علي زبيدات – سخنين
في صباح الخامس من حزيران عام 1967 شنت القوات الإسرائيلية هجوما مفاجئا على 3 دول عربية. خلال ساعات قليلة من اليوم الأول كانت الطائرات الإسرائيلية قد دمرت معظم الطائرات المصرية وأخرجت سلاح الجو المصري من المعركة تماما وأبقت القوات البرية المصرية بدون حماية فريسة للنيران الإسرائيلية المنهمرة من الجو والبر وشقت الطريق السريعة أمام القوات الإسرائيلية للوصول إلى قناة السويس بعد احتلال قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء. بعد ذلك وجهت ضربة للجيش الأردني واحتلت القدس الشرقية وباقي الضفة الغربية. وهكذا وقعت فلسطين التاريخية بأكملها تحت الاحتلال الإسرائيلي. وفي الأيام الأخيرة من هذه الحرب الخاطفة استفردت بالقوات السورية وقامت باحتلال هضبة الجولان.
مما لا شك فيه أن هذه الحرب كانت من الناحية العسكرية انتصارا يصعب تصديقه يكاد التاريخ الحديث لا يعرف شبيها له.
قبل هذه الحرب كانت إسرائيل قد حققت انتصارين عسكريين: الأول في حربها عام 1948 حيث استولت على 78% من فلسطين وشردت شعبها ونهبت أرضه والانتصار العسكري الثاني كان في عام 1956 من خلال العدوان الثلاثي على مصر حيث احتلت قطاع غزة وسيناء ولكنها أرغمت على الانسحاب منهما بعد عدة أشهر.
لقد أطلق العرب على هذه الحرب ونتائجها أسم النكسة التي انضمت إلى شقيقتها، النكبة التي ولدت عام 1948. وفي أعقابها تغيرت الإستراتيجية العربية من شعار: إزالة مصدر العدوان، أي القضاء على إسرائيل وتحرير فلسطين إلى شعار: إزالة آثار العدوان أي تحرير المناطق التي احتلتها إسرائيل في هذه الحرب.
في الذكرى ال42 لحرب حزيران، لست بصدد دراسة وتحليل هذه الحرب، فقد كتب الكثير في هذا المجال وسوف يكتب المزيد حاليا ومستقبلا وأكتفي برصد الخطوط العريضة للتحولات التي طرأت على المنطقة في أعقاب هذه الحرب وكنتيجة مباشرة وغير مباشرة لها.
الأمر الأول الذي يلفت النظر أن هذه الحرب كانت بالنسبة لإسرائيل، من الناحية العسكرية انتصارا كبيرا ولكنها في الوقت نفسه كانت الانتصار الأخير. حيث شنت بعدها خمس حروب كبيرة وهي حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973 والحرب اللبنانية الأولى عام 1982 والثانية عام 2006 والحرب الأخيرة في غزة عام 2008، هذا بالإضافة إلى العديد من المعارك الأخرى بدءا من معركة الكرامة والاعتداءات المتكررة على لبنان ومحاولات قمع الانتفاضة الأولى والثانية.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا حتى هذه الحرب كانت إسرائيل تحقق الانتصارات وبعدها إما أنها لم تحقق نصرا يذكر وإما أنها كانت تهزم؟ هل طرأ انقلاب في موازين القوى العسكرية؟ هل ضعفت إسرائيل عسكريا وبالمقابل ازدادت قوة الجيوش العربية؟ الجواب هو كلا، لا هذا ولا ذاك. ميزان القوى العسكري ما زال في صالح إسرائيل فبالإضافة إلى أنها ما زالت تملك أقوى سلاح جوي في المنطقة وتمتلك أكثر الأسلحة تطورا فأنها تمتلك كمية هائلة من أسلحة الدمار الشامل ومن ضمنها الأسلحة النووية. بالمقابل ما زالت الجيوش العربية الرسمية تعاني من الضعف والتخلف على كافة الأصعدة. إذن ينبغي أن نبحث عن السبب في مكان آخر.
لقد كشفت حرب حزيران 1967 أن الجيوش العربية مجتمعة غير مستعدة وعاجزة عن مواجهة إسرائيل وأكثر من ذلك: كانت تفتقر إلى ابسط الخطط العسكرية هذا بالإضافة إلى نقص بالأسلحة والتدريب والكفاءات والقيادة السليمة. لقد كانت الجيوش العربية مرآة لأنظمتها الفاسدة والمتخلفة. بالمقابل كانت إسرائيل تتمتع بالتفوق العسكري وخصوصا التفوق المطلق لسلاحها الجوى وكانت على تمام الاستعداد لخوض الحرب وامتلاكها للخطط العسكرية هذا بالإضافة إلى الدعم الأجنبي وخصوصا الأمريكي والأوروبي وكذلك استغلالها لحرب إعلامية ونفسية ناجعة. هذه الصورة لم تتغير جذريا حتى الآن وبالرغم من ذلك تعجز إسرائيل من تحقيق النصر، والسؤال لماذا؟
ما عدا الحربين الاولتين اللتان تلتا حرب حزيران، أي حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973 لم تخض إسرائيل الحروب ضد الجيوش العربية الرسمية، بل ضد حركات مقاومة تحظى بعمق جماهيري وفي كثير من الحالات كان الجماهير هي القوة الأولى. هذا التحول الجوهري في مضمون الصراع عمل على تحييد قسم كبير من التفوق الإسرائيلي العسكري ومن جهة أخرى أتاح الفرصة لإشكال مختلفة ومتنوعة من النضال.
الأنظمة العربية وجيوشها الرسمية قد خرجت نهائيا من دائرة الصراع خصوصا بعد التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو وما يسمى بمبادرة السلام العربية. هذه الأنظمة مهزومة عسكريا وسياسيا وما زالت. الصراع اليوم يتمحور بين إسرائيل كدولة كولونيالية وبين الشعب الفلسطيني والشعوب العربية. والشعوب التي تناضل من أجل حريتها واستقلالها قد تتكبد الخسائر الفادحة وتقدم التضحيات الجسيمة وقد تتراجع هنا وهناك ولكنها لا تقهر.
قوة إسرائيل العسكرية قد تفيدها في شن الحروب على الدول المجاورة التي خرجت من دائرة الصراع أصلا بالرغم من الدعاية الاسرائيلية ولكنها لن تفيدها في حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد. اليوم تدفع إسرائيل ثمن غطرستها ونشوتها من انتصارها الكبير ولكن الأخير.
No comments:
Post a Comment