فلسطين لا تقبل القسمة إلا على نفسها
علي زبيدات - سخنين
قبل كتابة هذه السطور بمناسبة الذكرى السبعين لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين قرأت بعض المقالات التي نشرت حول هذه المناسبة على صفحات المواقع الالكترونية. انطباعي العام هو أن جل ما كتب هو تكرار واجترار لما كتب على مر السنوات إن كان مؤيدا لقرار التقسيم أو معارضا له. ولكن بالرغم من ذلك لفت نظري إفتتاحية موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ومقال نشره عصام مخول تحت عنوان "قرار التقسيم والخيارات المعقدة". كلا المقالين تكرار واجترار من جهة ولكن مع غلاف متجدد من الإنكار، رد التهم، الدفاع عن النفس واختلاق شتى أنواع التبريرات.
للايضاح فقط، هذه المقالة لا تدور حول موقف الحزب الشيوعي الفلسطيني (الإسرائيلي فيما بعد) ولا حول تبريراته (تحليلاته) الجديدة والقديمة من قرار التقسيم. وسيتم التطرق لها ولنتائجها فقط لأهميتها بالنسبة لنا كجزء من الشعب الفلسطيني. ولكن قبل ذلك أود أن أعود خطوة إلى الوراء وأسأل: أين اختفت كل الأصوات التي علت قبل اقل من شهر تطالب بريطانيا بالاعتذار على إصدار وعد بلفور؟ لماذا لم تطالب الأمم المتحدة أو على الأقل جمعيتها العامة بالاعتذار عن تبني قرار التقسيم؟ هل وعد بلفور مشؤوم وقرار التقسيم ميمون؟ وهل بريطانيا منحت أرضا لا تملكها لمن لا يستحقها بينما الجمعية العامة للأمم المتحدة منحت أرضا تملكها لمن يستحق؟ هذا السؤال ليس موجها لتجار سلطة أوسلو الذين قادوا حملة الاعتذار فحسب بل لكل الاطراف الاخرى التي انضمت لهذه القافلة وبعضها محسوب على المعسكر الوطني والمقاوم.
يقول عصام مخول في منشوره المذكور" كان موقف الشيوعيين المبدئي والصحيح يرفض التقسيم وبحدة" وكبرهان على هذا الموقف المبدئي والصحيح يذكر بعض ما كتب في جريدة "كول هعام" والاتحاد ويقتبس مقطعا طويلا من خطاب لمائير فلنر يقول فيه أن الطريق الوحيد للحل يكمن في إقامة دولة عربية - يهودية ديمقراطية ومستقلة. وكأن هذا الحل في ذلك الوقت كان يعبر عن موقف مبدئي وصحيح، ولكن لنترك ذلك جانبا. إذن، السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا تخلى الشيوعيون عن موقفهم المبدئي والصحيح؟ ويجيب مخول: أولا، لم يكن للاتحاد السوفياتي دخل في هذا التغيير، والخطاب "الصهيوني" (هذه الإضافة مني) الذي ألقاه غروميكو في الأمم المتحدة لم يكن السبب، تصويت الاتحاد السوفياتي مع الولايات المتحدة ومع ال33 دولة لصالح التقسيم هو أيضا لم يلعب دورا. السبب الوحيد حسب رأي عصام مخول لتغيير هذا الموقف المبدئي والصحيح هو أنه مع تطور الأحداث واختلال ميزان القوى لم يعد مبدئيا ولا صحيحا، وحل مكانه موقف مبدئي وصحيح آخر (ديالكتيك يا أخي!) وتم تبني الموقف الجديد بفضل الرؤية الواضحة وبعيدة المدى للحزب الشيوعي. فقد اكتشف أن الرجعية العربية كانت متواطئة مع الصهيونية والامبريالية وهي لم ترسل جنودها لمنع إقامة الدولة اليهودية بل لمنع إقامة الدولة العربية وقد نجحت بذلك، ورأى الحزب بنظرته الثاقبة أن الخيار لم يعد بين تقسيم فلسطين وبين الدولة ثنائية القومية الديمقراطية المستقلة. بل أصبح الخيار بين تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية وبين نكبة فلسطين. وهكذا تمت الموافقة على قرار التقسيم لتفادي النكبة ولكنها يا فرحة ما تمت.
التاريخ وما أدراك ما التاريخ وكتابة التاريخ. كان بودي أن أصدق كل ما كتب لولا أن ذاكرتي ليست قصيرة إلى هذا الحد: فما زلت اذكر عندما انصاعت منظمة التحرير الفلسطينية للضغوطات الدولية والإقليمية وخضوع التيار المهيمن عليها واعترفت بدولة إسرائيل التي قامت على أساس قرار التقسيم المحسن بزيادة ربع فلسطين، كيف قامت أبواق الحزب الشيوعي بالطبطبة على ظهر مكسوري الظهر من زعماء المنظمة الذين تبنوا أخيرا موقفهم واصبح "الحجر الذي رفضه البناؤون حجر الزاوية" وأهم من الحجر الأسود.
قد تحتل فلسطين. وقد احتلت بالفعل في تاريخها عشرات المرات. وقد يطول الاحتلال قرونا وقد يقتصر على بضع سنوات. وقد يتكالب عليها المستعمرون من كل حدب وصوب وينهشون منها الكثير أو القليل. ولكنها في النهاية تبقى فلسطين هي فلسطين ولا تقبل القسمة إلا على نفسها أو على واحد هو شعبها.