عالمنا في الشهر الاول
علي زبيدات - سخنين
ها هو الشهر الأول من العام الجديد قد أشرف على نهايته. وبعيدا عن الامنيات والتمنيات التي رافقت وداع العام المنصرم واستقبال العام الجديد، يبدو أن هذا العام لن يخيب آمال أحد فهو مثقل بالأحداث ككل عام وربما أكثر قليلا وعلى كافة الأصعدة: العالمي والإقليمي والمحلي. وتستحق جميعها التوقف عندها والتأمل في أعماقها ومن ثم الكلام والكتابة عنها. على الصعيد العالمي، انتهى العام الماضي بانتخاب دونالد ترامب رئيسا لأقوى دولة في العالم بعد حملة انتخابية لم تشهد الساحة السياسية الأمريكية مثلها من قبل كان عنوانها من غير منازع: نشر العنصرية والكراهية ضد "الأجانب".
وبدأ العام الجديد بتسلمه مقاليد الحكم فعليا لكي يبدأ بتنفيذ ما وعد به. وبالفعل عند كتابة هذه السطور كان الرئيس يوقع على مراسيم تلغي تأشيرات الدخول لأمريكا لسبع دول إسلامية وبناء جدار على طول الحدود مع المكسيك ومراسيم أخرى تحدد علاقة امريكا بمؤسسات دولية. وكانت هذه البداية فقط. في باريس عقد مؤتمر للسلام في الشرق الاوسط طال انتظاره ولكنه انتهى بسرعة وبدون أية نتائج تذكر ما عدا تكرار المكرر واجترار المجتر. مؤتمر غريب عجيب آخر يعقد وينتهي في استانة عاصمة كازاخستان بين النظام السوري والمعارضة المسلحة برعاية روسيا وتركيا وإيران مع إقصاء بامريكا وكافة الدول العربية.
الوضع الإقليمي يشهد استمرارية من العام الماضي وتجديدات خاصة بالعام الحالي. تحالفات جديدة وصراعات قديمة. في سوريا يتكلمون عن هدنة سبقتها هدنات وسوف تتلوها هدنات بينما يستمر القتل والدمار بوتائر متفاوتة، جرائم تقترف في وضح النهار وأمام العالم لكنها تسجل ضد مجهول، فلا القاتل يحاسب ولا المقتول ينصف. تركيا تبتعد عن أمريكا وتقترب من روسيا. أمريكا تتقهقر وروسيا تتقدم. الصراع الطائفي بين إيران والسعودية الذي تنبعث منه رائحة نفط قوية يلوث أجواء العالم العربي من اقصاه الى اقصاه.
لنترك العالم يتخبط بصراعاته وتحالفاته ولنلق نظرة سريعة على أوضاعنا المحلية. في غزة يدخل الحصار عامه العاشر والناس صابرون، بعض المظاهرات ضد انقطاع الكهرباء تقمع بشراسة، المهم أن يبقى صمام الأمان متينا ومتماسكا بفضل الاتفاق التركي-الإسرائيلي وصدقات الدول المانحة، حيث يدخل كل شيء إلى غزة بالقطارة. في الضفة الغربية الاحتلال بصحة جيدة بفضل التنسيق الأمني وبفضل النضال "الذكي" الذي تخوضه سلطة أوسلو. يعرضون علينا، للهو والتسلية، مسرحية "عمونا" وفي الوقت نفسه يتمددون في كافة الاتجاهات. تطير فتح وحماس وباقي الفصائل إلى موسكو من أجل عيون المصالحة، يأكلون ويشربون ويقضون ليال حمراء برفقة الحسناوات الروسيات ومن ثم يعودون إلى صراعاتهم القديمة. السلطة الفلسطينية تسجل انتصارين في فترة قصيرة. الاول: قرار من حبر على ورق صادر عن مجلس الامن يعتبر الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية غير شرعي ولكنه في الوقت نفسه يشرعن ما هو أخطر من الاستيطان. والانتصار الثاني: عقد المؤتمر الدولي للسلام في باريس بالرغم من معارضة إسرائيل، ولا يهم إذا خاض هذا المؤتمر بكل المواضيع في الدنيا ماعدا السلام. فالانتصارات الوهمية هي الأخرى انتصارات.
عندنا، القضية الملتهبة هي قضية هدم البيوت، أولا في قلنسوة ومن ثم في أم الحيران والحبل عالجرار. وهذه قضية قديمة جديدة تشهد تصعيدا تارة وركودا تارة أخرى. لكنها سياسة إسرائيلية ثابتة منذ قيام هذه الدولة. وهنا ايضا من حقنا أن نعلن عن انتصارات وإن كانت وهمية هي الأخرى أسوة بإخواننا الفلسطينيين. فخلال فترة قصيرة من الزمن قمنا بإضرابين ناجحين ومظاهرة جبارة في قلنسوة بالإضافة إلى العديد من النشاطات ضد الهدم شملت أماكن عديدة على طول وعرض البلاد. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل استطاعت كل هذه التحركات أن تمنع هدم بيت واحد؟ والجواب هو: حتى الآن لا، واشك أن تستطيع ذلك في المستقبل.
رد الفعل حتى عندما يكون جيدا وناجحا يبقى رد فعل. التغيير يأتي عندما يتحول رد الفعل إلى أخذ زمام المبادرة. زعامتنا بكافة تركيبتها ومستوياتها ما زالت أسيرة سياسة رد الفعل ويبدو انها لم تسمع بشيء اسمه روح المبادرة، حتى عندما يتكلمون عن تخطيط بديل يبقى هذا التخطيط خاضعا لاعتبارات استراتيجية رد الفعل.
أعمال الهدم الأخيرة أثبتت أن الطاقة الشعبية المناهضة لهذه الأعمال والقادرة على إحباطها موجودة تبقى مهمة جمعها تنظيمها، تعبئتها وتفجيرها في الاتجاه الصحيح. الجماهير مستعدة أن تضرب وأن تتظاهر ولكن فقدان الاستراتيجية يفقد الإضراب والمظاهرات مفعولها.
الاحتجاج على هدم بيت ضروري جدا ولكن الاهم منه هو أن نبني بدل البيت المهدوم بيتين أو ثلاثة. يجب ألا تكون شرعية البيوت العربية مستمدة من قوانين التنظيم والبناء العنصرية ولا من قرارات الوزارات الإسرائيلية المختلفة، ويجب ألا تكون خاضعة لسياسة الميزانيات بالتواطؤ مع أعضاء الكنيست العرب ورؤساء السلطات المحلية العربية. شرعية البيوت العربية يجب أن تكون مستمدة فقط من حاجة الجماهير العربية لها لكي تعيش حياة إنسانية كريمة.
ر/