على النظام القائم بواسطة استخدام أفكار النظام القائم.
العامل الثاني هو التخلف الصناعي والاقتصادي للبلدان العربية: مرة أخرى نلجأ إلى أوروبا كنموذج: بالإضافة للثورة الفكرية، سبقت الثورة السياسية ثورة صناعية دكت أسس النظام الإقطاعي المنهار مما جعل الثورة السياسية حتمية تاريخية. وقد جرت محاولات لتحقيق الثورة الصناعية بعد انتصار الثورة السياسية ولكنها فشلت، وأكبر مثال على ذلك فشل الثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي السابق. حيث كان العامل الاقتصادي نقطة ضعف في هذه الثورة حتى زوالها بعد سبعين عاما من الثورة. العالم العربي بالرغم من الغنى الفاحش لبعض أجزائه بالنفط والأموال ومواد الخام، حافظ على تخلفه الاقتصادي وخصوصا الصناعي. كان النظام الإقطاعي سائدا حتى في البلدان التي لم تعرف الزراعة كدول الخليج التي أقامت ما أسميه بنظام الإقطاع المالي. في هذه الأيام، لا يمكن الحديث عن تقدم حضاري بدون الحديث عن ثورة صناعية. العالم العربي هو من حيث الأساس عالم مستهلك وليس عالما منتجا.
يجب العمل على إنقاذ الثورة في تونس ومصر من أن تتحولا بسرعة إلى نظام وبالتالي إلى ضرورة اللجوء إلى ثورة جديدة.
قلت في مناسبات عديدة أن الثورة تقاس بمقياسين، الأول: درجة التحولات الجذرية التي تحدثه في المجتمع في كافة المجالات. والثاني درجة عدائها للنظام الامبريالي العالمي. من هذا المنطلق لا نستطيع أن نصف المعارضة الليبية المتحالفة مع القوة الامبريالية بالثورة. ومن هذا المنطلق أيضا لا يمكن أن نعتبر السلطة الفلسطينية التي تلهث وراء الحلول الأمريكية سلطة ثورية أو وطنية. ومن هذا المنطلق نحذر من خطورة انزلاق المعارضة السورية للتحالف مع القوى الامبريالية. الشعب الذي لا يستطيع انتزاع حريته بالاعتماد على قواه الذاتية وعلى أبنائه فهو لا يستحق الحرية. بطش النظام لا يبرر اللجوء إلى قوى أجنبية دخيلة مهما كانت التسميات. من أجل إنقاذ الثورة في تونس وفي مصر ومن أجل انتصار الثورة في باقي البلدان العربية ينبغي المحافظة على نقاء الثورة وتنظيفها من الشوائب العالقة، الاستمرار بها وتعميقها وتوسيعها حتى تشمل كافة المجالات وأن تصعد العداء للنظام الامبريالي العالمي لأنه الداعم الأول للنظام المحلي الرجعي.