علي زبيدات- سخنين
للزيارة في التراث العربي مكانة خاصة. خصوصا زيارة الاصدقاء والاقارب والمعارف. فهي تعمق الصداقة وتحافظ على التواصل وتنقي الاجواء. ولكل زيارة آدابها. فالزيارة في المناسبات السعيدة تختلف عنها في المناسبات الحزينة، وزيارة المريض تختلف عن الزيارة من أجل المتعة والترفيه. ولكن بالرغم من تنوع المناسبات يمكن الاشارة الى بعض الآداب العامة للزيارات. مثلا، من الضروري إختيار الوقت المناسب للزيارة إذ من غير المعقول أو المقبول أن تفرض الزيارة في وقت غير ملائم للطرفين. ومن آداب الزيارة الاستئذان مسبقا وفي المصطلحات الدبلوماسية الحديثة تسمى الاعداد للزيارة. ومن آداب الزيارة أن تحمل في طياتها النوايا الحسنة من ترحيب وحسن استقبال. واخيرا من آداب الزيارة عدم الاطالة (ثقل الدم والظل) وعدم الاكثار.
لا أدري كيف أصنف زيارات الزعماء العرب الى واشنطن لمقابلة الرئيس الامريكي الجديد وهل ثمة آداب خاصة بها؟ . فهم بين خائف ومتردد ومتحمس. يبدو أن زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو قد انقذتهم من هذه الورطة. وللوهلة الاولى يبدو لمتتبع هذه الزيارة وكأن نتنياهو هو مبعوث جامعة الدول العربية الى واشنطن. في الشهر الماضي، بعد أحد مؤتمرات القمة، اوفدت الدول العربية والاسلامية الملك عبدالله، ملك الاردن الى واشنطن لكي يمثلها ويحث الرئيس الامريكي الجديد على مواصلة المساعي السلمية بين الدول العربية وإسرائيل. إلا أن هذه الزيارة لم ترتقي الى مستوى الحدث وسرعان ما طواها النسيان ولم تتمخض عن أية نتائج عملية أو سياسية.
أما زيارة نتنياهو الى واشنطن فإنها محط أنظار العالم وخصوصا الانظار العربية. في الحقيقة موقف الزعماء العرب مثير للشفقة. فهم يخدمون أمريكا أضعاف ما تقدمه اسرائيل من خدمات لها. بالاضافة الى انهم أكثر طاعة وإستكانة. ومع ذلك لا يحظون حتى بنسبة ضئيلة من الترحاب والاحترام الذي يحظى به نتنياهو المشاكس.
حمل نتنياهو معه الى واشنطن السياسة الاسرائيلية القديمة-الجديدة لحكومته. وعبر عنها بشكل واضح لا يقبل التأويل الا عند الزعماء العرب. فبدل أن يكرر كذبة موافقة اسرائيل على إقامة دولة فلسطينية كما جرت العادة من أيام رابين مرورا بشارون وبراك واولمرت تجاهل الموضوع نهائيا وأكتفى بالقول: يستطيع الفلسطينيون أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم. وهو على كل حال موضوع ثانوي إذا ما قورن بمهمته الاولى وهي مواجهة الخطر الايراني بمساعدة امريكا ومعسكر الاعتدال العربي. وبخلاف رؤساء الحكومة الاسرائيلية السابقين الذين أكدوا في زياراتهم المتكررة لواشنطن التزامهم بوقف الاستيطان ومواصلته حال عودتهم، أكد أن الاستيطان مسألة اسرائيلية داخلية.
يكاد الزعماء العرب يخرجون من ملابسهم فرحا من مواقف اوباما خلال هذه الزيارة. فقد أكد على تمسكه بحل الدولتين. مرحى، وما الجديد في ذلك؟ ألم يتمسك بوش ومن قبله كلنتون بهذا الحل؟ فماذا كانت النتيجة؟ وطالب اوباما بوقف الاستيطان، وهذا ايضا ليس بالامر الجديد، ألم ينص مؤتمر أنابولس ومن قبله خارطة الطريق الامريكية على ذلك؟ المطالبة بوقف الاستيطان شيء ووقفه على ارض الواقع هو شيء آخر. ولكن يبدو أن هذه الحقيقة تتجاوز مقدرة الزعماء العرب على الاستيعاب. فالاستيطان منذ البداية لا يمكن أن يتم من غير مليارات الدولارات التي تمنحها امريكا سنويا لإسرائيل.
نتنياهو يزور واشنطن كصديق، يستقبل بحرارة ليس فقط من قبل اللوبي الصهيوني المتنفذ بل أيضا من قبل الغالبية العظمى من أعضاء السنات الديموقراطيين والجمهوريين على حد سواء. أما الملك عبدالله فقد زار واشنطن كمتسول وفي الاسبوع القادم يزورها متسول عربي آخر هو محمود عباس.
من كان يظن أن "مبادرة السلام العربية" هي نهاية التنازلات العربية حيث قدمت تطبيع العلاقات بين الدول العربية وأسرائيل على طبق من ذهب بعد تصفية القضية الفلسطينية بحجة حلها، فهو مخطئ. التنازلات مستمرة. وقد استطاع نتنياهو أن يقنع أوباما بضرورة تقديم المزيد من التنازلات وخصوصا فيما يتعلق بقضية عودة اللاجئين. يجب توطين اللاجئين قبل التوصل الى اية تسوية وعلى الفلسطينيين أن يعترفوا بيهودية الدولة لسد اية ثغرات مستقبلية لعودتهم. زيارة عباس الاسبوع القادم تأتي في هذا السياق هدفها تقديم المزيد من التنازلات حتى يتسنى لأوباما القدوم الى القاهرة لكي يعلن مبادرته الجديدة للسلام التي تقوم على اساس "مبادرة السلام العربية" المعدلة.
في خضم مفاوضات أوسلو صرح الرئيس الفلسطيني السابق عرفات بعد زيارته للبيت الابيض انه قد وجد في البيت الابيض صديقا للشعب الفلسطيني هو بيل كلنتون. وكلنا يعرف ما فعله هذا الصديق لتصفية القضية الفلسطينية وتصفية الرئيس نفسه، فهل يجد محمود عباس صديقا جديدا للشعب الفلسطيني في البيت الابيض؟
الحلف الامريكي- الاسرائيلي – الرجعي العربي هو ليس شعارا أكل الدهر عليه وشرب من مخلفات مرحلة منقرضة، بل هو حقيقة راهنة، وعلى شعوب المنطقة أن تبقى متيقظة ومستعدة لمواجهته ودحره.