وماذا بعد أن أصبحت العمالة للعدو وجهة نظر؟
علي زبيدات - سخنين
إذا كانت الدعارة هي أقدم مهنة في التاريخ فإن العمالة هي أقذر مهنة في التاريخ.
وكما قال نابليون: "مثل الذي خان وطنه وباع بلاده كمثل الذي يسرق من مال ابيه ليطعم اللصوص فلا ابوه يسامحه ولا اللص يكافئه"
لا يوجد هناك جهاز مخابرات في العالم مهما بلغت قوته ودقة تنظيمه واستعماله لأحدث التكنولوجيا وحصوله على الموارد اللامحدودة يستطيع أن يستغني عن تجنيد العملاء والجواسيس. جهاز المخابرات الاسرائيلي "الشباك" ليس استثناء بل نموذجا مثاليا لهذه الحالة. إغتيال المناضل أحمد جرار مؤخرا كان من أبرز وأوضح الأمثلة على ذلك. فقد زجت الاجهزة الامنية الاسرائيلية بكافة مركباتها من جيش ورجال مخابرات ووحدات خاصة ومحللين بأعداد هائلة في مطاردته لمدة شهر من غير جدوى حتى وصلت ما سمته وسائل الاعلام الاسرائيلية "معلومات استخباراتية" تشير إلى مكان تواجده. وعادة المعلومات الاستخباراتية تعني معلومات صادرة عن العملاء والجواسيس.
لقد استعملت المخابرات الاسرائيلية كافة ما في حوزتها من وسائل تكنولوجية التي واستعملت كل "ذكائها" ولكن هذا لم يوصلها إلى مبتغاها. فالمعلومات لا تنزل من السماء ولا تخرج من باطن الارض ولكنها تصدر عن العملاء والجواسيس. تستعمل المخابرات الإسرائيلية كافة الوسائل والاساليب مهما بلغت قذارتها ولا إنسانيتها من أجل تجنيد العملاء والجواسيس الفلسطينيين فهي لا تكتفي بدفع المبالغ المالية الطائلة بل تلجأ إلى التهديد والابتزاز على كافة أشكاله مثل منح تصاريح للعمل أو التعليم أو العلاج و ابتزازات على خلفيات أخلاقية.
لا بد هنا أن نعترف بأن المخابرات الاسرائيلية قد حققت نجاحات كبيرة في هذا المجال وجندت أعداد هائلة من العملاء والجواسيس الذين ساعدوا، وفي كثير من الاحيان شاركوا، في اقتراف جرائم عديدة في حق المناضلين الفلسطينيين من إغتيال واعتقال وكشف عمليات ضد الاحتلال واحباطها والامثلة العديدة معروفة للجميع. ما زلنا نذكر مئات العملاء إن لم يكن الآلاف الذين هربوا من الضفة الغربية وقطاع غزة بعد الانتفاضة الاولى وقيام السلطة الفلسطينية وحاولوا السكن في القرى والمدن العربية في الداخل وفي أماكن أخرى. منهم ما زال موجودا بيننا ومنهم من عاد إلى مواقعه في ظل التنسيق الامني بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية وما زال يقوم بالمهام المطلوبة منهم كما يتلقونها من المخابرات الاسرائيلية.
تشكل ظاهرة العملاء أكبر خطر ينهش في جسم الشعب الفلسطيني وتمزق وحدته وتلحق ابلغ الضرر بقضيته الوطنية. وكما قال نابليون بونابرت مرة أخرى:" عميل واحد في مكانه الصحيح يساوي عشرة آلاف مقاتل في ساحة المعركة".
ما كانت المخابرات الإسرائيلية لتحقق مثل هذا النجاح الكبير في هذا المجال لولا الظواهر السلبية التالية:
1- قلة الوعي الوطني والاخلاقي عند فئات واسعة من الشعب الفلسطيني
2- هشاشة البناء التنظيمي، ليس على صعيد الخلايا الصغيرة فحسب بل وعلى صعيد الفصائل الفلسطينية أيضا. إذ ليس هناك تنظيم غير مخترق أمنيا
3- شعور الحقد والانتقام من المجتمع عند اصحاب النفوس المريضة والفاسدة والذي يقودهم للارتماء في أحضان المخابرات,
4- سياسة التنسيق الامني "المقدس" التي تسلكها السلطة الفلسطينية في تعاملها مع الاحتلال
5- تهافت العرب من كل حدب وصوب للتطبيع مع إسرائيل.
6- وهو الاهم حسب رأيي، تقهقر البرنامج الوطني التحرري على كافة المستويات.
يكمن الضمان الوحيد لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة والمخزية في العمل الدؤوب لرفع مستوى الوعي وتعزيز الحس الوطني والانتماء وصيانة الهوية الوطنية.
للاسف الشديد، ما زالت هذه الظاهرة لا تحظى بالاهتمام الكافي. ولم يجر حتى الان تناولها ومعالجتها بشكل جدي وجذري. وما دام الوضع مستمرا على هذه الحالة فإن أجهزة الامن الإسرائيلية سوف تسرح وتمرح بحرية، تغتال وتعتقل وتنكل بمن تشاء متى وأينما تشاء. النضال ضد الاحتلال لا يمكن أن يقفز عن العملاء الذين وضعوا أنفسهم في سلة واحدة مع الاحتلال وربطوا مصيرهم بمصيره.
الشعب الفلسطيني الذي قدم آلاف الشهداء والاسرى والمعتقلين والمطاردين والمشردين يجب ويستطيع أن ينظف صفوفه من هؤلاء الساقطين والحثالات وذوي النفوس الضعيفة والمريضة ومتابعة مسيرته حتى العودة والتحرير.
No comments:
Post a Comment