حزب جديد بحلة قديمة
وربما الاصح: حزب مجدد بحلة مجددة، وذلك لكي اكون اكثر تفاؤلا.
هذا هو حال حزب الوحدة الشعبية كما أعلن عنه بالامس من خلال مؤتمره الأول في شفاعمرو. بعد أن أسدلت لجنة الوفاق الستار على مسرحية القائمة المشتركة، جاء هذا الحزب لكي يملأ الفراغ وفي الوقت ذاته لكي يطرح نفسه بديلا وشريكا ومنافسا لاحزاب القائمة المفككة. دعونا نتجاوز للحظة الشعارات البراقة المشتركة لكافة الاحزاب والتي ترددها بكلمات وصيغ مختلفة حول الاهتمام بجيل الشباب، رفع مكانة المرأة، ومكافحة العنف، إسقاط اليمين وتحقيق المساواة المدنية و لندخل في صلب الموضوع.
في الحقيقة نادرا ما قرأت هذا الكم الهائل من المغالطات والتناقضات في خطاب البروفيسور بالعلوم السياسية خصوصا وأن هذا الخطاب جاء في مؤتمر للإعلان عن ولادة حزب جديد.
افتتح اسعد غانم خطابه على الطريقة العرفاتية: باسم شعب الجبارين الذي لم يهزم أبدا..
عفوا، قليلا من التواضع لن يضر أحدا، من الذي فوضك بأن تتكلم باسم الشعب وما زلت في الخطوة الاولى في طريقك الحزبي أليس من الاوجب أن تنتظر حتى يمنحك الشعب شرف هذا التفويض؟ ومن قال لك أصلا اننا شعب الجبارين؟ نحن لسنا سوى شعب كباقي الشعوب يضم في طياته الجبارين والمتخاذلين، والجميع يعلم أن معظم الجبارين من شعبنا أما أن يكونوا شهداء تحت الارض واما اسرى فوقها واكثر الاحتمالات أن يكون مصير الباقين من جباري هذا الشعب مشروع شهادة أو أسر. لا أحسبني اتجنى على احد اذا قلت أن الاحزاب عندما تتكلم عن الشعب تقصد المتخاذلين منه وليس الجبارين.
الذي لم يهزم أبدا؟؟!! وهل تسمي ما جرى لنا منذ عام النكبة وحتى اليوم انتصارات؟ هل أكفر عندما اقول: نحن شعب لم ينتصر ابدا؟؟!!وأننا في انتظار أول انتصار على أحر من الجمر؟ لقد قرأت كثيرا عن شعار:" إزالة آثار النكبة" ولكني لأول مرة اسمع شعار "ترميم آثار النكبة" لا أدري ما تقصده بالضبط وانتظر أن تشرح لنا كيفية ترميم آثار النكبة، ربما تستحق حق الملكية الفكرية على ابداع مثل هذا المصطلح الفريد من نوعه.
لقد كشف مؤسس وزعيم الحزب الجديد عن وجهه الفتحاوي (جناح ياسر عرفات!) في نقطتين أساسيتين وردتا في خطابه. الاولى عندما قال: "في حزبنا لا يوجد يمين أو يسار، علماني أو متدين بل نحن حزب الوحدة الشعبية" هذا ما كان يردده ياسر عرفات عن حركة فتح قبل وبعد استيلائها على منظمة التحرير بقوله: لا يمين ولا يسار في حركة التحرر الوطني الفلسطيني فالجميع ضحايا الحركة الصهيونية. ولكن الحقيقة الساطعة ولم يكن بالإمكان طمسها بمثل هذا الكلام شكل تبريرا مكشوفا لسيطرة اليمين على الحركة الوطنية الفلسطينية.
النقطة الثانية "العرفاتية" التي ذكرها اسعد غانم في خطابه هي كذبة استقلالية القرار الفلسطيني. هذا الشعار الذي طالما استخدمه عرفات لتبرير هيمنته واحتكاره لزعامة حركة التحرر الوطني الفلسطيني والتي وقعت في فخها باقي التنظيمات الفلسطينية اليسارية واليمينية. هذه الاستقلالية المزعومة كان يضرب بها عرض الحائط عندما كانت تلتقي او تتقاطع مع مصالح هذه الفئة المتنفذة، مثل التماهي مع الحلول التصفوية التي كانت تطرح من حين لأخر، مؤتمر جنيف في أعقاب حرب تشرين 1973، لاعتراف بقرار 242 تمهيدا لفتح الحوار المباشر مع أمريكا واسرائيل، مؤتمر مدريد ومن ثم اتفاقيات أوسلو حتى تم التنازل عنها نهائيا بعد إقامة سلطة رام الله. أما استقلالية الحزب الجديد فإنها تعني رفض تدخل دول الخليج والسلطة الفلسطينية في سياسة الحزب ولكنها كما صرح رئيس الحزب صراحة لا تعني الائتلاف مع أحزاب دينية صهيونية تريد فرض شريعتها على تل أبيب مقابل الاعتراف بالقرى غير المعترف بها في النقب. اين الاستقلالية بربط الاعتراف بهذه القرى بمثل هذا الائتلاف المعيب مع الأحزاب الصهيونية الدينية. أين الاستقلالية بأن تلعب دور الجسم المانع؟ عندما يكون المقصود بيع هذا الجسم مقابل ثمن بخس. الأمر الوحيد الذي يشوش هذا الظهور "العرفاتي" هو تواجد ضيف الشرف ساري نسيبة الذي تخلى علنا عن حق العودة ووصفه بالوهم.
لعل أخطر تناقض تضمنه خطاب اسعد غانم هو التلويح بالمقارنة بين منظمة التحرير الفلسطينية والكنيست الصهيوني. لا أدري ماذا قصد اسعد غانم بالضبط عندما قال يجب أن نشارك في انتخابات منظمة التحرير الفلسطينية وهو يعرف تمام المعرفة أن هذه المنظمة حتى في عصرها الذهبي لم تعرف أي شكل من أشكال الانتخابات. وهو يعلم تماما ما هي حالة منظمة التحرير الحالية والتي تشبه حالة الموت السريري. لا اذكر انني قرأت شيئا كتبه اسعد غانم، وأنا أعتبر نفسي متابعا لما ينشره، يتناول ما آلت إليه منظمة التحرير الفلسطينية وضرورة وكيفية إعادة بنائها.
لنعود إلى نقطة البداية، يدعي مؤسس حزب الوحدة الشعبية أن أهم ما يميز هذا الحزب عن الاحزاب الاخرى المنهارة هو امتلاكه لبرنامج عمل سيتم نشره قريبا جدا لان هذا البرنامج مكتوب ولا يحتاج سوى لجمعه، طباعته وتوزيعه. وهذا البرنامج ليس وليد اللحظة بل تراكم من ايام التصور المستقبلي الذي أعلن عنه قبل 12 سنة تحت رعاية اللجنة القطرية للمجالس المحلية العربية ولجنة المتابعة حيث لعب اسعد غانم دورا مركزيا في صياغته خلال عام من النقاش والبحث وحتى يومنا هذا. هذا التصور الذي أكل الدهر عليه وشرب، متاح للجميع ويمكن العودة لمراجعته وقد كتبت في حينة عدة مقالات نقدية عنه، لذلك لا مجال للخوض به مجددا يكفي أن أذكر هنا انه تصور ذو أفق ضيق ينطلق من كوننا اقلية نستجدي بعض المطالب المدنية من دولة الأكثرية باستخدام بعض المصطلحات الديكورية التجميلية مثل: أقلية اصلا نية، إدارة دينية وثقافية ذاتية، الخ..
أما باقي المطالب فقد سمعناها منذ زمن طويل من أحزاب ومؤسسات وأفراد آخرين مثل انتخاب لجنة المتابعة، إقامة صندوق وطني، التأثير على متخذي القرارات، والمشاركة الفعلية في السياسة الإسرائيلية.
أهذه هي "المواطنة الثورية الجذرية" التي يقبلها البروفيسور ويدعو إليها؟
No comments:
Post a Comment