في بداية الشهر حبس العالم العربي والإسلامي أنفاسه وهو يستمع إلى خطاب الرئيس الأمريكي الجديد براك أوباما من على منصة جامعة القاهرة أمام حوالي 2500 شخص وببث مباشر إلى الملايين عبر كافة الفضائيات الإخبارية العربية. في هذا الخطاب أراد اوباما أن يفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالمين العربي والإسلامي. نحن هنا لسنا بصدد تحليل هذا الخطاب أو تقييمه ولكن والحق يقال أن أوباما استطاع من خلال بعض عبارات المجاملة حول تاريخ الإسلام المضيء ودوره ومكانته في أمريكا ومن خلال الاستشهاد بآيات من القرآن الكريم في عدة مواقع من خطابه ومن خلال بعض الأفكار العامة غير الملزمة، أن يكتسح العالم العربي والإسلامي. وتحولت أمريكا بين ليلة وضحاها إلى أعز صديق للعرب وللمسلمين.
قلت قبل وبعد خطاب أوباما في القاهرة أنه إذا أراد أوباما أن يحسن صورة أمريكا عند العرب كان عليه قبل قدومه أن يسحب كافة جنوده من العراق والافغانستان وأن يعوض هذين البلدين عن الخسائر (التي لا تعوض) التي سببها الجيش الأمريكي. وعليه أيضا إغلاق كافة القواعد العسكرية الموجودة في المنطقة وعدم التدخل في شؤون الدول الداخلية ويتوقف عن دعم الأنظمة الفاسدة. وإذا أراد أن يحسن صورته وصورة بلاده عند الشعب الفلسطيني عليه قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وسحب الاعتراف بها ككيان غير شرعي ومساعدة الشعب الفلسطيني لاسترجاع حقوقه وخصوصا تحرير الأرض والعودة. وعدم الاكتفاء باجترار التزامه بإقامة دولة فلسطينية هلامية لا أحد يعرف حدودها أو مكوناتها.
طبعا أتهمت حتى من قبل أقرب المقربين بالمبالغة والمزاودة إذ لم يخلق حتى الآن الزعيم الأمريكي الذي يحلم بمثل ذلك. ونصحوني أن أرى النصف المليء من الكأس وليس النصف الفارغ. إنها مجرد نقطة ماء عالقة في قاع ألكاس ليس إلا ولكن ما العمل ونحن كما يقول مثلنا الشعبي: نغرق في شبر من الماء.
على كل حال، إذا كان هناك شيء ايجابي في خطاب أوباما فأنه يكمن في الخطاب نفسه، أي بوجود رئيس أمريكي يقوم بدوره.
في منتصف الشهر ذاته، أي في بداية هذا الأسبوع وبالتحديد في 14 يونيو وقف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على منصة جامعة أخرى هي جامعة بار أيلان المعروفة بانتمائها لليمين الإسرائيلي المتطرف وألقى خطابا شرح به موقفه وموقف حكومته ليس فقط من خطاب أوباما بل مما يسمى المسيرة السلمية بشكل عام. مرة أخرى حبس العالم العربي أنفاسه ليستمع الى هذا الخطاب.
بعد المقدمة التي سردها في تزييف التاريخ وإلقاء التهم على الضحية وهو الشعب الفلسطيني أراد أن يظهر بمظهر رجل السلام. فهو يشارك الرئيس اوباما رؤيته ورؤية "العالم الحر" بموافقته على قيام دولة فلسطينية. فهو لا يريد السيطرة على الشعب الفلسطيني، إنه يريد فقط دولة منزوعة السلاح توجد بها شرطة لقمع المواطنين الذين يفكرون بالمقاومة، دولة لا تملك السلطة على أجوائها ولا على حدودها ومعابرها. دولة تتقبل الكتل الاستيطانية وتهويد القدس وتعترف بها كعاصمة أبدية لإسرائيل. وتعترف بها كدولة الشعب اليهودي.
"العالم الحر" وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة براك أوباما رحبت بهذا الخطاب وإعتبرته خطوة إلى الامام في الطريق السلام المنشود. أحد القادة الأوروبيين صرح بطريقة بائسة تدعي إلى السخرية: "لقد ذكر نتنياهو في خطابه كلمة دولة وهذا أمر إيجابي".
العالم العربي والإسلامي صمت مثل أهل القبور، بعض الأصوات الفلسطينية الهزيلة تحتج هنا وهناك.
أين الخطاب العربي؟؟
العرب، المشهورين بالخطابات منذ العصر الجاهلي مرورا بالعصور الإسلامية المتعاقبة وحتى يومنا هذا لماذا عقد لسانهم؟
للتذكير فقط، كان الخطيب في العصر الجاهلي بمثابة وزير إعلام القبيلة يقدم النصح والإرشاد والمفاخرة ويمثل قبيلته في مقابلة الملوك. وما زلنا حتى اليوم نردد خطب قس بن ساعدة وسهل بن عمر ولبيد بن ربيعة. وجاء الإسلام وجعل من الخطابة فنا ومهنة. فلو لم يكن هناك خطباء لما أنتشر الإسلام في أصقاع الأرض وما زلنا نردد خطبة الوداع وخطب علي بن أبي طالب. وبعد نشوء الأحزاب والحركات الإسلامية كان لكل منها خطيب خاص دخل التاريخ الاسلامي من خلال خطبه فهذا الحسين بن علي والحجاج بن يوسف وزياد بن أبي سفيان والكثيرون غيرهم على مر العصور، بزوا الخطيب الاغريقي باركليس وتركوا الخطيب الروماني شيشرون في الخلف. هذا ناهيك عن خطب الجمعة التي أصبحت جزءا من الصلاة في كافة الجوامع. والآن لا يوجد أحد يرد على خطابي أوباما ونتنياهو بخطاب؟
أين شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي الذي بعث الدعوات للاستماع لخطاب اوباما باسمه وباسم رئيس جامعة القاهرة؟ إذا عجز المرء في مرحلة معينة عن استرداد حقه السليب بالقوة فقد يعذر، ولكن أن يعجز حتى عن الكلام؟ فهذا لا عذر له إلا إذا كان ميتا.
No comments:
Post a Comment