إرهاب أم حرب على الإرهاب؟
علي زبيدات - سخنين
عندما شن جورج بوش حربه التي اشتهرت تحت اسم الحرب العالمية على الإرهاب كان واضحا منذ البداية أن الأهداف الحقيقية لهذه الحرب لم تكن ملاحقة ومعاقبة الإرهابيين الذين نفذوا عمليات 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن. الأهداف الحقيقية كانت احكام السيطرة الأمريكية على المنطقة بشكل عام وعلى المناطق التي تحتوي على أكبر احتياطي للنفط بشكل خاص، بالإضافة إلى حماية دولة إسرائيل بصفتها حليف استراتيجي. ومن هنا بدأ احتلال أفغانستان ومن ثم العراق وتكثيف التدخلات في الشؤون الداخلية لباقي الدول في المنطقة.
لا يوجد هناك تعريف واحد متعارف عليه دوليا للإرهاب، ولكن إذا أخذنا تعريف القانون الجنائي الدولي الذي اعتمدته المحكمة الجنائية الدولية والذي يمكن تلخيصه بأنه استعمال العنف أو التهديد باستعماله من قبل افراد او مجموعات او حتى دول ضد المدنيين من حيث الأساس لزرع الرعب والخوف في صفوفهم من أجل تحقيق مآرب سياسية، كنقطة انطلاق وكمعيار لتقييم السياسة الأمريكية لوجدنا ان أمريكا تفوقت على كافة المجموعات الارهابية مجتمعة. فإذا أسفرت غزوة بن لادن على نيويورك عن 3000 ضحية معظمهم من المدنيين فإن غزوة جورج بوش الابن للعراق أسفرت لوحدها عن مقتل مليون ونصف مليون ضحية غالبيتهم العظمى من المدنيين. وإذا كان هدف الإرهاب زرع الرعب والخوف في صفوف المدنيين بواسطة استعمال العنف أو التهديد باستعماله لتحقيق مآرب سياسية، أليس هذا هو جوهر وغاية السياسة الأمريكية؟
يعترف بعض الباحثين، في سياق تصنيفهم للإرهاب، بأنه يصدر بشكل فردي أو بشكل جماعي غير منظم أو بشكل جماعي منظم أو إرهاب صادر عن الدولة، ولكنهم سرعان ما يتناسون هذا الصنف الأخير المسؤول، حسب رأيي، عن 90% على الأقل من الإرهاب في العالم ويقتصرون في تحليلاتهم على الإرهاب الصادر عن أفراد أو مجموعات هامشية منظمة كانت أو غير منظمة. هكذا حصل إرهاب الدولة على نوع من الشرعية في أعين القانون الدولي والمحاكم الدولية بل في أعين بعض منظمات حقوق الإنسان الدولية أيضا. فالجندي المدجج بالسلاح يتمتع بالحصانة حتى عندما يطلق نيرانه على مجموعة من المدنيين ويرديهم كلهم أو بعضهم بين قتيل وجريح، بينما الفرد الذي يرمي دبابة بحجر لانها تدمر حياته يوميا فهو ارهابي وقتله مباح. تستطيع الدولة أن ترسل إحدى طائراتها الحربية مزودة بصاروخ متطور أو قنبلة ذكية وزنها طن أو تحمل برميلا من المتفجرات وتدمر بناية كاملة أو عدة بنايات وفي بعض الأحيان أحياء كاملة او مدن كاملة بحجة وجود إرهابي أو أكثر، وتقتل ما تيسر من المدنيين ومن ثم تسجل على إنها عملية للدفاع عن النفس.
يصل إرهاب الدولة إلى أعلى مستوياته والى ابشع صوره عندما يقترن بايدولوجية رجعية وينظرة عنصرية للآخر كما هو الحال في بلادنا. في الفكر الصهيوني (الإسرائيلي) كل فلسطيني هو ارهابي إذا لم يكن بالفعل فبالقوة. فالطفل الفلسطيني هو ارهابي بالقوة لانه سوف يصبح ارهابي بالفعل عندما يكبر، وفي كثير من الأحيان لا يوجد حاجة لانتظاره حتى يكبر، فإذا حمل سكينا أو حجرا في مواجهة جندي إسرائيلي فيمكن إطلاق النار عليه وقتله وتقوم وسائل الإعلام الإسرائيلية بوصف الحادث على أن محارب إسرائيلي قتل أو (حيّد) مخربا أو إرهابيا فلسطينيا. وهكذا أصبح الطفل أحمد مناصرة إرهابيا خطيرا بينما أصبح الجنود الذين لاحقوه محاربين ونالوا الاوسمة. لا تقتصر هذه النظرة على المؤسسة العسكرية بل تنضم إليها المؤسسة القضائية وتحكم عليه 12 عاما في السجن (كل سنة من حياته يقابلها سنة سجن). وهكذا تصبح هديل وأشرقت اللتان قتلن بدم بارد مثلهن مثل عشرات الشهيدات، إرهابيتين خطيرتين.
صدّرت دولة إسرائيل هذه النظرة: إرهاب الدولة ممزوجا بأيديولوجية عنصرية الى دول العالم. وكان أول من استوردها واستعملها كما أسلفت الرئيس الأمريكي جورج بوش وها هو الرئيس الجديد دونالد ترامب قد تبناها كمرشح وتعهد بأن يطورها ويزيد من استعمالها.
الأهم من ذلك كله أن الأنظمة العربية من غير استثناء هي الأخرى قد تبنت هذه الايديولوجية بحذافيرها. لم يعد مصطلح الإرهاب (الفلسطيني، العربي، الإسلامي) حكرا على إسرائيل وأمريكا والدول الغربية بل أصبح كل معارض لأي نظام عربي ارهابيا. بالنسبة لهذه الأنظمة لا يوجد هناك معارضة أصلا شرعية كانت أم غير شرعية، يوجد هناك: اما ولاء وإما ارهاب. والإرهاب يعني حق الدولة في الملاحقة حتى التصفية الجسدية.
لقد آن الأوان أن نشير بأصابع الاتهام الى الارهاب الحقيقي، إرهاب الدولة ويجب توحيد النضال لمحاربة هذا الارهاب والانتصار عليه عن طريق الوقوف إلى جانب قضايا الشعوب العادلة وحقهم في الحرية والاستقلال.
No comments:
Post a Comment