عندما نشرت لجنة المتابعة، قبل عدة أشهر، ورقة "التصور المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل" وعدتنا بتكثيف النشاطات والنقاشات على كافة المستويات والأصعدة وسوف تتوج بالدعوة إلى مؤتمر عام للجماهير العربية قبيل الذكرى ال31 ليوم الأرض وعلى شرف هذا اليوم للمصادقة على هذه الورقة وتبنيها رسميا.
في الأسبوع الماضي وبالتحديد يوم السبت، 17/3/2007، عقدت سكرتارية لجنة المتابعة اجتماعا بحثت خلاله كيفية إحياء ذكرى يوم الأرض.
من نافل القول أن ووعود لجنة المتابعة لم تكن سوى سراب سرعان ما تبدد وتلاشى. إذ لم تشهد الساحة لا نشاطات ولا نقاشات ولا يحزنون. أما القرارات التي تمخضت عن الاجتماع المذكور فلم تكن أفضل من تلك الوعود.
لقد كانت السنة الماضية حافلة بالإحداث الجسيمة. بدأت السنة الماضية بقيام الحكومة الإسرائيلية بفرض الحصار ألتجويعي على شعبنا لأنه تجرأ على انتخاب حكومة لا ترضى عنها، وقد ساهم في فرض هذا الحصار الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية وحتى بعض الأوساط الفلسطينية. لم تكتف الدولة بهذا الحصار فقامت بشن حرب تدميرية ما زالت مستمرة ضد شعبنا الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة. ومن ثم قامت بشن حرب فاشية لمدة 33 يوما ضد الشعب اللبناني. وفي هذه الإثناء تواصلت بل تصاعدت سياسة هدم البيوت ومصادرة الأراضي والاعتداء على الأماكن المقدسة في القدس ومحاولات التطهير العرقي لجماهيرنا في النقب.
إذن لم يكن غريبا أن نتوقع أن يرتقي إحياء الذكرى ال31 ليوم الأرض إلى مستوى هذه الإحداث، وأن نتوقع أن تتفوق لجنة المتابعة على نفسها وتتخذ (بناء على وعودها هي) قرارات جريئة ومميزة في هذه الذكرى.
غير أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، حيث جاءت هذه القرارات مخيبة للآمال، هزيلة إلى درجة أخذ المواطن العادي يتساءل: ماذا تبقى من يوم الأرض؟ ماذا تضمن بيان لجنة المتابعة سوى عبارات الشجب والاستنكار التي لا تؤمن من خوف ولا تغني من جوع؟ وتنظيم مهرجان في مدينة سخنين وآخر في الطيبة وزيارات إلى النقب؟
يقول بيان لجنة المتابعة:"هذه المناسبة تعتبر مناسبة وطنية كفاحية لا تقتصر على مجرد إحياء الذكرى بل تتجدد خلالها الجماهير العربية وتجدد انطلاق ومواصلة مسيرتها النضالية..." أبمثل هذه القرارات وهذه الناشطات تتواصل وتتجدد المسيرة الكفاحية لجماهير مضطهدة يمارس ضدها عدوان عنصري منهجي؟
كان باستطاعة لجنة المتابعة أن تتخذ قرارا بالإضراب العام. مثل هذا القرار يلاقي دعما وتشجيعا من قبل فئات واسعة من الجماهير العربية، الإضراب العام والشامل قادر على إن يعبر عن مدى احتجاج ورفض هذه الجماهير لمجمل الجرائم التي اقترفتها الحكومة الإسرائيلية في السنة الماضية. فلماذا هذا الخوف من إعلان الإضراب العام؟ ولماذا تقهقرت بعض مركبات لجنة المتابعة التي كانت في الماضي تطالب بالإعلان عن الإضراب العام في يوم الأرض كموقف ثابت؟ في المجتمع الإسرائيلي يعلنون الإضرابات العامة في أمور أقل أهمية مثل عدم دفع الرواتب لبعض مستخدمي السلطات المحلية أو المعلمين. فلماذا لا نجرؤ نحن في موضوع ذو أهمية وطنية قصوى الإعلان عن يوم إضراب واحد في السنة؟
أما بالنسبة للمسيرة المركزية ، فلماذا يجب أن تكون دائما في مدينة سخنين؟ من ناحية المنظمة، السبب واضح وهو ضمان نجاحها، حتى تستطيع بعد ذلك أن تقول: لقد كان عملا ناجحا، إذ يهب أهالي سخنين عادة عن بكرة أبيهم للمشاركة في مسيرة يوم الأرض. ولكن وليعذرني أهل بلدي، هل تستحق مدينة سخنين، في مثل هذه الظروف التي تعيشها، أن تحتضن العمل المركزي ليوم الأرض وفي كل سنة؟ يجب أن أقولها بكل جرأة وصراحة: لا، لا تستحق. إن البلدية التي استقبلت قبل أسبوع واحد فقط مجرم الحرب شاؤول موفاز بحفاوة لا تستطيع أن تستقبل الحشود الوافدة من باقي القرى والمدن لإحياء يوم الأرض. لم يكن استقبال موفاز استقبالا رسميا لوزير في بلدية لمناقشة أمور تتعلق بوزارته فحسب، بل عندما يشارك في هذا الاستقبال "وجهاء" المدينة الذين حرص رئيس البلدية على دعوتهم، فإن الزيارة تأخذ طابعا آخر. سوف ترون معظم هؤلاء "الوجهاء" يسيرون متكاتفين في الصف الأول من مسيرة يوم الأرض. أما رئيس البلدية الذي استقبل هذا المجرم بخطاب ودي سوف يلقي الخطاب المركزي في مهرجان يوم الأرض وسوف يكون هذا الخطاب مشبعا حتى الثمالة بالشعارات الرنانة الملتهبة.
يوم الأرض ليس ملكا لمدينة أو لقرية معينة، وهو ليس ملكا للجماهير الفلسطينية في الداخل، انه ملك للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.
لماذا لا يكون العمل المركزي مثلا في القدس العربية؟ في رحاب المسجد الأقصى الذي يتعرض للعدوان المستمر؟ لكي نعبر عن سخطنا على الاعتداءات المتكررة على الأقصى واحتجاجا على سياسة تهويد القدس وتأكيدا على وحدة الشعب الفلسطيني؟
لماذا لا يكون العمل المركزي في مدينة نابلس التي تتعرض يوميا للدمار؟ هل من الصعب حشد مئات الحافلات والتوجه بها إلى نابلس؟
لماذا لا يكون العمل المركزي في بيت لحم احتجاجا على الجدار العنصري ومحاصرة الأماكن المقدسة هناك؟ ونقل معاناة أهالي بيت لحم إلى العالم؟
هل نحن شعب واحد على الورق فقط؟ وعلى صعيد الشعارات الفارغة والاستهلاك المحلي؟ هل يعقل أن يقود النضال ضد الجدار العنصري وضد اعتداءات قطعان الفاشية المستوطنون على أهلنا متضامنون من خارج البلاد وفوضويون ضد الجدار وغيرهم ونحن نقف متفرجين؟ لماذا لم تكلف لجنة المتابعة نفسها عناء تنظيم ولو مظاهرة واحدة فقط ضد الجدار وضد مصادرة الأراضي الفلسطينية؟
هل يعقل أن تجتاح العالم بأسره المظاهرات المناهضة للحرب الامبريالية في العراق بمناسبة الذكرى الرابعة لهذه الحرب ما عدا العالم العربي ومن ضمنه نحن بقينا صامتين صمت أهل القبور؟ لماذا لم تحرك لجنة المتابعة ساكنا من أجل تنظيم عمل ما يتيح لها الحفاظ على ماء الوجه على الأقل؟ وعندما أقول لجنة المتابعة أشمل أيضا جميع مركباتها من أحزاب وجمعيات وحركات وأشخاص.
نعم، من حق جماهيرنا أن تطرح السؤال الشرعي: ماذا تبقى من يوم الأرض؟ ومن هو المسئول عما آلت إليه هذه الذكرى العزيزة على قلوبنا؟ وما هي الطرق الكفيلة بإعادة رونق هذا اليوم وروحه النضالية الحقيقية؟
من حق جماهيرنا ليس فقط أن تطرح هذا السؤال، بل من حقها أيضا أن تحصل على أجوبة شافية، وأن تقوم بتقييم عمل ونشاط ومسؤولية جميع الهيئات الفاعلة وعلى رأسها لجنة المتابعة.
This is my personal blog. you can find here news from Palestine, news from Sakhnin and all kind of ideas and projects which I like to share with all of you. I'll be glad to read your comments.
Tuesday, March 20, 2007
Wednesday, March 14, 2007
بئس العدالة وبئس الدستور
لم نكد نصحو من وقع وثيقة "التصور المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل" التي أتحفتنا بها لجنة المتابعة قبل فترة، حتى وقعت على دماغنا وثيقة جديدة صادرة عن عدالة-المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل تحت اسم: "الدستور الديمقراطي". ويبدو إن الحبل عالجرار، حيث بشرنا بقرب إصدار وثيقة أخرى جاهزة صادرة عن مركز مدى. يبدو أن المؤسسات العربية الإسرائيلية في سباق محموم مع الزمن وفي تنافس مع بعضها البعض وجميعها تطرح وتناقش مسألة واحدة فقط وهي: ما هي أفضل طريقة لأسرلة الجماهير الفلسطينية في الداخل.
لنعود إلى "الدستور الديمقراطي" الصادر عن جمعية عدالة والتي تضم مختصين بالقانون الإسرائيلي وبالقانون الدولي، أي أنها صادرة عن محامين متخصصين بالموضوع، وكما علمنا منهم أن هذا الدستور هو نتيجة لأبحاث ودراسات واجتماعات استمرت نحو سنتين.( للتذكير فقط، وثيقة التصور المستقبلي التي أعدها طاقم من الأكاديميين والنشطاء استغرقت سنة واحدة فقط). وبما إني لست محاميا ولست خبيرا بالقوانين الإسرائيلية والدولية فاني أعتذر سلفا للقراء على وقاحتي للتصدي لهذه الوثيقة الهزيلة والخطيرة في الوقت نفسه ومحاولة فضح رعونتها وغاياتها المشبوهة.
1- أول ما استفزني الاسم: " الدستور الديمقراطي" وكأنه يوجد هناك دستور لم يدمغه طارحوه بالديمقراطية. لم اسمع قط أن جهة معينة وصفت دستورها الذي سنته أو تقترحه باللاديموقراطية. خذوا مثلا الدستور العراقي الأخير الذي صدر في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق وقام بتحضيره العملاء. هو أيضا كما يزعم القيمين عليه "دستور ديمقراطي". وفي مصر يدخلون"تعديلات ديمقراطية" على الدستور كفيلة بنزع الشرعية عن بعض الأحزاب وتحديد المرشحين لرئاسة الجمهورية. ولماذا نذهب بعيدا: هنا أيضا تعمل جهات إسرائيلية جاهدة على طرح دساتير وجميعها كما يقولون ديمقراطية بامتياز.
2- بالطبع يعتمد الدستور على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعلى الشرعية الدولية واتفاقيات جنيف والقانون الدولي الخ. الخ. والحالة هذه فكيف لا يكون الدستور ديمقراطيا والإعلان العالمي لحقوق الإنسان كما هو مقتبس يقول: "كل بني البشر ولدوا أحرارا ومتساوين" ويبدو أن الحق على شعبنا الفلسطيني الذي ولد لاجئا، مشردا، واقعا تحت الاحتلال، مقموعا. هذه هي المرة الأولى في التاريخ نسمع أن الضحية المغتصبة تقترح على المغتصب "دستورا ديمقراطيا" لمواصلة اغتصابها.
3- بالطبع لا ينسى أصحاب الدستور أن يطالبوا دولة إسرائيل ب:" الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والانسحاب من كافة المناطق العربية المحتلة عام 1967". هذه الشعارات الرنانة التي أدمنا اجترار ترديدها كإسقاط واجب ليس أكثر وللاستهلاك المحلي والتي لم يعد لها أية قيمة عملية. يبدو هذا الأمر واضحا في هذا الدستور عندما يتكلمون عن الدولة وحدودها وبرلمانها وحكومتها وقضائها وعن الجنسية وقوانينها(الباب الثاني: أسس نظام الحكم). هنا لا نرى مكانا لا للاجئين ولا للشعب الفلسطيني
4- أسس نظام الحكم في الدستور "الديمقراطي" المقترح لا يطرأ عليها أي تغيير جذري. فالدولة تبقىأعضائها أليل، دولة ديمقراطية: "يستند النظام الديمقراطي في دولة إسرائيل إلى القيم بشأن كرامة الإنسان، حريته ومساواته" وهل يوجد في إسرائيل من يعارض هذا الكلام؟ وما هو الجديد؟ الم يكتبوا ذلك فيما يسمى وثيقة الاستقلال؟ والكنيست مع أعضائها أل 120ستبقى السلطة التشريعية في الدولة. والحكومة ستبقى هي الحكومة، معتمدة من قبل الكنيست وتمارس كافة صلاحياتها الحالية. والجهاز القضائي النزيه جدا جدا سيبقى كما هو. ولكن بالرغم من كل ذلك ومن أجل الموضوعية يجب أن نعترف بأن الدستور المقترح قد جاء بشيء جديد:" حدود دولة إسرائيل هي حدود المناطق التي كان القانون الإسرائيلي عليها حتى الخامس من حزيران 1967" ومن قال لكم يا جهابذة القانون الدولي أن هذه هي حدود دولة إسرائيل؟ ولماذا لا تكون حدود قرار التقسيم هي حدودها؟ على الأقل يوجد قرار صادر عن الأمم المتحدة بهذا الشأن، أما حدود حزيران 1967 فهي ليست سوى حدود الهدنة وليس لها أي طابع قانوني دولي أو غيره. هل على الشعب الفلسطيني المشرد والمغتصب أن يقول لمغتصبيه: كونوا ديموقراطيين وخذوا فقط 80% من وطننا فلسطين واتركوا لنا الباقي؟ وإذا لم يقبل بذلك فهو اللا ديموقراطي بينما تصبح دولة إسرائيل بمباركتكم هي الدولة الديمقراطية؟
5- مهزلة اللغات والثقافات: دولة ثنائية اللغة. في الحقيقة هذا تعريف فريد من نوعه. لا أعرف دولة في العالم تعرف نفسها حسب اللغات الرسمية أو غير الرسمية المستعملة بداخلها. يوجد في السويسرا 4 لغات رسمية فهل تعرف لسويسرا نفسها بأنها دولة رباعية اللغة؟ وهل حقا تعرف بلجيكا أو كندا نفسها في دستورها بأنها دولة ثنائية اللغة؟ ولماذا لا تكون إسرائيل دولة ثلاثية اللغة؟ أو متعددة اللغات؟ هل سيحرم الروس من التكلم باللغة الروسية؟ الاثيبوبيين من الإثيوبية؟ والمغاربة من العربية المغربية؟. إسرائيل هي دولة متعددة الثقافات: " لكل أقلية قومية الحق في مؤسسات تعليمية وثقافية ولكل أقلية دينية الحق في مؤسساتها الدينية". هل يوجد في إسرائيل، حسب مركز عدالة، أقليات قومية غير الأقلية العربية الفلسطينية؟ هل يشكل الإثيوبيون والبولونيون والرومانيون والجورجيون واليمنيون وغيرهم أقليات قومية؟ أم يشكلون قومية واحدة هي قومية الأغلبية؟
6- يفتخر القائمون على هذا الدستور المقترح بأنهم يطالبون بإعادة أراض وممتلكات كانت قد صودرت من أصحابها، وبحق المهجرين للعودة إلى قراهم والاعتراف بالقرى غير المعترف بها واسترجاع الأوقاف الإسلامية. وهي مسائل مطلبيه تناضل جماهيرنا من أجل تحقيقها، وليست بحاجة ل"دستور دبموقراطي" هو ليس أكثر من حبر على ورق، بل هي بحاجة إلى تصعيد النضال الجماهيري من أجل تحقيقها. كما يزعمون بأن الدستور يطالب بإلغاء قانون العودة، ولكني لم أجد نصا صريحا بذلك، والعديد من البنود يمكن تفسيرها على أكثر من وجه.
7- الباب الثالث: الحريات والحقوق الأساسية، في الحقيقة لا يوجد لدي أي تعليق على هذا الباب حيث يستطيع كل واحد أن يراجع هذه المادة في كتب المدنيات التي تدرس في المدارس الإعدادية والثانوية من المدارس الحكومية
8- نعود إلى نقطة البداية ونتساءل: ما الغاية من طرح هذا الدستور وفي هذه الفترة بالذات. كما قال مروان دلال من عدالة في مقابلة مع صحيفة كل العرب: "الهدف هو إجراء نقاش جدي مقابل النخب في المجتمع اليهودي" وكما جاء في مقدمة الدستور:"ويهدف بناء مجتمع ديمقراطي متساو ومتحرر من العنف والقمع وكأساس للمصالحة التاريخية بين دولة إسرائيل وبين الشعب الفلسطيني والأمة العربية..." وهذا يكاد يصب حرفيا بما أعلنه رئيس لجنة المتابعة من قبل بصدد وثيقة التصور المستقبلي.
9- كان ألا حرى بعدالة، بدلا من إضاعة سنتين على هذا الدستور التعيس، أن تركز على خرق إسرائيل لكافة القوانين الدولية ولأبسط حقوق الإنسان ، وتعمل على جمع المعلومات والمواد المتوفرة وبغزارة لتقديم رموز هذا الكيان للمحاكمة الدولية على الجرائم التي ارتكبوها وما زالوا يرتكبونها. كان الأحرى بعدالة أن تعمل على فضح الشرعية المزيفة لهذه الدولة، من وعد بلفور مرورا بصك الانتداب وقرار التقسيم إلى إعلان قيام الدولة بعد اقتلاع الشعب الأصلي من وطنه وتشريده ونهب أراضيه وحتى الجرائم التي تمارس يوميا في غزة ونابلس وجنين وباقي الأراضي الفلسطينية. وليس تزيين وتجميل وجه إسرائيل البشع ب"دستور ديموقراطي"
لنعود إلى "الدستور الديمقراطي" الصادر عن جمعية عدالة والتي تضم مختصين بالقانون الإسرائيلي وبالقانون الدولي، أي أنها صادرة عن محامين متخصصين بالموضوع، وكما علمنا منهم أن هذا الدستور هو نتيجة لأبحاث ودراسات واجتماعات استمرت نحو سنتين.( للتذكير فقط، وثيقة التصور المستقبلي التي أعدها طاقم من الأكاديميين والنشطاء استغرقت سنة واحدة فقط). وبما إني لست محاميا ولست خبيرا بالقوانين الإسرائيلية والدولية فاني أعتذر سلفا للقراء على وقاحتي للتصدي لهذه الوثيقة الهزيلة والخطيرة في الوقت نفسه ومحاولة فضح رعونتها وغاياتها المشبوهة.
1- أول ما استفزني الاسم: " الدستور الديمقراطي" وكأنه يوجد هناك دستور لم يدمغه طارحوه بالديمقراطية. لم اسمع قط أن جهة معينة وصفت دستورها الذي سنته أو تقترحه باللاديموقراطية. خذوا مثلا الدستور العراقي الأخير الذي صدر في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق وقام بتحضيره العملاء. هو أيضا كما يزعم القيمين عليه "دستور ديمقراطي". وفي مصر يدخلون"تعديلات ديمقراطية" على الدستور كفيلة بنزع الشرعية عن بعض الأحزاب وتحديد المرشحين لرئاسة الجمهورية. ولماذا نذهب بعيدا: هنا أيضا تعمل جهات إسرائيلية جاهدة على طرح دساتير وجميعها كما يقولون ديمقراطية بامتياز.
2- بالطبع يعتمد الدستور على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعلى الشرعية الدولية واتفاقيات جنيف والقانون الدولي الخ. الخ. والحالة هذه فكيف لا يكون الدستور ديمقراطيا والإعلان العالمي لحقوق الإنسان كما هو مقتبس يقول: "كل بني البشر ولدوا أحرارا ومتساوين" ويبدو أن الحق على شعبنا الفلسطيني الذي ولد لاجئا، مشردا، واقعا تحت الاحتلال، مقموعا. هذه هي المرة الأولى في التاريخ نسمع أن الضحية المغتصبة تقترح على المغتصب "دستورا ديمقراطيا" لمواصلة اغتصابها.
3- بالطبع لا ينسى أصحاب الدستور أن يطالبوا دولة إسرائيل ب:" الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والانسحاب من كافة المناطق العربية المحتلة عام 1967". هذه الشعارات الرنانة التي أدمنا اجترار ترديدها كإسقاط واجب ليس أكثر وللاستهلاك المحلي والتي لم يعد لها أية قيمة عملية. يبدو هذا الأمر واضحا في هذا الدستور عندما يتكلمون عن الدولة وحدودها وبرلمانها وحكومتها وقضائها وعن الجنسية وقوانينها(الباب الثاني: أسس نظام الحكم). هنا لا نرى مكانا لا للاجئين ولا للشعب الفلسطيني
4- أسس نظام الحكم في الدستور "الديمقراطي" المقترح لا يطرأ عليها أي تغيير جذري. فالدولة تبقىأعضائها أليل، دولة ديمقراطية: "يستند النظام الديمقراطي في دولة إسرائيل إلى القيم بشأن كرامة الإنسان، حريته ومساواته" وهل يوجد في إسرائيل من يعارض هذا الكلام؟ وما هو الجديد؟ الم يكتبوا ذلك فيما يسمى وثيقة الاستقلال؟ والكنيست مع أعضائها أل 120ستبقى السلطة التشريعية في الدولة. والحكومة ستبقى هي الحكومة، معتمدة من قبل الكنيست وتمارس كافة صلاحياتها الحالية. والجهاز القضائي النزيه جدا جدا سيبقى كما هو. ولكن بالرغم من كل ذلك ومن أجل الموضوعية يجب أن نعترف بأن الدستور المقترح قد جاء بشيء جديد:" حدود دولة إسرائيل هي حدود المناطق التي كان القانون الإسرائيلي عليها حتى الخامس من حزيران 1967" ومن قال لكم يا جهابذة القانون الدولي أن هذه هي حدود دولة إسرائيل؟ ولماذا لا تكون حدود قرار التقسيم هي حدودها؟ على الأقل يوجد قرار صادر عن الأمم المتحدة بهذا الشأن، أما حدود حزيران 1967 فهي ليست سوى حدود الهدنة وليس لها أي طابع قانوني دولي أو غيره. هل على الشعب الفلسطيني المشرد والمغتصب أن يقول لمغتصبيه: كونوا ديموقراطيين وخذوا فقط 80% من وطننا فلسطين واتركوا لنا الباقي؟ وإذا لم يقبل بذلك فهو اللا ديموقراطي بينما تصبح دولة إسرائيل بمباركتكم هي الدولة الديمقراطية؟
5- مهزلة اللغات والثقافات: دولة ثنائية اللغة. في الحقيقة هذا تعريف فريد من نوعه. لا أعرف دولة في العالم تعرف نفسها حسب اللغات الرسمية أو غير الرسمية المستعملة بداخلها. يوجد في السويسرا 4 لغات رسمية فهل تعرف لسويسرا نفسها بأنها دولة رباعية اللغة؟ وهل حقا تعرف بلجيكا أو كندا نفسها في دستورها بأنها دولة ثنائية اللغة؟ ولماذا لا تكون إسرائيل دولة ثلاثية اللغة؟ أو متعددة اللغات؟ هل سيحرم الروس من التكلم باللغة الروسية؟ الاثيبوبيين من الإثيوبية؟ والمغاربة من العربية المغربية؟. إسرائيل هي دولة متعددة الثقافات: " لكل أقلية قومية الحق في مؤسسات تعليمية وثقافية ولكل أقلية دينية الحق في مؤسساتها الدينية". هل يوجد في إسرائيل، حسب مركز عدالة، أقليات قومية غير الأقلية العربية الفلسطينية؟ هل يشكل الإثيوبيون والبولونيون والرومانيون والجورجيون واليمنيون وغيرهم أقليات قومية؟ أم يشكلون قومية واحدة هي قومية الأغلبية؟
6- يفتخر القائمون على هذا الدستور المقترح بأنهم يطالبون بإعادة أراض وممتلكات كانت قد صودرت من أصحابها، وبحق المهجرين للعودة إلى قراهم والاعتراف بالقرى غير المعترف بها واسترجاع الأوقاف الإسلامية. وهي مسائل مطلبيه تناضل جماهيرنا من أجل تحقيقها، وليست بحاجة ل"دستور دبموقراطي" هو ليس أكثر من حبر على ورق، بل هي بحاجة إلى تصعيد النضال الجماهيري من أجل تحقيقها. كما يزعمون بأن الدستور يطالب بإلغاء قانون العودة، ولكني لم أجد نصا صريحا بذلك، والعديد من البنود يمكن تفسيرها على أكثر من وجه.
7- الباب الثالث: الحريات والحقوق الأساسية، في الحقيقة لا يوجد لدي أي تعليق على هذا الباب حيث يستطيع كل واحد أن يراجع هذه المادة في كتب المدنيات التي تدرس في المدارس الإعدادية والثانوية من المدارس الحكومية
8- نعود إلى نقطة البداية ونتساءل: ما الغاية من طرح هذا الدستور وفي هذه الفترة بالذات. كما قال مروان دلال من عدالة في مقابلة مع صحيفة كل العرب: "الهدف هو إجراء نقاش جدي مقابل النخب في المجتمع اليهودي" وكما جاء في مقدمة الدستور:"ويهدف بناء مجتمع ديمقراطي متساو ومتحرر من العنف والقمع وكأساس للمصالحة التاريخية بين دولة إسرائيل وبين الشعب الفلسطيني والأمة العربية..." وهذا يكاد يصب حرفيا بما أعلنه رئيس لجنة المتابعة من قبل بصدد وثيقة التصور المستقبلي.
9- كان ألا حرى بعدالة، بدلا من إضاعة سنتين على هذا الدستور التعيس، أن تركز على خرق إسرائيل لكافة القوانين الدولية ولأبسط حقوق الإنسان ، وتعمل على جمع المعلومات والمواد المتوفرة وبغزارة لتقديم رموز هذا الكيان للمحاكمة الدولية على الجرائم التي ارتكبوها وما زالوا يرتكبونها. كان الأحرى بعدالة أن تعمل على فضح الشرعية المزيفة لهذه الدولة، من وعد بلفور مرورا بصك الانتداب وقرار التقسيم إلى إعلان قيام الدولة بعد اقتلاع الشعب الأصلي من وطنه وتشريده ونهب أراضيه وحتى الجرائم التي تمارس يوميا في غزة ونابلس وجنين وباقي الأراضي الفلسطينية. وليس تزيين وتجميل وجه إسرائيل البشع ب"دستور ديموقراطي"
Subscribe to:
Posts (Atom)