حول لجنة المتابعة وقضايا خلافية أخرى
علي زبيدات - سخنين
نشر المحامي أيمن عودة، سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة على موقع الجبهة الالكتروني "دراسة" بعنوان: لجنة المتابعة العليا – لجنة منتخبة أم لجنة منتخبين؟" يتناول بها وجهة نظر الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة بصدد لجنة المتابعة من حيث أهميتها ومستقبلها وعلاقة الجماهير الفلسطينية مع الدولة ومع الأغلبية اليهودية ودور الأحزاب والحركات المكونة لهذه اللجنة وأخيرا موقف الحزب من إعادة بناء هذه اللجنة من خلال انتخابها.
هذه المقالة ليست ردا على هذه"الدراسة"، هذا إذا ما اعتبرنا ما كتبه أيمن عودة دراسة أصلا. ما وجدته هناك هو سرد تاريخي تتخلله بعض الأفكار والمواقف المعروفة للحزب مع بعض الشطحات لإعادة كتابة التاريخ بحيث يكون الحزب وتاريخه ونضاله محور القضية. ليست هذه المقالة سوى ملاحظات عابرة ولكنها متمردة ترفض "الحقائق" المحسومة بشكل اعتباطي التي تنضح بها هذه الدراسة في أمور تهمنا جمعينا وتقول: للتزييف حدود يا رفيق.
طبعا كل شخص يستطيع أن يقول عن نفسه ما يريد، وكما يقول المثل: لا ضريبة على الكلام. وكذلك الأحزاب والحركات السياسية تستطيع أن تقول وتكتب عن نفسها ما تريد. تستطيع أن تدعي الانتصارات مع أنها تحمل على كاهلها هزائم لا تعد ولا تحصى. وتستطيع أن تتفاخر بالانجازات الوهمية وتصدق نفسها. وتستطيع أن ترفع الشعارات السامية وتطبق نقيضها. وبما أننا لا نحكم على الشخص من خلال كلامه عن نفسه، بل من خلال ممارساته العملية والفكرية، كذلك لا نستطيع أن نحكم على الأحزاب والحركات السياسية من خلال ما تقوله وتكتبه عن نفسها، بل من خلال ممارساتها العملية وفكرها السياسي.
بالنسبة للكلام المجتر منذ سنوات طويلة حول إعادة بناء لجنة المتابعة تبلور هناك موقفان. الأول: تمثله الحركة الإسلامية الشمالية والتجمع الوطني الديمقراطي وأبناء البلد، هذا بالرغم من التفاوت والاختلافات في التفاصيل فيما بينها. والذي يدعو إلى انتخاب لجنة المتابعة عن طريق انتخابات حرة وعامة. والثاني: الموقف الذي تقف في محورة الجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي الإسرائيلي وبعض الجهات الأخرى والذي يتلخص بالحفاظ على الوضع الراهن مع بعض التحسينات في الأداء. بما أن عماد لجنة المتابعة هم أعضاء الكنيست العرب وهم أعضاء منتخبون، ورؤساء البلديات والمجالس المحلية وهم أيضا منتخبون، إذن ما ضرورة انتخابات جديدة تسيء أكثر إلى علاقتنا مع الدولة ومع الأغلبية اليهودية وخصوصا مع "القوى الديمقراطية اليهودية"؟
ويضيف أيمن عودة سببا وجيها آخرا إلى تحفظه من انتخاب لجنة المتابعة. وهو أن الانتخابات في وسطنا العربي تجري على أساس العائلية والطائفية والمصالح الفئوية الضيقة، فما الذي سيمنع نسخ هذه المضامين إلى انتخابات لجنة المتابعة؟ بالإضافة إلى ذلك فإن نصف المصوتين لا يصلون إلى صناديق الاقتراع أصلا وحوالي نصف الذين يصلون يدلي بصوته للأحزاب الصهيونية.
حسب رأيي، السؤال الرئيسي هنا والذي يتحاشى الخوض في غماره كلا المعسكرين، ليس إذا كنا نريد لجنة متابعة منتخبة أو لجنة متابعة من منتخبين. بل إذا كنا أصلا بحاجة إلى لجنة متابعة بهذا المضمون؟
ما هي ضرورة وجود لجنة تكرس تمزقنا وتشرذمنا؟ ما هي ضرورة وجود لجنة تدعي تمثيل جزء معين من الشعب الفلسطيني وتبقيه بعيدا عن باقي أجزائه؟
في بداية سنوات الستين وحتى نهاية سنوات الثمانين كنا نعتبر، بغض النظر عن انتماءاتنا التنظيمية ومشاربنا السياسية، منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده. في ذلك الوقت كان الحزب الشيوعي الإسرائيلي، ومن ثم الجبهة الديمقراطية، يسبح ضد التيار. إذ كان يطمح بل يعتبر نفسه بأنه هو الذي يمثل فلسطينيي الداخل وليس منظمة التحرير.
أحيت منظمة التحرير الفلسطينية في بداية عهدها، وبالرغم من جميع سلبياتها ومساوئها، حلما بوحدة الشعب الفلسطيني رغما عن حالة اللجوء والشتات، حلما بضرورة وإمكانية التحرير. غير أن هذا الحلم قد اندثر وزال أو أصبح في أغلب الحالات كابوسا مزعجا. فالمنظمة أصبحت تنظيمات متنافرة أو متناحرة، ومفهوم التحرير تم شطبه نهائيا من قواميسها مع شطبه من الميثاق الوطني الفلسطيني في أعقاب اتفاقيات أوسلو، ولم تعد فلسطينية مع تغلغل الأنظمة العربية والقوى الامبريالية إلى شرايينها.
الشعب الفلسطيني بحاجة إلى منظمة تحرير فلسطينية جديدة تعيد اللحمة إلى أجزائه الممزقة، تعيد حلم تحرير الأرض والإنسان والعودة، تكون فلسطينية قلبا وقالبا، ليست مستقلة عن الرجعية العربية والقوى الامبريالية فحسب بل معادية لهما. تكون جزءا من حركة التحرير الوطنية العالمية ليس لفظا بل عملا وممارسة. فقط في ظل وجود منظمة كهذه تستطيع الجماهير الفلسطينية التي تعيش ظروفا خاصة أن تتنظم محليا بما ينسجم مع الرؤيا الشاملة للتحرير.
الجريمة التي تقترفها لجنة المتابعة بكافة مركباتها، التي تريد إعادة بنائها عن طريق الانتخابات والتي تريد أن تحافظ على شكلها الراهن، أنها تتعامل مع جماهيرنا كأقلية، ضاربة بعرض الحائط الحقائق الدامغة التي تقول أننا جزء من أمة تعد 350 مليونا ومن شعب يقارب العشرة ملايين، فمن الأقلية هنا ومن الأغلبية؟ هل الحدود اللاشرعية التي تمزق الوطن الواحد والأمة الواحدة وسياسة التهجير والتطهير العرقي هي التي تحدد الأقلية والأغلبية؟
لست ضد تنظيم الجماهير الفلسطينية في كل مكان تتواجد فيه، بل على العكس، فإن تنظيمها ضرورة حياتية ومصيرية، ولكن بشرط أن يكون الأفق الوحدوي العابر لواقع التجزئة هو الحاسم.
لجنة المتابعة العليا في صيغتها الراهنة هي رافد آخر يلتقي مع الكنيست الصهيوني والسلطة المحلية هدفه تدجين الجماهير الفلسطينية وسلخها عن انتمائها الطبيعي. أقنعة الشعارات الرنانة لا تستطيع أن تخفي هذه الحقيقة. الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى بانطلاقة ثورية جديدة تعيده إلى التاريخ البشري.
علي زبيدات - سخنين
نشر المحامي أيمن عودة، سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة على موقع الجبهة الالكتروني "دراسة" بعنوان: لجنة المتابعة العليا – لجنة منتخبة أم لجنة منتخبين؟" يتناول بها وجهة نظر الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة بصدد لجنة المتابعة من حيث أهميتها ومستقبلها وعلاقة الجماهير الفلسطينية مع الدولة ومع الأغلبية اليهودية ودور الأحزاب والحركات المكونة لهذه اللجنة وأخيرا موقف الحزب من إعادة بناء هذه اللجنة من خلال انتخابها.
هذه المقالة ليست ردا على هذه"الدراسة"، هذا إذا ما اعتبرنا ما كتبه أيمن عودة دراسة أصلا. ما وجدته هناك هو سرد تاريخي تتخلله بعض الأفكار والمواقف المعروفة للحزب مع بعض الشطحات لإعادة كتابة التاريخ بحيث يكون الحزب وتاريخه ونضاله محور القضية. ليست هذه المقالة سوى ملاحظات عابرة ولكنها متمردة ترفض "الحقائق" المحسومة بشكل اعتباطي التي تنضح بها هذه الدراسة في أمور تهمنا جمعينا وتقول: للتزييف حدود يا رفيق.
طبعا كل شخص يستطيع أن يقول عن نفسه ما يريد، وكما يقول المثل: لا ضريبة على الكلام. وكذلك الأحزاب والحركات السياسية تستطيع أن تقول وتكتب عن نفسها ما تريد. تستطيع أن تدعي الانتصارات مع أنها تحمل على كاهلها هزائم لا تعد ولا تحصى. وتستطيع أن تتفاخر بالانجازات الوهمية وتصدق نفسها. وتستطيع أن ترفع الشعارات السامية وتطبق نقيضها. وبما أننا لا نحكم على الشخص من خلال كلامه عن نفسه، بل من خلال ممارساته العملية والفكرية، كذلك لا نستطيع أن نحكم على الأحزاب والحركات السياسية من خلال ما تقوله وتكتبه عن نفسها، بل من خلال ممارساتها العملية وفكرها السياسي.
بالنسبة للكلام المجتر منذ سنوات طويلة حول إعادة بناء لجنة المتابعة تبلور هناك موقفان. الأول: تمثله الحركة الإسلامية الشمالية والتجمع الوطني الديمقراطي وأبناء البلد، هذا بالرغم من التفاوت والاختلافات في التفاصيل فيما بينها. والذي يدعو إلى انتخاب لجنة المتابعة عن طريق انتخابات حرة وعامة. والثاني: الموقف الذي تقف في محورة الجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي الإسرائيلي وبعض الجهات الأخرى والذي يتلخص بالحفاظ على الوضع الراهن مع بعض التحسينات في الأداء. بما أن عماد لجنة المتابعة هم أعضاء الكنيست العرب وهم أعضاء منتخبون، ورؤساء البلديات والمجالس المحلية وهم أيضا منتخبون، إذن ما ضرورة انتخابات جديدة تسيء أكثر إلى علاقتنا مع الدولة ومع الأغلبية اليهودية وخصوصا مع "القوى الديمقراطية اليهودية"؟
ويضيف أيمن عودة سببا وجيها آخرا إلى تحفظه من انتخاب لجنة المتابعة. وهو أن الانتخابات في وسطنا العربي تجري على أساس العائلية والطائفية والمصالح الفئوية الضيقة، فما الذي سيمنع نسخ هذه المضامين إلى انتخابات لجنة المتابعة؟ بالإضافة إلى ذلك فإن نصف المصوتين لا يصلون إلى صناديق الاقتراع أصلا وحوالي نصف الذين يصلون يدلي بصوته للأحزاب الصهيونية.
حسب رأيي، السؤال الرئيسي هنا والذي يتحاشى الخوض في غماره كلا المعسكرين، ليس إذا كنا نريد لجنة متابعة منتخبة أو لجنة متابعة من منتخبين. بل إذا كنا أصلا بحاجة إلى لجنة متابعة بهذا المضمون؟
ما هي ضرورة وجود لجنة تكرس تمزقنا وتشرذمنا؟ ما هي ضرورة وجود لجنة تدعي تمثيل جزء معين من الشعب الفلسطيني وتبقيه بعيدا عن باقي أجزائه؟
في بداية سنوات الستين وحتى نهاية سنوات الثمانين كنا نعتبر، بغض النظر عن انتماءاتنا التنظيمية ومشاربنا السياسية، منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده. في ذلك الوقت كان الحزب الشيوعي الإسرائيلي، ومن ثم الجبهة الديمقراطية، يسبح ضد التيار. إذ كان يطمح بل يعتبر نفسه بأنه هو الذي يمثل فلسطينيي الداخل وليس منظمة التحرير.
أحيت منظمة التحرير الفلسطينية في بداية عهدها، وبالرغم من جميع سلبياتها ومساوئها، حلما بوحدة الشعب الفلسطيني رغما عن حالة اللجوء والشتات، حلما بضرورة وإمكانية التحرير. غير أن هذا الحلم قد اندثر وزال أو أصبح في أغلب الحالات كابوسا مزعجا. فالمنظمة أصبحت تنظيمات متنافرة أو متناحرة، ومفهوم التحرير تم شطبه نهائيا من قواميسها مع شطبه من الميثاق الوطني الفلسطيني في أعقاب اتفاقيات أوسلو، ولم تعد فلسطينية مع تغلغل الأنظمة العربية والقوى الامبريالية إلى شرايينها.
الشعب الفلسطيني بحاجة إلى منظمة تحرير فلسطينية جديدة تعيد اللحمة إلى أجزائه الممزقة، تعيد حلم تحرير الأرض والإنسان والعودة، تكون فلسطينية قلبا وقالبا، ليست مستقلة عن الرجعية العربية والقوى الامبريالية فحسب بل معادية لهما. تكون جزءا من حركة التحرير الوطنية العالمية ليس لفظا بل عملا وممارسة. فقط في ظل وجود منظمة كهذه تستطيع الجماهير الفلسطينية التي تعيش ظروفا خاصة أن تتنظم محليا بما ينسجم مع الرؤيا الشاملة للتحرير.
الجريمة التي تقترفها لجنة المتابعة بكافة مركباتها، التي تريد إعادة بنائها عن طريق الانتخابات والتي تريد أن تحافظ على شكلها الراهن، أنها تتعامل مع جماهيرنا كأقلية، ضاربة بعرض الحائط الحقائق الدامغة التي تقول أننا جزء من أمة تعد 350 مليونا ومن شعب يقارب العشرة ملايين، فمن الأقلية هنا ومن الأغلبية؟ هل الحدود اللاشرعية التي تمزق الوطن الواحد والأمة الواحدة وسياسة التهجير والتطهير العرقي هي التي تحدد الأقلية والأغلبية؟
لست ضد تنظيم الجماهير الفلسطينية في كل مكان تتواجد فيه، بل على العكس، فإن تنظيمها ضرورة حياتية ومصيرية، ولكن بشرط أن يكون الأفق الوحدوي العابر لواقع التجزئة هو الحاسم.
لجنة المتابعة العليا في صيغتها الراهنة هي رافد آخر يلتقي مع الكنيست الصهيوني والسلطة المحلية هدفه تدجين الجماهير الفلسطينية وسلخها عن انتمائها الطبيعي. أقنعة الشعارات الرنانة لا تستطيع أن تخفي هذه الحقيقة. الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى بانطلاقة ثورية جديدة تعيده إلى التاريخ البشري.