نهاية الوهم الفلسطيني
علي زبيدات – سخنين
في الماضي، كنا نعلل أنفسنا بأننا حركة تحرر وطني تخوض نضالا ضد الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية أطلقنا عليها مجازا اسم "الثورة الفلسطينية". وكنا ندعي بكل صلف وغرور بأن حركتنا الوطنية هذه هي طليعة حركة التحرر العربية وطالبنا الشعوب العربية وأنظمتها أن تحشد جميع طاقاتها لخدمة قضية العرب الأولى ألا وهي تحرير فلسطين من براثن الصهيونية.
بعد مرور فترة قصيرة من ضياع فلسطين تبين إننا لا نملك حركة تحرر وطني ولا يحزنون. وإن الثورة التي طبلنا لها وزمرنا لم تكن في أحسن الحالات أكثر من مقاومة متواضعة فرضها الواقع المؤلم نتيجة لنهب الأرض والتشريد في عام النكبة. مجرد اعترافنا الرسمي بدولة إسرائيل تخلينا بمحض إرادتنا عن تحرير 78% من فلسطين. أما ال22% المتبقية فيتم التفاوض حولها، وبما إننا كرماء وإسرائيل تستأهل يمكن أن نتنازل عن بعض نسبة مئوية أخرى. أما كلامنا السابق عن النضال ضد المعسكر الامبريالي العالمي فقد لحسناه تماما بع أن حولناه إلى تعاون وتحالف، كيف لا وهذا المعسكر يمللك 99% من أوراق حل القضية؟ وتعبيرا عن حسن نوايانا فقد عينا موظفا من بنك إمبريالي رئيسا لحكومتنا الوطنية. وجلبنا أحد الجنرالات الامبرياليين لكي يدرب " فدائيينا" ولكن هذه المرة ليس من أجل القيام بعمليات فدائية في عمق إسرائيل بل من أجل حمايتها.
أما بالنسبة لاعتبار حركتنا الوطنية طليعة حركة التحرر الوطني فقد كفرنا عنه بانضمامنا إلى معسكر المعتدلين العرب. حلفاؤنا اليوم هم الملوك والرؤساء والأمراء العرب الذين يجثمون على صدور شعوبهم. شطبنا من قاموسنا مصطلح الرجعية العربية واستعضنا عنه بمصطلح "المرجعية العربية" بعد انطلاقة مبادرة السلام العربية التي بالرغم من تفاهتها تدوسها أقدام الإسرائيليين والامبرياليين على مختلف جنسياتهم.
بالرغم من ذلك ما زلنا نعيش وهم حركة التحرر الوطني أو ما يسميه المتفائلون منا بالثورة الفلسطينية. لقد آن الأوان أن نستفيق من هذا الوهم الذي هو ليس أكثر من مزيج من أحلام اليقظة والكوابيس. الاستفاقة من هذا الوهم تحتم تحطيم الأصنام التي نعبدها، ونحر بقراتنا المقدسة على مذبح الحقيقة. الاستفاقة من هذا الوهم تحتم انطلاقة فكرية وسياسية جديدة.
أولا وقبل كل شيء يجب أن نعترف أن فلسطين ليست مركز العالم حتى إنها ليست مركز المنطقة. لم تكن فلسطين على مر العصور أكثر من إقليم، مقاطعة، ولاية، سنجق، من منطقة أوسع كانت تسمى وما زالت تسمى بلاد الشام، وهي بدورها جزء من منطقة أوسع تمتد من الهلال الخصيب حتى وادي النيل. الشعب الفلسطيني الذي عاش في هذا الإقليم كان هو الآخر على مر العصور جزءا لا يتجزأ من شعوب هذه المنطقة. قامت في هذه المنطقة قديما وحديثا حضارات إنسانية عديدة واندثرت، قامت إمبراطوريات وممالك ودول وزالت، بعضها كانت تفرض سيطرتها على المنطقة بكاملها وبعضها كان يستفرد بالسيطرة على هذا الإقليم أو ذاك أو على بعض الأقاليم لفترة من الزمن. حسب معلوماتي لم تكن فلسطين في يوم من الأيام كياننا سياسيا منفردا ومستقلا. مثلها مثل باقي الأقاليم. في العصور القديمة والحديثة كانت جزءا من دولة عاصمتها إما في الحجاز أو دمشق أو بغداد أو مصر أو اسطنبول. بعض المؤرخين يشيرون إلى فترة حكم ظاهر العمر بأنها الفترة الوحيدة التي تمتع فيها هذا الإقليم ببعض الاستقلال السياسي. ولكن هذا أيضا حدث في إطار صراع داخل الدولة العثمانية ومع أقاليم أخرى من صدا وحتى دمشق.
عندما كانت فلسطين أو أي إقليم آخر يقع تحت نير الاحتلال الأجنبي كانت مسؤولية تحريرها تقع على عاتق باقي الأقاليم حسب ميزان قوتها. صلاح الدين الأيوبي هو خير مثال على ذلك عندما حررها من الصليبين.
الدول العربية الحديثة ليست سوى إفرازات للتوافق الانجليزي الفرنسي أطلقنا عليها في حينه: حظائر سايكس – بيكو. لكننا في الواقع تهافتنا عليها وقبلناها بالأحضان نحيي ذكرى "استقلالها" كل عام.
لقد آن الأوان أن نعيد الأمور إلى نصابها الحقيقي، إلى وضعها الطبيعي: فلسطين هي جزء لا يتجزأ من بلاد الشام وارض الكنانة وهي التي كانت دائما تتولى قيادة الحركة الوطنية. سكان فلسطين عاجزون ماديا وتاريخيا عن القيام بمثل هذه المهمة. لا يوجد عندنا عنصر بشري كاف للقيام بهذه المهمة. التحولات الكمية لا يمكن أن تتحول إلى تحولات كيفية، لسبب واحد على الأقل وهو انه لا يوجد هناك كم أصلا. عندما نقول مصر هي أم الدنيا نتكلم عن وجود أكثر من 80 مليون إنسان وهذا بحد ذاته أكبر ضمان لتحول التراكمات الكمية في النضال إلى تحولات كيفية. بلاد الشام هي الأخرى تملك طاقات كمية تستطيع أن تتحول إلى طاقات كيفية تغير وجه المنطقة. جريمتنا التي لا تغتفر هو تمسكنا بالوهم القائل أن حركة التحرر الفلسطينية هي طليعة حركة التحرر العربية وأن "الثورة" الفلسطينية هي طليعة الثورة العربية. كلام فارغ: الثورة في مصر أو في سوريا هي أهم بما لا يقاس من أية أوهام عن ثورة في فلسطين. اليوم تقف مصر أمام انتخابات برلمانية، وهذه الانتخابات بالطبع لن تجلب أية تغييرات كيفية. ما زال الحزب "الوطني" الحاكم قادرا على تزييف إرادة الشعب، لكن مصر حبلى بالتغيرات الثورية. تصوروا ثورة منتصرة في مصر كيف سوف تغير وجه التاريخ؟. الثورة في سوريا هي الأخرى أهم من الثورة في فلسطين بما لا يقاس. والشعب السوري يمتلك الكم الذي قد يتحول إلى كيف. ثورة ظافرة في سوريا لن تطالب بتحرير الجولان المحتل فحسب بل بتحرير كل شبر من بلاد الشام. على المناضلين الفلسطينيين أن يتخلوا عن غرورهم المصطنع ويعودوا إلى الأصل، ينخرطوا بل ينصهروا بحركات التحرر في مصر وسوريا على وجه الخصوص. يجب التخلص نهائيا من سياسة "عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية" التي مارستها منظمة التحرير لفلسطينية لفترة طويلة واستعملتها وسيلة للارتماء في أحضان الامبريالية والرجعية. لعل أكبر خطأ ارتكبه جورج حبش ورفاقه على الساحة الفلسطينية كان إقامة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بدلا من العمل على تطوير حركة القوميين العرب لكي تصبح نواة لثورة عربية شاملة. هذه الخطوة سببت تشرذم الحركة وسقوطها في مستنقع القطرية حتى انحلالها حتى في الأماكن التي حققت فيها انتصارات كاليمن الجنوبي.
يجب على الوهم الفلسطيني أن يخلي مكانه أمام الحلم العربي.
علي زبيدات – سخنين
في الماضي، كنا نعلل أنفسنا بأننا حركة تحرر وطني تخوض نضالا ضد الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية أطلقنا عليها مجازا اسم "الثورة الفلسطينية". وكنا ندعي بكل صلف وغرور بأن حركتنا الوطنية هذه هي طليعة حركة التحرر العربية وطالبنا الشعوب العربية وأنظمتها أن تحشد جميع طاقاتها لخدمة قضية العرب الأولى ألا وهي تحرير فلسطين من براثن الصهيونية.
بعد مرور فترة قصيرة من ضياع فلسطين تبين إننا لا نملك حركة تحرر وطني ولا يحزنون. وإن الثورة التي طبلنا لها وزمرنا لم تكن في أحسن الحالات أكثر من مقاومة متواضعة فرضها الواقع المؤلم نتيجة لنهب الأرض والتشريد في عام النكبة. مجرد اعترافنا الرسمي بدولة إسرائيل تخلينا بمحض إرادتنا عن تحرير 78% من فلسطين. أما ال22% المتبقية فيتم التفاوض حولها، وبما إننا كرماء وإسرائيل تستأهل يمكن أن نتنازل عن بعض نسبة مئوية أخرى. أما كلامنا السابق عن النضال ضد المعسكر الامبريالي العالمي فقد لحسناه تماما بع أن حولناه إلى تعاون وتحالف، كيف لا وهذا المعسكر يمللك 99% من أوراق حل القضية؟ وتعبيرا عن حسن نوايانا فقد عينا موظفا من بنك إمبريالي رئيسا لحكومتنا الوطنية. وجلبنا أحد الجنرالات الامبرياليين لكي يدرب " فدائيينا" ولكن هذه المرة ليس من أجل القيام بعمليات فدائية في عمق إسرائيل بل من أجل حمايتها.
أما بالنسبة لاعتبار حركتنا الوطنية طليعة حركة التحرر الوطني فقد كفرنا عنه بانضمامنا إلى معسكر المعتدلين العرب. حلفاؤنا اليوم هم الملوك والرؤساء والأمراء العرب الذين يجثمون على صدور شعوبهم. شطبنا من قاموسنا مصطلح الرجعية العربية واستعضنا عنه بمصطلح "المرجعية العربية" بعد انطلاقة مبادرة السلام العربية التي بالرغم من تفاهتها تدوسها أقدام الإسرائيليين والامبرياليين على مختلف جنسياتهم.
بالرغم من ذلك ما زلنا نعيش وهم حركة التحرر الوطني أو ما يسميه المتفائلون منا بالثورة الفلسطينية. لقد آن الأوان أن نستفيق من هذا الوهم الذي هو ليس أكثر من مزيج من أحلام اليقظة والكوابيس. الاستفاقة من هذا الوهم تحتم تحطيم الأصنام التي نعبدها، ونحر بقراتنا المقدسة على مذبح الحقيقة. الاستفاقة من هذا الوهم تحتم انطلاقة فكرية وسياسية جديدة.
أولا وقبل كل شيء يجب أن نعترف أن فلسطين ليست مركز العالم حتى إنها ليست مركز المنطقة. لم تكن فلسطين على مر العصور أكثر من إقليم، مقاطعة، ولاية، سنجق، من منطقة أوسع كانت تسمى وما زالت تسمى بلاد الشام، وهي بدورها جزء من منطقة أوسع تمتد من الهلال الخصيب حتى وادي النيل. الشعب الفلسطيني الذي عاش في هذا الإقليم كان هو الآخر على مر العصور جزءا لا يتجزأ من شعوب هذه المنطقة. قامت في هذه المنطقة قديما وحديثا حضارات إنسانية عديدة واندثرت، قامت إمبراطوريات وممالك ودول وزالت، بعضها كانت تفرض سيطرتها على المنطقة بكاملها وبعضها كان يستفرد بالسيطرة على هذا الإقليم أو ذاك أو على بعض الأقاليم لفترة من الزمن. حسب معلوماتي لم تكن فلسطين في يوم من الأيام كياننا سياسيا منفردا ومستقلا. مثلها مثل باقي الأقاليم. في العصور القديمة والحديثة كانت جزءا من دولة عاصمتها إما في الحجاز أو دمشق أو بغداد أو مصر أو اسطنبول. بعض المؤرخين يشيرون إلى فترة حكم ظاهر العمر بأنها الفترة الوحيدة التي تمتع فيها هذا الإقليم ببعض الاستقلال السياسي. ولكن هذا أيضا حدث في إطار صراع داخل الدولة العثمانية ومع أقاليم أخرى من صدا وحتى دمشق.
عندما كانت فلسطين أو أي إقليم آخر يقع تحت نير الاحتلال الأجنبي كانت مسؤولية تحريرها تقع على عاتق باقي الأقاليم حسب ميزان قوتها. صلاح الدين الأيوبي هو خير مثال على ذلك عندما حررها من الصليبين.
الدول العربية الحديثة ليست سوى إفرازات للتوافق الانجليزي الفرنسي أطلقنا عليها في حينه: حظائر سايكس – بيكو. لكننا في الواقع تهافتنا عليها وقبلناها بالأحضان نحيي ذكرى "استقلالها" كل عام.
لقد آن الأوان أن نعيد الأمور إلى نصابها الحقيقي، إلى وضعها الطبيعي: فلسطين هي جزء لا يتجزأ من بلاد الشام وارض الكنانة وهي التي كانت دائما تتولى قيادة الحركة الوطنية. سكان فلسطين عاجزون ماديا وتاريخيا عن القيام بمثل هذه المهمة. لا يوجد عندنا عنصر بشري كاف للقيام بهذه المهمة. التحولات الكمية لا يمكن أن تتحول إلى تحولات كيفية، لسبب واحد على الأقل وهو انه لا يوجد هناك كم أصلا. عندما نقول مصر هي أم الدنيا نتكلم عن وجود أكثر من 80 مليون إنسان وهذا بحد ذاته أكبر ضمان لتحول التراكمات الكمية في النضال إلى تحولات كيفية. بلاد الشام هي الأخرى تملك طاقات كمية تستطيع أن تتحول إلى طاقات كيفية تغير وجه المنطقة. جريمتنا التي لا تغتفر هو تمسكنا بالوهم القائل أن حركة التحرر الفلسطينية هي طليعة حركة التحرر العربية وأن "الثورة" الفلسطينية هي طليعة الثورة العربية. كلام فارغ: الثورة في مصر أو في سوريا هي أهم بما لا يقاس من أية أوهام عن ثورة في فلسطين. اليوم تقف مصر أمام انتخابات برلمانية، وهذه الانتخابات بالطبع لن تجلب أية تغييرات كيفية. ما زال الحزب "الوطني" الحاكم قادرا على تزييف إرادة الشعب، لكن مصر حبلى بالتغيرات الثورية. تصوروا ثورة منتصرة في مصر كيف سوف تغير وجه التاريخ؟. الثورة في سوريا هي الأخرى أهم من الثورة في فلسطين بما لا يقاس. والشعب السوري يمتلك الكم الذي قد يتحول إلى كيف. ثورة ظافرة في سوريا لن تطالب بتحرير الجولان المحتل فحسب بل بتحرير كل شبر من بلاد الشام. على المناضلين الفلسطينيين أن يتخلوا عن غرورهم المصطنع ويعودوا إلى الأصل، ينخرطوا بل ينصهروا بحركات التحرر في مصر وسوريا على وجه الخصوص. يجب التخلص نهائيا من سياسة "عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية" التي مارستها منظمة التحرير لفلسطينية لفترة طويلة واستعملتها وسيلة للارتماء في أحضان الامبريالية والرجعية. لعل أكبر خطأ ارتكبه جورج حبش ورفاقه على الساحة الفلسطينية كان إقامة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بدلا من العمل على تطوير حركة القوميين العرب لكي تصبح نواة لثورة عربية شاملة. هذه الخطوة سببت تشرذم الحركة وسقوطها في مستنقع القطرية حتى انحلالها حتى في الأماكن التي حققت فيها انتصارات كاليمن الجنوبي.
يجب على الوهم الفلسطيني أن يخلي مكانه أمام الحلم العربي.